عوالم فليني ووجوه بازوليني في جمال سورينتينو العظيم

146

فراس الشاروط

إنه لأمر مثير أن نرى المخرج الإيطالي باولو سورينتينو يُقارن باستمرار بـفيدريكو فليني، فالمقارنة مبررة إلى حد ما. مثل فليني، يتمتع سورينتينو في (هذا يجب أن يكون المكان) و(عواقب الحب) بأسلوب (باروكي) غامر، وروح الدعابة الكرنفالية، ومثل (فليني) أيضاً، كان (سورينتينو) مفتوناً بهوس المجتمع المعاصر بمظهر الشباب والحيوية. يمكن قراءة (الجمال العظيم) على أنه تحديث لـ (الحياة حلوة)، لكن على الرغم من أنه بالتأكيد يشبه فيلم (فليني)، إلا أنه أيضاً تبلور لأسلوب (سورينتينو) المميز.

يعد هذا المخرج (وقد تجاوز الخمسين من العمر) موهبة كبيرة، إلا أن أفلامه جميعها تحمل منظوراً مضحكاً ومعقداً بشكل منعش، ويعد أحدث أعماله مثالاً جيداً على كونه الإيطالي الكبير التالي.
(الجمال العظيم) هي دراسة شخصية تقدم روما المعاصرة من خلال عيون (جيب جامبارديلا – بأداء توني سيرفيلو اللامع)، وهو مثقف ذو ذوق مبالغ فيه، لكنه محبط في نفس الوقت. جيب كاتب، رغم أنه لا يكتب حقاً، اختفت روايته الأولى الوحيدة في ظروف غامضة، يقضي وقته في الأداء كشخصية عامة، إنه يريد أن يظل شاباً ومهماً لأطول فترة ممكنة (يبلغ من العمر 65 عاماً)، لذلك يستخدم (البوتوكس)، لكنه يسخر أيضاً من أي شخص يقدم ادعاءات غامضة وفكرية زائفة حول الأخلاق والفن ومحاولة البقاء شاباً.
على المستوى الأساسي، يدرك جيب في نفسه كل ما هو ريفي وقبيح في روما، لكن من خلال العبارات الطيبة والابتسامات المتكلفة، فإنه ينعم بالحياة، ويبحث عن مصدر بعيد المنال للإلهام. يبدو أنه وجد ذلك في (رامونا – سابرينا فيريلي)، المتعرية الذكية، لكن علاقتهما الرومانسية لا أساس لها. (الجمال العظيم) هو عرض (جيب)، ذكي بما فيه الكفاية ليعرف ما هي مشكلاته، لكنه غير مستعد لحلها بعد.
وهو منخرط في نفسه بشكل مرضي، لكن سورينتينو يتفوق بمهارة في التغلب على التناقضات التي تقوض شخصيته أو تدعمها. الناس يأتون ويذهبون في حياة جيب، جميعهم يجعلونه أكثر حكمة، حتى لو لم يدركوا ذلك. مشاهير يتحدثون عن (مارسيل بروست)، رجل عجوز فاسق يهسهس بكلام جنسي أمام مجموعة من الأشخاص في العشرينات من العمر، جرى تسميرهم بالرذاذ. ثم هناك رامونا، وهي امرأة ذكية بما فيه الكفاية لاستدعاء (جيب) عندما يلومه الملل وإعاقة الكتابة على العيش في روما. وجوه بلقطات كبيرة، جميلة، عذبة، بريئة، بهشاشة بازولينية.
يشبه جيب أبطال سورينتينو العظماء الآخرين، رجال عاجزون وساحرون، لكنهم متعجرفون لا يستطيعون تحمل فكرة البدء من جديد. يتفاخر (جيب) -بشكل عرضي- بمدى ارتياحه في بيئته، لكنه يأمل أيضاً أن يكون هناك في الحياة أكثر مما يعرفه بالفعل، إنه يتصارع مع العديد من الانشغالات نفسها التي يواجهها أبطال أفلام (سورينتينو)، إنه يستخدم صورة مشابهة من فيلمه (وصول رجل)، سمكة كبيرة تدور حول حوض السمك الخاص بها، يجري تعريف سجنه من خلال الحجج المقطوعة والقطعية ولقطات التتبع الحماسية بصرياً.
يغمر سورينتينو المشاهدين بالمعلومات، لكن يجري إنشاء كل مشهد بمثل هذه العناية والاهتمام، بحيث يسهل تفويت أن كل مشهد جديد يشرح أحدث نظرية أو معضلة لـ (جيب). إن شخصيته جذابة، لأنها ليست مليئة بالأفكار المعقدة فحسب، وذلك بفضل سيناريو سورينتينو وأومبرتو كونتاريلو، لكنها مليئة بالجمال البصري أيضاً، بفضل التصوير السينمائي لـ لوكا بيجازي.
الأهم من ذلك، أن (سيرفيلو)، وهو متعاون متكرر مع (سورينتينو) وممثل مدرب مسرحياً، يجعل جيب معتقلاً، أنت تتمسك بكل كلمة يقولها، حتى عندما تكون على وشك سماع شيء ثرثار وحقير، لأنك تعلم أنه من المحتمل أن يكون صحيحاً، أو على الأقل يقال بشكل جيد، هناك هشاشة خفية تحدد أداء سيرفيليو، لا تظهر إلا عندما يريد ذلك. هو و(سورنتينو) كلاهما في أفضل حالاتهما في (الجمال العظيم)، حيث يعقدان مقارنات مع أعمال المايسترو (فليني) في الوقت نفسه، غير الكافية والفخمة بشكل مناسب.