شمم الحسن: الدراما العراقية عاجزة والفن للناس لا للنخبة
ايفان حكمت – عدسة : حسين طالب/
طرق أبواب دمشق للدخول الى عالم الدراما السورية التي حققت انتشاراً واسعاً، ومسارح دمشق الصاخبة بعروض مخرجين سوريين وعراقيين، بعد أن ضاق عليه عالم الفن في بغداد التي سادت سماءها غيوم الحرب الأهلية بعد تخرجه في أكاديمية الفنون الجميلة عام 2005. وبعد عودة قصيرة الى العراق، عاد ليطرق أبواب القاهرة وعالمها الفني الذي كان حتى الأمس عصياً على الممثلين العرب من غير المصريين.
هناك دخل في “اختيار إجباري”، المسلسل المصري، حيث مثل شخصية ادوارد رجل المافيا الى جانب كريم فهمي وأحمد زاهر وخالد سليم وبمشاركة الفنانتين اللبنانية غيدا نوري والتونسية فاطمة ناصر. ثم عمل الى جانب المصري يوسف الشريف وصفاء الطوخي في مسلسل “كفر دلهاب”، وغيره من الأعمال المصرية.
انه الفنان الشاب شمم الحسن الذي كان معه الحوار التالي:
اللهجة ..نغم
* عن تعدد اللهجات التي سادت الأعمال التي اشترك فيها وتداخل تلك اللهجات بالإضافة الى اللغة العربية الفصحى في بعض أعماله، قال الفنان العراقي شمم الحسن لـ”الشبكة”: “إن اللهجات بالنسبة لي تختلف اختلافاً جذرياً عن الفصحى، لأن الفصحى تستند الى قواعد ثابتة ويتبعها النطق ثم مخارج الحروف، وأعتقد أن هذا له علاقة بقراءات الممثل وتراكم خبرة نطق العربية الفصيحة لديه، وأنا منذ الصغر مهتم بقراءة الروايات، والشعر العربي الفصيح تحديداً .. أما عن موضوع اللهجات فجميع اللهجات بالنسبة لي هي عبارة عن نغمات، وكل لهجة لها أنغام في طريقة نطق الكلمة مع اختلاف الكلام، وكلنا نعلم أن أسهل ما يحفظه الدماغ هي الأنغام، و حين تمسك نغماً، أي لهجة، فلن يصعب عليك نطقها وتبدأ بالتعامل مع اللهجة الجديدة من منطقة اللاوعي لا من منطقة التفكير ثم النطق وهذا ما حصل معي في تلك اللهجات العراقية ومن ثم الشامية والمصرية.”
وعن أقرب اللهجات التي هي الأقرب إليه وأيها كانت الأقرب الى الجمهور، يقول الحسن:
“بصراحة لا أستطيع الآن المقارنة بين اللهجة السورية التي أتقنها واللهجة المصرية الحديثة بالنسبة لي لأنني لم أصل الى مرحلة هضم اللهجة المصرية كالشامية، ولكن في النهاية لهجتي العراقية الأم هي الأقرب بالنسبة لي، ولكن اللهجة الشامية تمتاز بنغم جميل يشعرك بالسعادة وكانك تغني حين تتحدث بها.”
السوق المصري المفتوح
* كنعان وصفي، بهجت الجبوري، باسم قهار، ممثلون عراقيون سبقوا الحسن في الدخول الى خارطة الدراما المصرية حبيسي أدوار الشر الثانوية، عن ذلك يقول شمم الحسن لـ”الشبكة”: “الأستاذ الكبير كنعان وصفي دخل معترك السينما المصرية في فترة صعبة جداً وهي بداية الستينات والتي كانت فيها السينما المصرية لا تستقبل اي فنان من خارج مصر إلا بمواصفات خاصة جداً كي يستطيع المنافسة أمثال صباح و فريد الاطرش وأسمهان وغيرهم، وأعتقد أن الأستاذ كنعان وصفي كان في مكانه الصحيح ضمن هذة الأدوار التي نسميها أدوار الشر، وكان وصفي يتقن اللهجة المصرية الى حد كبير، وقد سبقني أيضاً ممثلون كبار في الساحة المصرية بعضهم من دخل بلهجته الأم كالأستاذ بهجت الجبوري، وحسبما سمعت رشح بعد الدور الأول له في أدوار أخرى رفض بعضها لأسباب خاصة، فيما أبعده عن أخرى انتقاله الى أميركا، وكذلك الزميل باسم قهار الذي شارك في العديد من الأعمال المصرية وبعدة لهجات، فبعضها كان باللهجة السورية وبعضها بالعراقية وبعضها بالمصرية، ولم تكن جميعها أدوار شر. ومن وجهة نظري، الآن السوق المصري مفتوح على العالم العربي أكثر من السابق وبدأ يعتمد على كوادر عربية وصنع نجوم صف أول من أصول غير مصرية كإياد نصار ومنذر رياحنه وجمال سليمان وغيرهم، وأعتقد أن المفتاح الرئيس للوصول الى أدوار الخط الأول هو اللهجة .
