سهى المحمدي: المرأة بطل أعمالي

220

بروكسل/ فلسطين الجنابي

في البدء كانت الأرض، الرحم الأول لتشكيل كل شيء، فحين خلق الله الإنسان، شكله من مزيج مائها وترابها، كذلك هي المرأة، منها تبدأ الحياة، وأظن أنها إليها تنتهي.وسهى المحمدي واحدة من النساء اللواتي طالما استوقفنني، سيدة تشبه حياة مختزلة في امرأة، حياة غير منتظمة المزاج، ولا تخضع لمعايير رتيبة، تتعثر على سلمها، فيسقط منها لون وفرشاة وتنهيدة، فتعيد صياغة الأشياء، كمن يستعيد كلمات ربه ليتوب عليه، لكن التوبة كانت لـ آدم، فماذا عن حواء؟
دعونا ندخل صومعة سهى المحمدي فنكتشف أسماءها وكلماتها التامّات .
“المرأة هي بطل أعمالي، والرجل عاشق لها فقط، هذا مكانه الصحيح .”
وسهى المحمدي -لمن لا يعرفها- فنانة حملت معضلات الوجود، كونها من أب عراقي وأم فلسطينية، فورثت تغريبات متسلسلة، هي خريجة أكاديمية الفنون الجميلة قسم التصميم الطباعي، في أواخر تسعينيات القرن الماضي، وهي أيضا امرأة رسامة لم تخضع لتصنيف، لفتني ولمسني جداً كامرأة قولها “المرأة هي بطل أعمالي دائماً، ثم أحياناً يأتي الرجل كمساند لها، وأضعه في مكانه الصحيح، كعاشق لها فقط.”
الرجل عاش فحسب
والسؤال لسهى: كيف أقصيت الرجل إلى هذا الحد عن دوره الذي يقاتل في الحفاظ عليه كرائد في جميع المفاصل الحياتية؟ وهل يصنفها قولها هذا مساندة للنسوية الحديثة أم أنها نرجسية عالية من امرأة تعبث بالألوان فتخرج لنا سحراً؟
إن أهم أدوار الرجل هو أن يكون عاشقاً للمرأة، وعلى المرأة أن تكون عاشقة له، فالحياة قائمة على الذكورة والأنوثة، هذا هو الدور الأساس في حياة كليهما، وعليهما يتوقف توازن الحياة، أي خلل في هذا الجانب يحدث كارثة حقيقية، تماماً كما يفعل أي اختلال بيئي أو حراري في الأرض نتيجة لعدم التوازن.
“الحركات النسوية حرفت مطلب العدالة واستبدلته بالمساواة.”
أما فيما يخص الشطر الثاني من السؤال، حول مساندة النسوية، فدعيني أوضح فكرتي عن التكامل، وليس المساواة: برأيي أن تصنيف النسوية ومفاصلها، وما آلت إليه تصنيف خاطئ، قد حرف مطلب العدالة واستبدله بكلمة المساواة.
علينا أن نطالب، أو ننتزع، حقوقاً وقوانين، أما المساواة فهي كلمه مطاطة، المرأة في رأيي لا تحتاج إلى شيء غير القوانين الصحيحة للتعامل معها معاملة مواطن الدرجة الأولى، فهي كائن مكتمل لا يحتاج إلى التساوي مع شيء.
أنا مؤمنة بالفن
الإحساس بالألم الإنساني -بكل تجلياته- جعل من سهى منحازة إلى المدرسة التعبيرية.. تعلل ذلك بقولها:
أنا أعتمد على العاطفة والخيال والإلهام، وأعبر عن الأحاسيس والتصرفات التلقائية الحرة، وأيضا أنا منحازة في أعمالي للشكل الحديث من التجارب الفنية الذي يخرج عن التصنيفات النمطية والقواعد التقليدية، لا ألتزم بنمط أو تكنيك ومؤمنة بأن الفن حرية، وهذا بطبيعة الحال يتناقض مع الالتزام بنمط رسم واحد.
ما فوق الواقع
سهى ترى العالم -من خلال تعبيرها عن لوحاتها- وتؤكد أن هاجسها الأساسي هو الارتقاء بالشكل واللون إلى ما فوق الواقع المرئي، ما يمكنها من التعبير عن رؤيتها الشخصية للعالم.
وبطبيعة الحال فأن تقول سهى: إن على الفنان الرسام أن يعدد مصادر إلهامه، فيستمع ويحفظ الشعر والموسيقى والأغنيات، فهي تعتبر جزءاً مهماً من مصادر إلهامها.
تضيف: الرسم تجارب، لذلك يجب متابعة التجريب وعدم التقيد بشكل أو ستايل واحد، فمن الملل أن يبقى الفنان يرسم ٤٠ عاماً بنفس التكنيك، مع احترامي لكل من اتخذوا هذا المنهج.
تعبيرية حالمة
هل ترين أن الرسام، أو الفنان، يجب أن يكون مبدعاً أيضاً في جانبي الأدب والكتابة؟
