عبد الكريم السعدون لـ(الشبكة):أنغمست في التجريب وقدمت فناً مغايراً

634

سمير ناصر/

يعمل الفنان عبد الكريم السعدون جاهدا في ايضاح تجربته التشكيلية والوصول بها الى مديات تختزن الإرث التشكيلي وتتواصل معه لتصبح واحدة من التجارب التي يشار اليها في مسيرة التشكيل العراقي.. منعطفات كثيرة في حياته ليست آخرها الهجرة شكلت تجربته واضافت اليه الشيء الكثير ومع ذلك ظل مشدودا الى تجارب الأسلاف.

وفي حديثه لمجلة (الشبكة) تطرق الى التاريخ الذي شكل حدا فاصلا ومثل علامة فارقة في مسيرته الفنية بعد سنوات طويلة اتخذ فيها من صفحات الجرائد العراقية جدرانا لعرض أعماله من التخطيطات ورسوم الكاريكاتير ورسوم الأطفال والتصميم الكرافيكي.

علامة بارزة

يقول السعدون: عام 2001 مثل لدي حدا فاصلا لتفرغي التام لإنجاز مشروعي الشخصي في مجال التشكيل، واعتقد ان معرضي الأخير في بغداد بقاعة أكد شكل علامة بارزة حيث قدمت فيه مجموعة من أعمال رسمت طريقي بوضوح اذ حاولت تقديم نفسي كفنان يحاول المغايرة وان تكون له بصمة واضحة، ففي هذا المعرض حققت بعض ماكنت اعمل لأجله، هذه الانعطافة كانت مهمة للانغماس في التجريب في اتجاه واحد والتركيز عليه وهو ما يحتاجه كل فنان يسعى بشكل جاد لتكوين حضوره في المشهد التشكيلي العراقي.

تجربة الهجرة

* هاجرت بعد ذلك مباشرة الى الخارج فهل منحك الأمر استمرارا في العمل على تطوير تجربتك تلك؟
بعد هذا المعرض هاجرت الى خارج العراق والهجرة تجربة جديدة علي لم احسب لها ولم افكر بما سيحصل والى اين اتجه بالتحديد، وهذه شكلت الانعطافة الأخرى في حياتي الفنية وضعتني كالآخرين في جو آخر يختلف كثيرا عما كنت فيه حيث توفرت فرصة اغنت لدي الكثير من المفاهيم بخصوص العمل الفني كما اغنت المتابعة المستمرة لما يجري في الساحة الفنية من تغييرات سريعة في البنى التي شكلت عماد المنجزات الفنية، كنا محرومين من الاطلاع عليها أو التواصل معها، إذ ان ما جرى وقتها في العراق كان تحديا كبيرا لوجودنا الانساني أثر كثيرا وحد من تواصلنا مع ما يجري في العالم الآخر، هنا اذكر ان التواصل مع الآخر في عالم الفن اليوم يوفر معرفة وغنى بطرائق الانتاج الفني ووسائل عرضه كما يوفر معرفة واسعة بسوق الفن. وما عرضته في باريس 2010 كان يحمل بوضوح تأثير البيئة الجديدة في ما انتجته من أعمال، ففيه ركزت على مفاهيم اردت ايصالها وكذلك على الكيفية التي أنجزت فيها أعمالي، فمستوى الأحداث في العراق ونتائجها يتطلب طرائق جديدة في التعبير ووسائل مختلفة بشكل كبير محملة بقدرة على اثارة الصدمة في المتلقي.

