شدادّ عبد القهار لـ ” الشبكة”: لا أحد يمنع الفن من بلوغ غايته!

890

خضير الزيدي /

وسط صخب فني ومدارس متنوعة تلجأ لاحياء الفن التعبيري الموظف للمحلية والتراث، حافظ الفنان شداد عبد القهار منذ ثمانينات القرن المنصرم حتى اليوم على مكانته الفنية، متمسكاً بخطاب الفن التجريدي، وقدم لنا أعمالاً في الرسم جعلته يكتسب أهمية تلفت إليه أنظار محبي الفن ونقاده.

وبعد أن ترسخت تجربته التي حملت بصمات التعبيرية التجريدية تساءلنا معه حيال فهمه لطرائق الرسم في هذا الزمن العصيب وكيف تبدو تطلعات الفنان أزاء متغيرات الفن ورؤية تجديد خطاب العمل الفني..

الفن والواقع

عن الروابط الأخلاقية التي تجمع بين جدلية الفن مع الواقع يؤكد شداد عبد القهارأننا أمام قضية متشابكة ونبحث عن حلول منطقية لها وفقاً لتوظيف الفن للوقائع اليومية، من هنا لا بد من الاعتقاد بأن الفن يمثل صورة من صور الجمال وأنه ينتقل بالحوافز القيمية والأخلاقية، فعلى مدى تاريخ الجمال اقترن مفهوم الحق المشيد على الخير ضد الشر والعدل ضد الظلم والنور ضد الظلام وسواها من المتباينات ونطلق عليها ثنائيات ضدية، لقد كان الفنان فيما مضى وأقصد في العصور القديمة منذ أن شرع بتأسيس دويلات المدن كمثل الكاهن أو الراهب أو راعي شؤون الناس والقاضي بينهم ولفرط قدسية عمله وجلالة ووقاره فأنه أوكلت إليه مهمة تفسير الحقائق الكونية والوجود ولذا فوض لتكريس الفن الذي يعمل عليه سواء كان نحتاً أم رسماً للأغراض الدينية المتصلة بالدنيوية ولنا في العراق رصيد هائل من المنحوتات المعبرة عن الآلهة ( تموز / عشتار / آنو / انليل )كما نجد الكثير من المنحوتات الأخرى تمثل صوراً لأبطال في التاريخ

كنز وقيمة

لكن ثمة إشارة نبهنا إليها ( موندريان) مفادها هناك إمكانية لغياب الفن ألا تري أننا بحاجة إلى الفن وإلى جمالياته؟ كيف يفسر عبد القهار تلك الإشارة؟

يقول أن الفن أشبه بالكنز، ولكن قيمة أي شيء انما بقيمة مادته وطرائق تأليفها وصياغتها. وعليه فأن الفن لا يموت ولا يشيخ أبداً بل يعيش بعمر فتي يمتلك طاقة لا تحدها الحدود وفي عصرنا الراهن بلغ الفن الحديث غايات مدهشة حقاً كما أن فنون ما بعد الحداثة قدمت خلاصة تتصل بآخر التوصلات العلمية واستثمارها في الفن وبهذا المعنى يمثل نمطاً من الإنتاج المواكب للحضارة والتطلعات الإنسانية، كما أن الفن دخل وبشكل مباشر في حياة كل الناس عبر وسائل متعددة، ولا أعتقد أن الإنسان لا يستطيع العيش بلا فن، لأنه تعمق في شكل ملابسه وقصة شعره وعلبة العطر التي يستخدمها والسيارة التي يركبـــــــها، أن موندريان بوصفه فناناً حداثوياً معني بفن الفضاء وكان مغرماً بالفراغ الحاصل بين السماء والأرض، ولذا حث خطاه سائراً على سطح مبنى مرتفع ليسير في الفراغ حتى سقط على الأرض ومات!

الفن مشاكسة

وسألته من ذات المنطلق الذي تحدث عنه ألا تبدو وظيفة الفن مشاكسة؟ يرى شداد عبد القهار أن الفن يشمل على الحسي والعقلي معاً، كما يشمل نوعاً من الحدس والنبوءات وثمة رؤية للأشياء من الخارج بحيث يوحي الفنان بقيمة الأشياء المسماة ونقصد بذلك إمكانية القراءة بوضوح تام، فالمنظر الطبيعي مثلاً يشتمل على مسميات مثل الأرض والماء والسماء والأشجار وبقية الأشياء الأخرى، فلكل جزء أو تفصيل اسم حقيقي له صفاته كما له زمانه ومكانه، أما الفنون الحداثوية والتي أعمل بموجبها، فأنها تمثل المحاولة في إقصاء المسميات وإزاحة الوضوح، فالذي أراه لم يستطع غيري رؤيته كما أن الذي أفكر فيه أو أتحسسه لم يفكر به غيري لذا أقول بأنني خرجت على إنشاء مملكتي الخاصة المتضمنة أعرافي وقيمي ورؤيتي للوجود ولكن ذلك لا يعني أنني أحيد الآخرين وابتعد عنهم لا في الحياة ولا الفن، لهذا أرى الفن من الصور الانعكاسية، بالرغم من لغة التمويه والإدغام.

