عماد زبير.. بين الخط واللون.. رحلة فنية تحمل الروح الصوفية

48

ريا الفلاحي /

عماد زبير ليس مجرد خطاط تقليدي، بل هو فنان يسعى إلى كسر القوالب الجامدة وإعادة تعريف العلاقة بين الحرف واللون. أعماله تعكس رحلة بحث مستمرة عن الجمال والتعبير الروحي، حيث تتداخل الحروف مع الألوان في مشهد بصري يجمع بين الحداثة والتراث. ومع استعداده لمعرضه القادم، يبدو واضحًا أن زبيراً مستمر في تطوير رؤيته الفنية، مقدمًا تجربة جديدة تجعل من الحرف العربي عنصرًا معاصرًا في عالم الفن التشكيلي.
برز اسم الدكتور عماد زبير في العقد الأخير في مجال الخط العربي والفن التشكيلي، حيث استطاع أن يحوّل هوايته إلى مسيرة فنية احترافية تجمع بين الإبداع والتجديد. في حديثه مع مجلة “الشبكة العراقية”، تحدث زبير عن رحلته الطويلة في عالم الخط، التي بدأت كهواية ثم تطورت حتى وصلت إلى مستوى الاحتراف.
من كرة القدم الى الخط
قضى الدكتور عماد زبير حياته بين أندية الشباب والناشئة العراقية كمدرب كرة قدم وذلك لكونه حاصلاً على شهادة البكالوريوس من كلية التربية الرياضية، كما حصل على الدكتوراه عام 1972 بتخصص دقيق في كرة القدم.
لم يكن في عائلته أحد مهتم بالفن التشكيلي أو الخط، لكنه يذكر أن والده كان يمتلك خطاً جميلاً.
حين كان يدرس في إحدى إعداديات مدينة الكاظمية، سحره أحد الخطاطين في مدينته، إذ كان يمارس الخط العربي بالقصبة والحبر الصيني، ما جعله يطلب من والدته أن تشتري له كراسة الخط العربي. ويذكر في حديثه أن مبلغ الكراسة كان (ستمائة فلس) في حينها، ما يعادل مصرف عائلة ليومين، لكن والدته حققت له أمنيته، واشترى الكراس وغاص في فن رسم الخط العربي بين الرقعة والثلث والكوفي والنسخ وغيرها من الحروف.
شغف الهواية
ظلت هذه الهواية تلازمه طول مسيرة حياته، لكنه، وبسبب غربته ومرضه، حوّل هذه الهواية إلى شغف يعالج نفسه من خلاله ويقضي على آلام غربته. يرى زبير أن الحرف العربي ليس مجرد وسيلة للكتابة، بل هو كيان حي ينبض بالحركة والرمزية، ولهذا يتعامل معه بطريقة تتجاوز التقليدية، مقدمًا إياه بأسلوب أقرب إلى التجريد، حيث تتلاشى الحدود الصارمة بين الخط واللون، ليصبح الحرف عنصرًا ديناميكيًا يتفاعل مع المساحات اللونية والخلفيات التي يوظفها ببراعة. يعتمد في ذلك على التباين بين الألوان الحارة والباردة، وبين الظلال والضوء، ما يمنح لوحاته بُعدًا بصريًا وروحانيًا خاصًا.
تكوينات معاصرة
يعكس أسلوب زبير رؤية جديدة للخط العربي، حيث لا يكتفي بالتقيد بالقواعد التقليدية، بل يسعى إلى إعادة تشكيل الحروف في تكوينات إبداعية معاصرة، مستخدمًا الألوان الجريئة والتقنيات الحديثة. هذا المزج بين الأصالة والتجديد جعل أعماله تحظى باهتمام واسع، سواء على المستوى المحلي أو في المعارض الفنية الدولية.
يعمل زبير حاليًا على التحضير لمعرض جديد من المقرر إقامته خلال شهر رمضان، يضم المعرض 35 لوحة، كل منها تعكس رحلته في استكشاف التداخل بين الحرف والتكوين اللوني. ويُعدّ هذا المعرض امتدادًا لمشروعه الفني الذي يسعى من خلاله إلى إعادة تقديم الخط العربي في سياقات بصرية حديثة، حيث يستخدم الألوان الجريئة والخطوط الديناميكية التي تمنح أعماله طاقة وحيوية خاصة.
كما أن زبيراً يُدرك أهمية توظيف التقنيات الحديثة في خدمة الفن، فيستخدم الألوان (الأكريلية) وأدوات متنوعة لتجربة أساليب جديدة في التكوين والخط. هذا المزج بين التقليدي والحديث يجعله قادرًا على تقديم أعمال تتحدث بلغة بصرية عالمية، في الوقت الذي تحتفظ فيه بجذورها العربية والإسلامية.
تأثيرات صوفية
التأثير الصوفي واضح في أعمال زبير، إذ يستمد من أسماء الله الحسنى والحروف القرآنية قيمًا تعبيرية عميقة. فهو لا يكتب النصوص لمجرد عرضها، بل يتعامل معها كحالة تأملية تعكس تجربته الروحية وفهمه العميق للمعاني الكامنة وراء الكلمات. يظهر هذا التأثير في طريقة توظيفه للحروف، حيث تبدو وكأنها تطفو على سطح اللوحة أو تتداخل مع الألوان في حوار بصري يثير التأمل.
تجربة جديدة
المعرض الذي يستعد زبير لإقامته في رمضان لن يكون مجرد عرض للوحات، بل هو تجربة فنية متكاملة، تهدف إلى تقديم الخط العربي بروح جديدة تواكب العصر، دون أن تفقد أصالتها. يضم المعرض 35 لوحة، تتمحور حول الحروف العربية وعلاقتها بالمكان واللون والضوء، وتقدم رؤية مختلفة لكيفية دمج النصوص الدينية والتعبير التجريدي في لوحة واحدة.
يحرص زبير في هذا المعرض على تقديم أعمال تعبّر عن رحلته الفنية والتجريبية، إذ يعتمد على ألوان غير تقليدية، ويختبر إمكانيات جديدة في التكوين، ما يعكس تطوره الفني واستمرارية بحثه عن طرق جديدة للتعبير عن الجماليات الحروفية. من خلال هذا المعرض، يسعى إلى نقل المشاهد إلى تجربة روحية وبصرية فريدة، حيث تمتزج الخطوط والألوان في تفاعل متناغم يحاكي التجربة الصوفية والتأمل العميق.