جيل الحروب

* كنت من جيل عاش زمنا طويلا في ظل حروب عديدة، هل كان لهذا تأثير واضح في نتاجك الفني الجديد؟
عالمنا فيه الكثير من الاشكالات التي تتعلق بالوجود الانساني، ووجودنا نحن هو وجود قلق غير مستقر يعبث به الكثير من الأحداث العابرة منها والدائمة كالحروب والانظمة المتسلطة مثلا التي تضطر الكثير منا الى الارتحال الى أماكن اكثر أمنا أو أجواء تحترم الوجود الانساني وتمنحه حرية في القول، وأنا من جيل سحقته الحروب المدمرة واخذت معها الكثير من الذاكرة لكنها زرعت فيه معنى الوجود الانساني والتفكير في جدواه، هذه حروب قادنا اليها القسر فجذرت فينا الرغبة للتمرد على كل ما يحيط بنا والفنان في طبيعته يحمل مجسات للتحسس يحيل كل ما يتعرض له الى نتاج فني فيه الكثير من العاطفة، كما فيه الكثير من الجمال بما يجعله قادرا على اثارة الانتباه له والانشداد اليه. وباعتقادي ان الفنان تدفعه القسوة التي تحيطه الى تمييز طاقة المواد المختلفة ويسعى الى تقويلها ولايهتم بقواعد الإنتاج الفني ولا بقواعد العرض الصارمة، الحروب التي مرت القت بظلال كثيفة يصعب تجاوز مساحتها والمتابع للنتاج الفني العراقي يلمس الكثير من العلامات التي تدل عليها كما يدرك بحسه الواعي العلامات التي تعمل متوارية فيه، وبما يتعلق بنتاجي الفني فان المتلقي يجد فيه دلالات واضحة في التعبير عن قيمة الوجود. ودفعني ذلك للبحث عن وسائل تعبير جديدة لم تكن عندي كما فعل عندي رغبة البحث عن كل ما هو جديد وسريع التأثير، استطعت الخروج من الاختيار المرفه للمواد الفنية الى استخدام مواد لا يألف استخدامها الكثير وفيها حرف لوظيفتها الأولى.

* قلت في لقاء سابق ان نتاجك الفني عبارة عن وحدات متعددة ومتلاصقة يجمعها الفضاء الذي يحتويها، وتعمل من خلالها على شد المتلقي للعمل، فما الذي يمكن للمتلقي لأعمالك تمييزه فيها؟

في اعمالي يمكن ان تلمس ميزة وهي التكرار المتعمد لوحدات العمل وما يشدني لهذا التكرار هو الرغبة في ملاحقة الاسلاف من فناني العراق القديم الذين يعملون على تكرار الوحدات التي يتكون منها العمل، فهو عبارة عن أجزاء تتكامل وتشكل في كليتها العمل الفني، وهذا التكرار يؤكد أهمية الوحدات المتتابعة في كونها منفردة أم في اجتماعها وفي قدرتها على التدليل مجتمعة والتكرار عندي يعطي العمل توهجا داخليا وحركة افتراضية تشد المتلقي اليها وتفعل امكانية اثارة الأسئلة في دلالة العمل الفني المعروض، وهي محاولة مني لان يكون العمل الفني نصا مفتوحا.

* ما الذي تحرص عليه في عميلة انجاز العمل الفني؟

إنتاج العمل عندي لا يخضع لضوابط التخطيط المسبق، فكما قلت هو عبارة عن أجزاء تتكامل وتشكل في كليتها العمل الفني بما يتيح له انتاج خطابه، ولكن ما احرص عليه فعلا هو ان يكون قادرا على اقناع المتلقي بجدوى إقامة حوار التواصل معه وهو مالم يتحقق في الكثير من النتاجات الفنية، وهذه العملية تتطلب إدراكا لكم هائل من العلامات التي اشترك في قراءتها معه كما اجيد لعبة استخدامها في تكوينه اي العمل الفني وحركتها فيه، كما احرص على البحث عن طرائق تعبيرية جديدة تولدها معطيات العصر الذي سمح للفنان بأن يكون عمله الجديد قادراً على التماثل مع طرائق التوصيل الجديدة أيضاً، وأن يدفع المتلقي للتفكير في استكشاف دواخل العمل الفني لفهمه وتقبله.

