صباح عطوان: الحياة متعةٌ محرّمة.. والحرية هامش منبوذ!!
محسن إبراهيم/
من على ضفاف (جرف الملح)، ومروراً بقرى (المتمردون)، حلق مع (فتاة في العشرين) على (أجنحة الثعالب) ليغوص في (أعماق الرغبة)، باحثاً عن (عنفوان الأشياء). عاشر (ذئاب الليل) باحثاً عن (عوالم أخرى)، حتى استقر في (عالم الست وهيبة). استنطق الواقع وسبر أغواره وكتب بمداد من حقيقة، مفتشاً عن حلول قد عجز عنها الآخرون. يعتبر أن متاهة الإنسان تكمن في غربته وسط عالم يألفه ولا يجد مكاناً فيه.. مع الكاتب صباح عطوان ارتشفنا فنجان قهوة وذكريات.
*هل تشعر بعدم الرغبة في شرح أعمالك، شيء مشابه للحلم الذي يفقد قوته عندما يحلل؟
-إن لم تشرح الأعمال ذاتها بلسان أحداثها وشخوصها، فإنها تبقى متعالية في برج الغرور، البساطة الممتنعة هي وسائل اتصالي الدرامي بالناس.
*هل تريد أن تجعل متابعيك من مدمني أعمالك؟
-الإدمان منبعه لذة الحواس، فإن هي قادرة أن تستحوذ منطقياً، فلم لا؟
*غالباً ما كان المكان هاجساً للكتّاب، ماذا يعني لك المكان واختلافه؟
-المكان أهم قاعدة عند أرسطو.. المكان يكون أحياناً ذهنياً وافتراضياً وليس مادياً حقيقياً، لذا فإن كل الأمكنة أوعية لمنطق الحدث ومصداقية الفعل الدرامي الذي نسوّق.
*ما معنى أن يعيش المرء في عالم ليس له فيه مكان له، لا في بلاده ولا في المنفى، في أي نص ولد لديك هذا التساؤل؟
-متاهة الإنسان المعاصر تكمن في غربته وسط عالم يألفه ولا يجد مكاناً فيه، فلا الوطن عزاء ولا غربتي رخاء.. أنا في عالم لا أشبهه، وقد أكون معتوهاً، من يدري؟
*كيف يستطيع الكاتب أن يتّقي شراسة المصافحة الأولى مع النص لحظة الكتابة؟
-لا شراسة للكلمة الموهوبة من قلب يغصّ بالحقيقة، فكل ما أكتب موجود سلفاً.. لا أبحث عنه.
*ما الباب الذي تفتحه لك التجربة القصصية عند لقائك بها؟
-باب الطفولة أولاً، بذا كتبت روايتي (تنومة)، 450 صفحة، عن تجربة التسع سنوات الأولى من حياتي في قريتي (التنومة) عام 1955/56، وقد نفدت الرواية فوراً، وكتب عنها أنها عمل كبير ومهم في (الزمان) الدولية.
*هل القصة هي قلعة الكاتب الدائمة، يحتمي فيها وبها من عواصف الحزن والاغتراب والشجن، أم أنها نافذة يطل منها على أشيائه السرية والحميمية؟
-القصة تفريغ وجداني، وبوح موارب كظيم، وأصوات غير مسموعة للهاث القلب تحت الأسر.
*متى أستبيح دمك ككاتب؟ وكيف كنت تمرر رسائلك السرية في نقد ما يحدث؟
-دمي مستباح كشعوري مذ ولدت، فرغبة الإنسان منفاه الاجتماعي لعدم تساوق المشاعر مع النقيض دائماً، إذ إن الحياةً متعة محرمة، والحرية هامش منبوذ على حافات الضياع.
*داخل كل كاتب طفل ما، ينصت لسكناته وحركاته، هل طفلك الساكن في أعماقك مشاغب، أم أنه مدلل؟
-طفلي مشاغب نفور، في عالم موحش متوحش، وطريق تسلكه الوحشة، ويسكنه الخوف والشك والريبة.
*كيف تنظر، بعد هذا العمر، إلى ذكرياتك القديمة الأولى مع أول قصة كتبتها أو نشرتها؟
-ذكرياتي هي أجمل صفحات حياتي رغم محازنها، فالماضي أحسن من الحاضر دائماً، وطفولتي هي الحياة التي تستحق أن أذكرها كل حين، على كل بؤسها ويتمها ووحدتها.
*في طريق الكتابة الوعر.. هل صادفتك ذئاب تنهش النص، وهنا أقصد ما حدث في (عالم الست وهيبة).
-في كل العصور تجتاز كلماتي وديان الذئاب، لكن أكثرها ضراوة تجري الآن، فالآن هو أفظع مراحل تاريخي الأدبي خسارة ولوعة وحرماناً وألماً.. فهذا عصر الهمجية الذي تطفأ فيه الشموع.