سينما النصر.. قلعةُ الأفلام العربية

990

محسن إبراهيم /

أمام مبنى سينما النصر، وسط مدينة بغداد، استقر الباعة المتجولون بعدما أغلقت السينما أبوابها منذ عقود عدة، وحزمت حقائبها وقررت الرحيل قسراً مخلّفة وراءها تاريخاً طويلاً ومبهراً, فتحولت إلى مبنىً مهجورٍ خالٍ من الروح، ومن صخب الأفلام والجماهير والتدافع من أجل الحصول على تذكرة. جدران المبنى متهالكة، يتوسطها اسم السينما وقد سقطت بعض حروفه بفعل الهجران، ولم تعد لوحات إعلاناتها تزهو بأسماء الأفلام وصورها، ..القاعة الكبيرة التي طالما ارتادها العراقيون خلَت من العروض.
كل تلك الأشياء تحولت بعد إغلاق أبواب سينما النصر العتيدة في وجه روادها إلى مجرد ذكريات، يروي تفاصيلها الأجداد والآباء، تفاصيل جميلة ومشوّقة للأبناء والأحفاد، الذين لم يعايشوا حتى الآن شعور دخول السينما، فقد نشأت أجيال كاملة وتربّت في العقود الماضية ولم يدخل أي فرد منها صالة سينما في حياته، وانحصرت علاقتهم بالأفلام والعروض بالتلفزيون أو ما يسمى بسينما الداتا شو.

قلعةُ الأفلامِ العربية
عندما تسير في شارع السعدون يأخذك الشارع في زيارة إلى أزمنة أخرى، فهو أشبه بآلة الزمن، إذ يعيدك الى زمن آخر، ولا بد من أن تعرّج بك قدماك الى أماكن كانت تتنفس الثقافة والفن، وتحلّق بأجنحة الحنين في مساءات بغداد الجميلة، أماكن كنت ترتشف من زادها الروحي, مسرحاً وموسيقى وغناء وسينما, لكنك تفاجأ أن الغبار يملؤها والريح تصرخ في فراغها, تستند الى جدار الصمت والحيرة, متشبثاً بزمن جميل, يثير الأسئلة.
يمتد شارع السعدون من الباب الشرقي (ساحة التحرير) حتى ساحة الفتح في الكرادة الشرقية بطول ثلاثة كيلومترات ونصف، ويعد أحد الشوارع الرئيسة ومركزاً مهماً وحيوياً للعاصمة بغداد لما يحويه من عيادات لأشهر الأطباء في العراق، ومكاتب السفر المتعددة، والفنادق، فضلاً عن المكتبات ودور النشر الشهيرة، ودور العرض السينمائي التي تنتشر على جانبيه. ومن هذه الدور سينما النصر التي شُيدت عام 1961 بمقاعدها الـ1200، وعرضت أفلاماً عربية وأجنبية، أما بعد العام 1963 فاقتصرت عروضها على الأفلام العربية بعد أن قدمت العديد من الأفلام الأجنبية المميزة مثل: “أتلانتيس القارة المفقودة” و”عشاقها الأربعة” و”الثائرة الحسناء” لصوفيا لورين و”السهم الذهبي” و”روزانا بودستا” و”خذها إنها لي” لجيمس ستيوارت، و”الطريق إلى الغرب” لجون وين، و”الرولس رويز الصفراء” لشيرلي ماكلين وعمر الشريف. أما قائمة الأفلام العربية فقد ضمّت أفلام “الخطايا” لعبدالحليم حافظ ونادية لطفي، و”أبي فوق الشجرة” لعبد الحليم حافظ أيضاً، و”حكاية العمر كلّه” لفريد الأطرش وفاتن حمامة، و”إحنا التلامذة” لعمر الشريف وآمال فريد, و”الناصر صلاح الدين” لأحمد مظهر ونادية لطفي, و”سلوى في مهب الريح” لزبيدة ثروت وشكري سرحان، و”التلميذة” لشادية وحسن يوسف، و”السبع بنات” لحسين رياض ونادية لطفي، و”لن أعترف” لفاتن حمامة وأحمد مظهر، فضلاً عن الفيلم العراقي “الظامئون” لخليل شوقي وناهدة الرماح.
العندليب في سينما النصر
حين كانت شهرة الفنان عبد الحليم حافظ في أوجها زار بغداد في مناسبتين؛ الزيارة الأولى كانت ضمن وفد يضم فنانين عرباً كباراً، هم كلٌ من: محمد قنديل ونجاة الصغيرة وكارم محمود وشريفة فاضل وهدى سلطان ولبلبة ومها صبري وفائزة أحمد وأحمد غانم وثريا حلمي وإسماعيل ياسين ومحمد عبد المطلب وصباح وفهد بلان وسميرة توفيق وفايدة كامل ومريم فخر الدين وأمينة رزق ومحمود شكوكو, وكان الهدف من زيارة الوفد هو إقامة حفلات فنية على مسرح سينما النصر, يوم التاسع والحادي عشر من حزيران عام 1964 وكان يوماً مشهوداً لدى محبي العندليب، فهي المرّة الأولى التي يستمع فيها معجبو حليم الى غنائه على نحو حي مباشر, غنى عبد الحليم حافظ مجموعة من أغانيه منها: و”حياة قلبي وأفراحه” و”الحلوة” و”المسؤولية” و”بلد الثوار” و”حكاية شعب”.
الزيارة الثانية لبغداد كانت عام 1965 مع وفد الفنانين العرب الى بغداد، واحتضنت سينما النصر أيضاً حفلات غنائية عدة قدمها الوفد الزائر.