مصير ووجود

* ما الذي شكله الانتقال الى المكان الآخر من تأثير على بنية العمل الفني وطرق انتاجه؟
اعتقد ان الفنان أكثر الناس شعورا بصعوبة ذلك، الارتحال بحد ذاته يثير اشكاليات كثيرة لا تتعلق بالاغتراب فقط وانما تتعلق بمصير الانسان ووجوده المهدد، فليس سهلا ان تنتقل من مكان الى آخر، فقد يمنحك المكان الجديد مدى واسعاً من الحرية في العمل والتعبير وهي مهمة جدا، الا اننا كفنانين نعاني من الغربة حيث نكون في صراع دائم مع الذات فكيف تتشكل هوية جديدة وانت تملك هويتك.

ان التفاعل مع المتلقي الجديد يتطلب جهدا ليس بالقليل، لذلك حرصت أولا على استيعاب اولي لكيفية التذوق ومتطلباته في المحيط الجديد، كما حاولت التعرف على بعض المفردات الدالة والتي تشكل جزءا من القاموس الذي يحفظه وكذلك طبيعة البيئة الجديد ومقدار ما تلقيه على المتلقي من ظلال ترسم طريقه في التلقي، ومن هذا دخلت مفردات جديدة الى نتاجاتي الفنية واستطعت استيعاب طرائق تعبيرية جديدة مكنتني من انتاج اعمال مغايرة، فلم تكن الأعمال التقليلية أو التركيبية أو المفاهيمية قد دخلت في ميدان النتاج الفني العراقي بعد قطيعة سنوات طويلة عن التواصل مع العالم الخارجي، واقصد بطرق التعبير الجديدة عندي هي كيفية المزج بين وسائل انتاج الفن المختلفة من الطباعة الكرافيكية والكولاج والرسم والتخطيط والتعتيق والتثقيب والنحت، والأطوال الكبيرة وغير المألوفة في حجوم الأعمال الفنية، استطعت الى حد ما ان أنتج اعمالا تلقى القبول.
بعض ماتبقى

* ما الذي قدمته في معرضك الأخير في السويد، وما الأعمال التي شكلت لك تحديا في مسارك الفني؟
في معرضي الأخير في بورلوف في السويد، قدمت عرضا فنيا يليق بالأعمال التي عرضتها، فهذه الأعمال احتاجت الى مساحة عرض كبيرة، فقد عرضت مجموعة من الأعمال تحت عنوان (بعض ما تبقى) وهي من الأعمال التركيبية والطباعية والنحت التي اتخذت مظهر تكرار الوحدات كتقنية في انجازها، و(بعض ما تبقى) يضم فيه سلسلة من الأعمال التي بدأت بإنجازها منذ أعوام عديدة في محاولة للاقتراب مع ما حدث العراق بعد عام 2003 وهي اعمال استخدمت فيها موادا مختلفة كالورق والقماش وانسجة (الشاش) وصبغات وألوانا مختلفة ايضا كما استخدمت فيها مزجا لطرائق انتاج متعددة ومختلفة. العمل التركيبي الكبير الذي عرضته في هذا المعرض استخدمت فيه كمية كبيرة من ورق الرول بقياس طول كبير تجاوز مئات الأمتار وهذا العمل استغرق إنجازه وقتا طويلا وعملت على تعتيقه بالأحبار وصبغات الاكريليك وكذلك احتوى سطحه على طباعة كرافيكية واختاما مختلفة، وهذا العمل كان محاولة للاقتراب من تمثيل لجدار في المكتبة العامة في بغداد، فالعمل كما ترى محملا بمفهوم يتناول التدمير الذي تعرضت له الثقافة العراقية والتحدي الذي واجهني فيه هو الكيفية التي نفذ فيها العمل والقلق الذي يعتريني اثناء عرضه في الكيفية التي سيتلقى فيها المشاهد له وهل سيصل ماردت تحميله من دلالة اليه دون ان يسأل سؤالا تقليديا عن دلالة العمل.