بحر من الخيال

ترى هل حدث وأن شيد عبد القهار عالمه الفني بطقوس الروح والميثولوجيا؟عن ذلك يقول:

حين ارسم وإزاء حالة الاندماج والاستغراق ستجدني تائهاً في بحر تخيلي أتملك جناحين من الفضة أحلق في العلا غير مشتمل على قوانين الجذب، ولذا أستحيل إلى شيء متماه فأغدو كمثل النسمات أو الأثير أو كما ذرة ماء تغرق في البحر.. لقد تساءل أحد المفكرين عن مغزى الفن هل هو علم أم دنيا أم معتقد أم هو إصلاح اجتماعي أم ماذا؟ ولماذا يمتلك هذه القيمة على مدى الأزمان والأماكن فإذا كان الفن القديم يمثل نزوغاً باتجاه السحر والشعوذة وقراءة الطالع فأن الفن اليوم لا يختلف كثيراً عما كان عليه في الماضي، لأن الفنان دائماً يحاول القبض على اللغة التي تشبه الجمر ليفض أفواه المعاني التي تستطع اللغة المعتادة أن تدركها، فما لم تدركه وسائل تعبيرنا وما لم نستطع الإفصاح عنه باللسان أو الفكر أو أي هجائية في العالم فأن الألوان والخطوط والأشكال تسمح بالبوح عن مختلجات النفس وتمهد للكائن طريق قراءة الغيب أو التأثير بالطبيعة لهذا يبدو الرسم نزوعاً إشارياً له دلالاته الباطنية

السلوك الإنساني في الفن

طلبت من عبد القهار أن يشرح لي أهمية علاقة الربط بين الحسي والعقلي في الرسم؟

عن هذا يقول: أن طريقة الرسم لديّ لم تكن متعلقة بالمرئيات وحدها ولا بالمحسوسات وإزاء أي فعل في الحياة ينبلج السلوك الإنساني بوضوحه ليعبر عن مشاركة الحس بالعقل أعتقد أن الفن وليد لاشتراطات الحياة وهو نوع من الفعاليات المؤكدة للجوانب الغريزية في الطبيعة الإنسانية، فحين أرسم ورقة محروقة بالسجائر مثلاً فأني أراعي خصوصية الرسم الواقعي المحاكي الذي يقبل التصديق وهذا احتكام عقلي محض، وحين أضمن الألوان الانفعالية السريعة فذلك احتكام حسي

ترى كيف ينظر الفنان شداد عبد القهار إلى المشهد العراقي الراهن؟ يؤكد نحن في العراق مسكونون بهم الجمال كأننا بذلك نؤكد هويتنا الإبداعية والإنسانية ومن ثم تأكيد للهوية الوطنية. المشهد الراهن يحمل بين طياته الكثير من الانجازات الخلاقة التي لا أحد ينكرها فهناك أسماء معروفة في خارج العراق وهم الآن تحت لهيب النار المشتعلة بين الأحزمة الناسفة والمفخخات وينتجون جمالاً لا مثيل له في كل المراحل التاريخية السابقة كأنهم بذلك يخلقون المعجزات من تراب الأرض وليس من كتلة لونية معجونة الزيت والذاكرة، نعم مشهدنا الراهن يحمل أسماء بارزة في هذا المضمار

الأثر الإنساني

قلت لشداد في لوحتك التجريدية فضاء ومساحة من الحرية مشروطة بتضاد تكتيكي إلى أين يسحبك هذا الشعور؟ أوضح أن منطقة التجريد التي يعمل عليها منذ زمن بعيد لا يشتغل عليها الآخرون، فشاكر حسن آل سعيد يعمل بمعيارية الأثر الإنساني المؤكد على الجدران وإسماعيل الترك يعمل علي إقصاء بعض الملامح في الوجوه الإنسانية وإضافة ألوان أخرى مغايرة ومحمد مهر الدين يؤلف نظاماً من الأشكال والتصميم بعيداً عن الأشياء المرئية في الخارج . كلنا نعمل وفق الفهم المعني بوضوح الاختصارات بمعنى أننا تجريديون وفق السياق المعتاد ومن النظرة الحداثوية.