فنانون موهبون بلا شهادة واصحاب شهادات بلا موهبة

861

 أحمد سميسم/

بين الموهبة والشهادة الاكاديمية جدل لن ينتهي، هل يمكن للفن ان يتخلى عن الشهادة وهل تكفي الموهبة لتنجب لنا فنانا يعي رسالته ويدرك ابعادها ومدياتها؟

يحدثنا التاريخ الفني والانساني، ان أغلب نجوم الفن والأدب والتشكيل هم مواهب خلقت لتكون قصة نجاح كبير،
وان المناهج على اهميتها ليست سوى حصيلة تجارب وضع اصولها فنانون موهوبون حولوا اعمالهم الى صور ابداعية غاية في الابهار، لكن التطور العلمي ودخول التكنولوجيا كعامل مهم في الانتاج والابداع اعاد الحديث مرة أخرى الى مربع الجدل.. «الشبكة العراقية” حاورت نجوم الفن واساتذة اكاديميين وخرجت بهذه الحصيلة من الآراء..

ليس لدينا نجم فني!

رئيس قسم الفنون السينمائية والتلفزيونية في (كلية الفنون الجميلة) الدكتور ماهر مجيد إبراهيم يؤكد ان الشهادة الاكاديمية ضرورية جدا للفنان وهي الأساس، لان الأعتماد على الخبرات المكتسبة والذاتية تجعل فضاءات الفنان ورؤاه محدودة فيصبح العمل الفني أشبه بالأداء الوظيفي خال من الإبداع والتجدد فيبقى ضمن اطار التقليد والرتابة، وهذا ما حصل لأعمال كثير من الفنانين في شتى الاختصاصات الذين لا يمتلكون شهادات اكاديمية..

ويوضح إبراهيم ان الفنان بحاجة الى شهادة اكاديمية لأسباب كثيرة أهمها أنها تمثل خط صد أساسيا ليكون فنانا وهي الأساس للوصول الى نتاج صالح متميز يشار له بالبنان، كما ان الشهادة تؤمن للفنان تخصصا متفردا في أحد الحقول الفنية مع مرجعية اكاديمية تمكنه من الاطلاع على المنجزات المتحققة عربيا وعالميا. لكن ابراهيم يقول بصراحة أن الشهادة الاكاديمية والموهبة لم تنتجا لنا نجما فنيا يحتذى به. وانا مسؤول عن كلامي لأن البيئة العراقية غير حاضنة للفنان ولأن الفنان نتاج وعي جمعي وليس فرديا وبالتالي الظروف تكون غير مهيئة للفنان على جميع الصعد.

الشهادة تصقل الموهبة

من جانبه قال رئيس قسم الفنون الموسيقية في (كلية الفنون الجميلة) الدكتور ميسم هرمز ان الفنان بطبيعته ينقسم الى نوعين فنان شعبي، وفنان أكاديمي، اذا ارتقى العلم بالفنان الأكاديمي يستطيع ان يبرز الفنان الشعبي المخفي بداخله الى العيان ويقدم نشاطاته فضلا عن فولكلور وأرث موطنه الأصيل، كما حدث في فن الموسيقى الروسية التي طورها الفنانون الروس الأكاديميون الممنهجون وليس الشعبيين.

ويضيف هرمز قائلا: الفن موهبة هذا صحيح، لكن الموهبة من دون العلم تبقى اعمالا ذوقية فقط، تفتقر الى القواعد العلمية الفنية، الان نستطيع ان نجلب شخصا ذا خبرة في مجال البناء لبناء بيت مثلا لكن سينجزه خلافا للقواعد عما سينجزه ويصممه المهندس المتخصص في مجال البناء، كذلك الحال مع الفنان الاكاديمي والموهوب، لذلك يبقى عطاء الفنان الفطري فطريا يفتقر الى العلمية والتخصص العميق النابع من الدراسة والنظريات المتراكمة التي اكتسبها سابقا خلال فترة الدراسة، لهذا خرجت من جلباب كلية الفنون الجميلة أسماء لامعة في مجال الفن قدمت عطاء وفيرا في مجال اختصاصاتهم وهم الان نجوم في الساحة الفنية العراقية، بل وصلوا الى العربية ايضا، الشهادة تصقل موهبة الفنان وتطورها نحو الأفضل.

الشهادة لا تصنع فنانا

الفنانون كان لهم أراء مغايرة لما أدلى به زملاؤهم الأكاديميون حول هذا الموضوع..
يقول الفنان والمخرج المسرحي الدكتور حسين علي هارف، الفن حالة ابداعية وموهبة فطرية وجينات موروثة، ربما الفنان يولد وفي داخله جذوة الفن، فمن غير المعقول ان نطالب الفنان بأن يكون حاملا للشهادة في مجال تخصصه، هذا لا ينفي ان الشهادة تسهم في صقل الموهبة الفنية فهي ليست شرطا اساسا في عمل الفنان، بل الثقافة شرط ملزم للفنان بشتى المجالات، لذا الشهادة تحول الفنان من صفة الفنان الى الفنان الأكاديمي، الشهادة لا تصنع فنانا، بل هي عمل مكتسب مضاف الى موهبة الفنان ونشاطاته.

الإبداع يتم بوجود الموهبة

اما الفنان الرائد سامي قفطان فقد أوضح بأن كل عمل فني يحتاج الى الموهبة فهي الأساس، والفنان في شتى صنوف فنه يرتكز على ثلاثة مساند أولا الموهبة، وثانيا الدراسة، وثالثا الممارسة، فلا يمكن للفنان ان يكون فنانا بالدراسة والممارسة فقط، ولا يمكن ايضا ان يكون فنانا بالموهبة والدراسة فقط لانه يحتاج الى الممارسة لإظهار موهبته، إذن الإبداع لا يتم إلا بوجود الموهبة، وهناك أسماء عديدة في مجال الفن بلا شهادات لكنهم يملكون الموهبة والممارسة الفنية ومنهم المتحدث.

الفطرة والموهبة

من جانبه قال الفنان القدير كاظم القريشي أن الفنان بحاجة الى الشهادة والموهبة معا، فالأولى تثقف الفنان علميا وتأتي بعد الموهبة التي هي في المقدمة دائما للعمل الفني، فلو كان فنان ما حاصلا على عدة شهادات عليا في الفن قد تكون الدكتوراه وسواها من دون موهبة لا تنفع تلك الشهادة في إبراز الإبداع والطاقات كما لا تصنع فنانا ولا تجربة حتى، فقيمة العطاء الفني الذي يكون قادرا على ابهار الجمهور يعود بالإساس الى الفطرة والموهبة اللتين هما البذرة الأولى لتكوين باكورة التميز في جميع مجالات الفن.