*أما عن أسباب هجرته صوب سوريا ومن ثم مصر، يقول شمم الحسن: “أسباب الهجرة عديدة، ولكن بفارق نسبي من سبب لآخر، فالسبب الرئيس هو طموح الانتشار العربي، إذ بعد دراستي في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ومتابعتي للعديد من نجومنا المغمورين والمحصورة شهرتهم ضمن الشارع العراقي، مع أن طاقاتهم تضاهي طاقات النجوم العرب، تولد بداخلي هاجس الانتشار لا الانحسار، و هذا ما دفعني للتوجه الى سوريا حيث، في وقتها، كانت الدراما السورية في أوج انتشارها في العالم العربي، ناهيك عن السبب الثاني والرئيس وهو الوضع الأمني المتردي آنذاك في العراق، ولا يزال مترديا الى حد ما حتى اليوم. الآن، وبعد أن تحققت الخطوات الأولى والمهمة في حلم الانتشار، إضافة الى حالة الاهمال التي يعانيها الفن في العراق، كل هذا دفعني للتوجه الى مصر بحثاً عن انتشار أوسع مما حققته في سوريا .
دراما عن دراما .. تفرق
*يؤشر شمم الحسن الفرق بين صناعة الدراما في العراق وصناعتها في محيطه العربي بالقول: “ربما سأزعج الكثيرين من الزملاء في الوسط الفني العراقي حين أقول إنه ليس هناك فرق بين صناعة الدراما في العراق ومحيطه العربي فحسب، بل أن هناك فجوة كبيرة نتيجة سنوات التردي والاستسهال وانعدام الوعي من أصغر مشارك في صناعة العمل الدرامي (عامل الانتاج) الى رأس الهرم (المنتج). حيث أنني كنت سابقاً أقارن ما بين الدراما السورية والعراقية فأجد العديد من الفجوات، أما الآن فلا أجرؤ على التفكير بهذه المقارنة بين الدراما المصرية والدراما العراقية .
*أما عن السينما في العراق وحصادها لجوائز عالمية وعن مشاركته في هذه الأعمال، يقول شمم الحسن في حديثه لـ”الشبكة”: “بصراحة أنا ضد فكرة أن تكون الأفلام السينمائية محصورة في المهرجانات، فالسينما مذ أن بدأت كانت صناعة متلقٍّ، لا لتحصر في إطار نخبوي، وهذا يحتاج منا الى علاج كبير من الألف الى الياء في إعادة صناعة متلقي عراقي يحرص على متابعة الانتاج السينمائي، وبعدها تفكر في صناعة سينما، رغم هذا فإن آخر مشاركة فنية لي في العراق قبل انتقالي لمصر كانت في فيلم سينمائي عراقي كردي ألماني مشترك بعنوان (وراء الغيوم) من إخراج حسن علي، وقد عرض في دور العرض السينمائية في كردستان العراق.
*وعن اعتقاده بما مدى قدرة الدراما العراقية على تقديم أعمال تنافس الدراما السورية أو التركية أو الايرانية، يقول الحسن: “بصراحة لا أعتقد ذلك ما لم نصنع ثقافة المنتج الذي يصنع دراما من أمواله الخاصة كي يجبر على منافسة السوق العربي واسترجاع أمواله وأرباح أيضا، وهذا يوجب الاعتماد على بعض الخبرات التقنية العربية والنجوم العرب.”
النخبة والناس
*وعن وضع المسرح في العراق ومساهماته في النشاط المسرحي، يقول شمم: “أنا بعيد جدا عن المشهد المسرحي، لأنه يمر بنفس أزمة الأفلام السينمائية، من وجهة نظري الفن الذي يصنع للنخبة لا جدوى منه و العروض المسرحية اليوم تعرض للنخبة مع القليل من المتلقين العاديين والذين هم أصدقاء وأقارب العاملين في العمل .”
*الحسن شارك مع ممثلين عراقيين وعرب في التدريبات على مسرحية (الحر الرياحي) بدور الشمر، إلا أن العمل لم ير النور، فهل يطمح شمم لتقديمه في بغداد، عن ذلك يجيب: “لا أعتقد أنني بهذا العمر أمتلك المرونة الجسدية التي تسمح لي بتقديم شخصية الشمر بنفس الطريقة التي اشتغلت عليها سابقاً إذ أنني كنت ألعب الدور من منطقة الـ (drama dance) والحوار مع بعض، ولكن بالإمكان أن أقدم الشخصية بطريقة ثانية ولكن مع التحفظ حول طرح مثل هكذا مواضيع في المجتمع العراقي الآن.
*وعن مرحلة ما بعد داعش، حيث يسطر العراقيون ملاحم النصر في نينوى، على الفنانين العراقيين أن يؤرخوا فنياً لهذا النصر الكبير، عن مدى مساهمته في هذا المجال يختتم شمم الحسن حديثه لـ”الشبكة”: “أعتذر لقساوة ردي: وهل كان بناء الإنسان قبل مرحلة داعش بناءً صحيحاً؟ الإنسان العراقي في مرحلة هدم لا بناء منذ تسعينات القرن الماضي، لا أعتقد أن المؤسسات او الفنان باستطاعته المساهمة في بناء الإنسان العراقي بسبب المراحل المتدنية التي وصلنا لها. البناء الحقيقي يبدأ من أصغر مؤسسة في المجتمع، وهي مؤسسة النفس، فنحن يجب أن نغير ما بأنفسنا بشكل فردي وبعدها مؤسسة العائلة ثم نخرج لنغير المجتمع لأن ما يجري الآن من محاولات مؤسساتية للتغير هي محاولات بسيطة تدور في إطار المثقفين فقط. وللأسف فإن بعض تلك المحاولات هي محاولات استعراضية ليس إلا.”