في معرض الفوتوغرافي صفاء علوانالعذاري.. روح منتصرة بين الفرات والجسر في ستين ثانية موجعة

691

إيفان حكمت/

حلّقت روحك الى السماء وبقيت الحفرة تسكن صدورنا يا عذاري، أنت وأبناؤنا الشهداء ضحيتم لحماية الوطن، لن تبرح صوركم ذاكرتنا، سنراكم دوماً في أضواء مدن العراق وانعكاس صوركم في دجلة والفرات، وفي عيون أهلكم.

كما لو أنه يحمل وطناً على كتفيه، كما لو أن جرح ساقه النازف يمتد من جسر في الفلوجة الى سرّة الفرات، كما لو أنه سيرة وطن حاول الظلاميون تعليقه على وتد الحقد والكراهية، تلك هي سيرة مصطفى العذاري الذي كان نور موته أسطع من كل الظلام المغروس في الشوارع والجوامع والبيوت.

كان العذاري جرحاً نازفاً يبحث عن عراق آمنٍ، بقيت كلماته الأخيرة وصورته الأخيرة وملامحه الشرقية النبيلة الغيورة التي تشبه الوطن، مزروعة في الذاكرة حتى وان نفدت بطارية المحمول من الطاقة.

عن مصطفى العذاري الذي استطاع أن يلتقط صورة للبطولة والفداء، صورة لوجع العراق، صورة لبشاعة الإرهاب.. يوثق الفوتوغرافي صفاء علوان، بمجموعة صوره الفوتوغرافية المعروضة في قاعة الموسيقى بشبكة الإعلام العراقي تحت عنوان “روح منتصرة”، لحظات من زمن متحرر من دبق التاريخ.

ستون صورة كأنها ستون ثانية مستلة من زهو التاريخ وعبقه، هي الصور التي اختارها علوان لمعرضه، التقطت من خلال الموبايل بطريقة “السكرين شوت” لصور بثت عن استشهاد العذاري وكيفية تفاعل الناس مع الحدث الأليم.

شقيق العذاري كان حاضراً يتجول في المعرض وعيوننا تلاحق خطواته المثقلة بآلاف الكلمات والدموع المحشورة في حنجرته، نترقب ما ستخبرنا عيناه الغارقتان بلون السماء لأنها تنظر الى أعلى حيث روح أخيه معلقة على النجمات لتضيء ليالي وطنه الحبيب وكل من يسكنه.

شهد المعرض الذي افتتحه رئيس شبكة الإعلام العراقي الأستاذ مجاهد أبو الهيل حضوراً واسعاً، وكان التفاعل مع الحدث وكيفية توثيقه واضحاً جداً على المتلقين، إذ عمد علوان من خلال التقاطاته أن يعيد وهلة الصدمة الأولى للمتلقي في استشهاد العذاري، حيث التقط مجموعة من التفاصيل التي رافقت العملية الإرهابية، ليوصل حجم تضحية العذاري من خلال القسوة على مشاعر المتلقي، ليوصل رسالة مفادها أن ضحايا جرائم داعش الإرهابي بحاجة إلى أكبر من تعاطف عابر قد يغسل بمجرد تمرير الإصبع على الهاتف من تدوينة على الفيسبوك لأخرى.

ستون صورة نابضة بحياة وموت معلنين. وكل صورة توثق أسطورة المقاتل العراقي الذي صنع النصر على أعتى قوة ظلامية في التاريخ. ستون صورة كأنها شريط يقتحم الذاكرة البشرية معلناً أن العذاري ورفاقه أنقذوا العالم بأسره من بطش الإرهاب وحقده. ستون صورة تكاد ترتقي الى تلك البطولة التي تشبه الأساطير.

لم يكن العذاري سوى سفرٍ عراقي في زمن عراقي بامتياز. ولم يكن معرض علوان سوى خطوات على طريق زملائه الذين وثقوا البطولات، وكانت عدساتهم توجع الإرهاب كما أوجعتهم بنادق المقاتلين.

“سلموا لي على أمي وأبي وإخواني وأخواتي (وابروني الذمة)، سأثأر للشهداء وانهض من حفرتي وأفرغ كل ما أمتلك من رصاص في صدور الجبناء، لأحقق أمنيتي بالشهادة”، كانت هذه آخر الكلمات التي يكتبها العذاري لعائلته قبل أن ينفد هاتفه المحمول من الطاقة.