في لندن وحدها ثلاثون ألف تمثال تخلّد شخصياتٍ وأحداثاً كبرى

938

#خليك_بالبيت

ورود الموسوي/

تُعدّ التماثيل والنصب التذكارية أحد أبرز العلامات التاريخية والثقافية والسياحية لكل بلد، كما تدل أيضاً على احتفاء البلدان بالفن وتقدير الفنانين، وتدل أيضاً على امتنانها وشكرها المعلن لكل الرموز التي تخلّدها هذه التماثيل.
اشتهرت العاصمة البريطانية لندن بتماثيلها التي تجاوز عددها ثلاثين ألف تمثال ونصب تذكاري توزّعتْ بين عدد كبير من الشوارع والساحات، وتنوَّعتْ صناعتها بين البرونز والرخام والحديد وباقي المعادن الأخرى.
فقد اهتمت الجهات الرسمية الحكومية في المملكة المتحدة بتخصيص ميزانية سنوية لبناء التماثيل والنصب التذكارية وذلك تخليداً للقصص التي تقف وراء كل تمثال أو نصب، وتنوَّعتْ الغايات من تنفيذ هذا العدد الكبير من النصب التذكارية والتماثيل، فمنها توثيق حياة المؤثرين في حياة الشعب البريطاني والمملكة والعالم كتمثال رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل الذي يقف قبالة مجلس العموم البريطاني وهو يضع يده خلف ظهره بحركته المعتادة التي عُرف بها ناظراً للمستقبل، أو تخليد قصة أحد ملوك بريطانيا أو ملكاتها أو رؤساء وزاراتها أو حتى الشخصيات العالمية التي تحتفل بها العاصمة لندن كتمثال الرئيس السابق لجنوب أفريقيا (نيلسون مانديلا) الموجود في ساحة البرلمان في لندن تحيط به شخصيات أخرى عالمية كــ “إبراهام لنكولن” و”أوليفر كرومويل” وغيرهم.
ومن المفارقات المضحكة في هذه الساحة سخرية جريدة «التايمز اللندنية» التي علّقت ساخرة من وجود الزعيم الافريقي مانديلا وسط هذا الحشد من الزعماء البيض بقولها: “ما الذي ستقوله هذه التماثيل لبعضها حين تفرغ الساحة من الناس ليلاً” في إشارة واضحة لتخلّي تشرشل عن افريقيا.
ومن بين الزعماء والرؤساء والقادة الأجانب الذين كُرِّموا بأكثر من تمثال؛ الــ (مهاتما غاندي) فله أكثر من تمثال في العاصمة لندن، أشهرها التمثال الواقع في ساحة البرلمان والثاني في حديقة (تافستوك) القريب من كلية UCL وهي إحدى الكليات التابعة لجامعة لندن التي أتى اليها غاندي عام 1888 حين كان طالباً بعمر الثامنة عشرة وانضم اليها لدراسة القانون.
تحاول مدينة لندن والقائمون عليها إبراز الوجه الثقافي المتنوّع للمدينة بتوزيع التماثيل كلاً حسب المنطقة التي كان يعيشُ فيها أو يتردّد عليها، فنجدُ مثلاً النصب التذكاري للكاتبة البريطانية اجاثا كريستي قرب منطقة ليستر سكوير في الشارع المؤدي الى كوفنت غاردن حيث كانت تعيش وتؤلّف وتتردّد.
أما التماثيل المهمة الموجودة في حديقة الهايد بارك، فأبرزها تمثال “أخيل” البطل الاغريقي، والنصب التذكاري للأميرة ديانا، وكذلك النصب التذكاري للسابع من يوليو الذي يخلّد ذكرى الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في لندن في السابع من يوليو عام 2005، حيث يقع النصب التذكاري في الركن الجنوبي الشرقي من حديقة الهايد بارك، إلى الشمال مباشرة من تمثال أخيل، إذ يتألف النصب التذكاري من 52 عموداً من الصلب، تمثّل عدد الضحايا 52، مجتمعين معاً في أربع مجموعات مترابطة تعكس المواقع الأربعة التي جرى الاعتداء فيها.
أما نصب الأمير ألبرت الذي يقع في نهاية الهايد بارك قبالة مسرح ألبرت هول فهو يُعدّ تحفة فنية معمارية فريدة تنتصب في قلب الحديقة الملكية.
لكنّ المدهش حقاً أنّ التماثيل بمدينة لندن لم تقتصر على تخليد الجنس البشري فقط أو القصص الحقيقية، بل نجد نصيباً منها للشخصيات الأسطورية والحيوانات كالنصب التذكاري للحيوانات التي خدمت في الجيش البريطاني في الحرب العالمية الثانية الواقع في حديقة “بارك لين”، فقد كُلّف متحف الحرب الامبراطوري النحات البريطاني “ديفيد باك هاوس” بنحت نصب تذكاري يخلّد جميع الحيوانات التي خدمت في الجيش البريطاني وخصّصوا له ميزانية قُدّرت بمليوني دولار لتكريم أكثر من ثمانية ملايين حصان وعشرات الآلاف من القردة والحمير والبغال إضافة إلى أكثر من 100 ألف حمامة وخمسين ألف من السعادين والكلاب والجمال والفيلة وغيرها سقطت قتيلة أو أصيبت بجروح في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، في خدمة التاج الملكي. افتتحت النصب الأميرة آن مارغريت المشرفة على المشروع عام 2004 وعُدّ اعترافاً رسمياً من الشعب البريطاني وحكومته بوجود آلاف الحيوانات التي قتلت في هذه الحروب، وأن هذا النصب من أجل تمجيد هذه الحيوانات التي لم يتم ذكرها فعهدت الدولة إلى إقامة تمثال مركّب من مجموعة من الحيوانات الصغيرة والكبيرة ليكون بمثابة إشادة قوية بالالتفات لجميع الحيوانات التي خدمت في الحرب وعانت وماتت جنباً إلى جنب القوات البريطانية والكومنولث والحلفاء في الحروب والنزاعات في القرن العشرين.
وكما وُثِّق نصب للحيوانات كذلك وُثِّقت حياة الشخصيات الخيالية كشخصية “بيتر بان” الطفل الذي لا يكبر أو شخصية الجنية “ايريال” من مسرحية «العاصفة» لشكسبير وغيرها كثير.
هذه النصب التذكارية والتماثيل الموزّعة في الساحات والشوارع والأماكن العامة هي التي تميّز مدينة عن أخرى وهي التي جعلت لندن مميّزة عن غيرها وهي التي تعطي جمالاً وبهجة وتنوّعاً وزخماً أكبر للمدينة، لا سيما للبرامج السياحية التي تشجّع بلدية لندن عليها وتدعم دراسة تاريخ هذه التماثيل والتَّخصُّص بها، ليتمّ شرحها للسائحين والمهتمين وذلك بتشغيل المتخصّصين بها في قطاع الإرشاد السياحي.

النسخة الألكترونية من العدد 361

“أون لآين -4-”