ليس بالضرورة أن يكون الفنان أديباً، لكن من الضروري أن يكون مهتماً بالأدب بكل أنواعه شعراً ورواية، وأن يكون مطلعاً على كل ما يحيط به من فنون، مسرح وموسيقى وحتى الأزياء، لأن كل ما ذكرت يوسع مداركه وأفكاره، ويجعله يخرج بالفكرة بعيدا عن التكرار، إن ما يحيط حياته الشخصية له دور مهم في ترجمته على اللوحة، فأنا تعبيرية حالمة أرسم ما أتمناه.
في الغالب يكون الرسام والموسيقي مكتئباً، أو ذا مزاج سوداوي.. كيف أنت؟
ـ أنا تعبيرية حالمة، أرسم ما أتخيله وأتمناه، وأعالج مشاكلي بمنظوري الخاص، الذي يميز لوحاتي أنها تجسد فعلاً حالة المزاج التي تعتريني لحظتها.
ألوان تشبهني
سهى تفضل ألوان الأكريلك في لوحاتها، عللت ذلك بقولها: ألوان الأكريلك واضحة وبسيطة، أعتقد أنها تشبهني، وأيضا لا تنسي أنني من مدرسة التصميم الطباعي حيث تكون الألوان البراقة والخطوط الحادة هي المعتمدة في الغالب .
“الرسم حالة لا طقوس لها عندي، أرسم بعض لوحاتي في المطبخ .”
هل هناك أجواء أو طقوس خاصة تمكن الرسام من إنجاز لوحته؟
ـ ليست لي طقوس في الرسم، أرسم في أي وقت بمصاحبة الموسيقى، وفي أي مكان، حتى في المطبخ أحياناً، إنها حالة تستدعيك، لا طقوس تحكمك، كما أنني لا أخضع لتكنيك أو مدرسة معينة، صحيح أني أميل إلى التعبيرية، لكني أرسم ما أشعر به وبحرية مطلقة لأني مؤمنة أن الفن حرية، لذلك لا أخشى الخروج عن المألوف.
وهل أفكار لوحاتك تأتي من حالة خاصة من واقع تعيشينه وتعانينه؟
مواضيع لوحاتي هي توثيق للحظة أو حالة إنسانية، ليست بالضرورة تعنيني، قد تكون قصصاً تخص آخرين أعرفهم، تارة أوثق اللحظة والحالة والإحساس، وتارة أجسد قصة أو أوثق إحساساً تجاه أغنية.
ثم أن المعاناة والألم يصقلان شخصية الفنان ويعطيانه دافعاً إنسانياً للبحث والكشف عن مضامير الحياة، وعن مضامير نفسه أيضا، وأنا في هذا الزخم أجد الرسم مخرجاُ ومتنفساً وتعبيراً، إنه يعطيني قيمة لهذا العمر وليس العكس.
أنظف بالكتابة ما يحيطني
سهى سيدة بيت وأم ورسامة، كيف ترين نفسك؟
كامرأة، أجد أن هذا أيضاً يشكل تحدياً عظيماً، فالمرأة الفنانة تختلف عن الرجل، كون الرجل دائماً ما يجد وقتاً لما يريد أن يفعله، بينما المرأة تكبلها ضروريات اليوميات وحاجات الأسرة.
لسهى تجارب في الكتابة، هل تسعى أيضاً لأن تكون الرسامة الكاتبة، ماهو نوع كتاباتك، وما علاقتها بلوحاتك؟
ـ كتاباتي هي هاجس ومتنفس بالأصل لحالة موجودة في داخلي، وصُقلت من خلال كثره القراءة، لتكون لدي محصلة لغوية وخيالية، بالكتابة أعبر كما في الرسم، أصنف نفسي رسامة تحب الكتابة، أكتب عن كل ما يدور في عقلي وقلبي من أحاسيس، أسلوبي يعتمد السخرية أحيانًا، كوميديا سوداء، لأنظف بها شوائب السواد المحيط بي، لا أطمح أن أحقق في مجال الكتابة شيئاً، هي فقط حالة آنية، تعزز شرح اللوحات.
هذه أعمالي
وماذا عن أهم أعمالك وأقربها الى نفسك؟
ـ بعد مغادرتي بغداد، انتقلت للعيش في غزة، حيث عملت كمصممه لأغلفة العديد من الكتب والمجلات وأنجزت 25 غلافاً فنياً لمجلة (رؤيا) الثقافية، والعديد من أغلفة الدواوين الشعرية لشعراء عرب .
أيضا نفذت العديد من البوسترات المعبرة عن النكبة الفلسطينية والشعارات والكتب، وشاركت في رسم العديد من الجداريات الجماعية في فلسطين .
كما شاركت في عدد من الفعاليات والمعارض الفنية في مصر والأردن وكوبنهاجن
أغنيات ومدن، وحياة موازية، أول معارضي الشخصية
شاركت أيضا في معارض جماعية في كل من الدنمارك ومصر والأردن والنرويج، في حين أقمت معرضي الشخصي الأول في عام ٢٠١٧ في الأردن تحت عنوان (أغنيات ومدن)، ومعرض عام ٢٠٢١ تحت عنوان (حياة موازية)، وحصلت على تكريمات وجوائز ودروع أفتخر بها.
لم أحظ بدعم حكومي، ولا من أية جهة أخرى، نجاحي كان بمجهود شخصي فقط.
أتنفس بالرسم
وهل من كلمة أخرى؟
أطمح لوقت خاص، لأني أجتز وقتي اجتزازاً من مشاغلي ومسؤولياتي، كي أستطيع أن أرسم، فأنا امرأة تتنفس بالرسم !!