قحطان الأمين في معرضه التركيبي: يقدّم “السيرك” كمطبخ سياسي
حسن جوان /
جرت العادة أن نتوقع عند زيارة معرض لفنان تشكيلي أن نشاهد أعمالاً فنية تتخذ من اللوحة التقليدية شكلاً لها في غالب الأحيان. لكن السنوات الأخيرة أنتجت عبر مخاضات عالمية أشكالاً أخرى للعمل الفني الممزوج بالفكرة والمفهوم غير الاطار التقليدي المعتمد منذ عشرات وربما مئات السنين. هذه المواكبة في استخدام الخامات اليومية والمفاجئة والمغايرة في التوظيف، والخروج عن إطار اللوحة الشكلي المتكرر هو ما وسم المعرض الشخصي للفنان العراقي المقيم في كندا قحطان الأمين الذي أقيم مؤخراً في قاعة “عناوين” للفنون في بغداد.
تركيبي ومفاهيمي
يقوم الفن التركيبي الذي شهدت بداياته في العقود الأولى من القرن العشرين، يقوم على توليد المعاني الفنية والفكرية عبر اقتران خامات جاهزة أو معدّلة والعمل على توليفها في نسق معين قابل لإحداث تأثيرات جمالية او فنية قصدية. وهو لا ينفصل عن مجاوراته من فنون وآداب في فترة حراكه الأول وانفعاله بطبيعة الثورات الفنية والأدبية والشعرية التي أعادت صياغة وتركيب – تجميع – أطروحاتها عبر الانفتاح نحو الأشكال البسيطة لكن البالغة الأهمية على مستوى التقنية والرسالة الفكرية. حتى أن مثل هذا التوجه قد يحيل البلاغة الفنية لا لجودة الصنعة وتراكم الخبرات لدى الفنان – الصانع – فحسب، بل يتعداه الى الإشارة نحو الوعي المحرك للخامات المتاحة والمتداولة بشكل يومي في أنساق مهملة كثيرة وشائعة. وعلى الرغم من وجود فروقات بين التركيبي – التجميعي – وبين المفاهيمي التصوري الذي يقدم الفكرة كأولوية في الرسالة الفنية للعمل، إلا أننا نمتلك مساحة من الحرية في بعض الجوانب لقراءة او تصنيف بعض الأعمال بحسب التلقي الشخصي والخبرات دون الخوض في التعريفات وحدودها المتداخلة في عصر الانفتاح على مفهوم تداخل الفنون في الوقت الحاضر.
مطبخ سياسي
قدم الفنان قحطان الأمين لفكرته عبر ملصقة المعنون “سيرك” بتدوينة موجزة نقتبس منها قوله بأن (هذا المشروع يسلط الضوء على السياسات البهلوانية الامريكية ونتائجها الكارثية على حياة المجتمعات والذي أحاول أن أعبر عنه باستخدام الفن كوسيلة لتصوير وجهة نظري بما يحدث. لقد كان الفن وسيظل دائما أحد طرق التعبير الفعالة والمؤثرة، ليشرك المتلقي في حوار مرئي، فيخلق حوارات بين الفنان والمشاهد. فالفنان لديه القدرة على التأثير وإلهام المشاهدين وتوجيههم نحو أفكار وآراء مغايرة لتشكيل وجهات نظر جديدة حول القضايا الاجتماعية والثقافية. هنا أقدم السيرك على أنه المطبخ السياسي كعالم غريب ومتناقض).
حوارية مفتوحة
وفي كلمة خاصة لمجلة الشبكة العراقية طرحنا على الفنان تساؤلات لبسط وجهة نظره حول طبيعة هذه التجربة ودوافعها في هذا التوقيت وعن أثر المكان – بغداد – في اختياره لهذه الثيمة حيث أجاب:
الرسالة التي جئت بها في هذا المعرض هي رسالة توعية انطلاقاً من استلهام حدث مهم شهده العالم مؤخراً وهي أحداث أفغانستان الأخيرة من انسحاب أمريكي وتبدل التحالفات والتسميات بين عدو وحليف بشكل صادم، وما سوف ينسحب من تأثيرات على بلداننا من جراء ذلك التخطيط. من هنا ابتدأت البذرة الأولى للعمل، الذي هو تجميع لثلاث قطع من الجرائد التي تتضمن أخباراً قديمة وحديثة، وما أقصده هنا من خلال متابعتي المتواصلة للجرائد الامريكية وغيرها وما كنت أقف عنده من مانشيتات لدى بعض الصحف التي تتوقع حدثاً مهما في الشرق الأوسط، واذا بذلك الخبر أو التحليل الخيالي يتحول بعد سنوات الى حقيقة على الأرض. هناك إذن تخطيط وأدوات وشخوص تؤدي أدواراً محددة تملى عليها وهي تظهر لدينا بعناوين ثورية ومنقذة وغير ذلك لكنها تؤدي أدواراً محددة وتمضي. حاولت إذن أن أوصل رسالة توعية لمنطقة الشرق الأوسط لا سيما العراق الذي يحتل مكانة ودورا مركزيا في المنطقة. لقد وظفت الخيمة، خيمة السيرك في وسط أشرطة الجرائد، كدلالة على المطبخ السياسي العالمي الذي يحفل بالبهلوانيات ويفرخ الكثير من الشخصيات والأوهام والكوارث، هذه البيضات الملونة المنثورة حول الخيمة هي كناية عن الأجيال التي تُدرّس وتُلقّن من جديد عبر هذا السيرك، لكي تأخذ أدوارها لاحقا بحسب حاجة المطبخ السياسي. ومن هنا قررت أن اختم معرضي بجلسة حوار مفتوح مع جمهور المعرض لمناقشة مختلف الجوانب الفكرية والتقنية التي لاحظها كل منهم وفتح أفقاً جديداً نحو حوارية قادمة.