قصر الثقافة في البصرة يحتفي بالخفاف ومسيرته الإبداعية .. عرفت عنه سرعة كتابة النوتة الموسيقية دون استخدام آلة موسيقية.

267

 محمد العبودي /

الموهبة الفنية الموسيقية الفريدة التي ارتبطت بمسيرة الموسيقار العراقي المميز جعفر الخفاف، المولود في مدينة النجف عام 1955، مازالت ترافقه إلى الآن، ومازالت تتجدد معه بعد أن ظلّت راسخة لقربها من ذائقة المستمعين، العراقي والعربي، لأعوام مضت، إذ أنها موهبة اشتغلت على اعتماد الجملة التي تبقى في الذاكرة، وبساطة لحنها وقربها من أحاسيس المستمع، لتتفاعل مع لون لحني صنفه النقاد الموسيقيون بأنه جمال الزمن السبعيني للأغنية العراقية، وحتى العربية، التي تميّزت بالكثير مما تتطلبه تلك المرحلة من عناصر النجاح التي جعلتها محترمة عبر كلماتها ولحنها وأدائها، لذا بقي وزنها كبيراً حتى اليوم.
يبقى الموسيقار جعفر الخفاف أحد أعمدة الأغنية العراقية، وقد تحدث عن كل تلك الروائع في جلسة الاحتفاء به، التي أقامتها دائرة العلاقات الثقافية العامة في وزارة الثقافة / قصر الثقافة في البصرة، بحضور نخبوي جميل من العديد من مبدعي ومثقفي مدينة البصرة الذين احتفوا أيضاً بالخفاف مع قصر الثقافة في رحاب قاعة القصر.
أدار الجلسة المميزة الأستاذ الدكتور الفنان ناصر هاشم، الذي رحّب في البدء بالحاضرين، وقال إن “لجعفر الخفاف أثره الواضح في مسيرة الأغنية العراقية الحديثة، فقد غنى من ألحانه معظم المطربين العراقيين وعدد من المطربين العرب، وعرفت عنه سرعة كتابة النوتة الموسيقية دون استخدام آلة موسيقية، بالإضافة إلى أنه شاعر، إذ كتب في الشعر العمودي والشعر الشعبي العراقي، كما أقيمت له أمسيات شعرية في أكثر من مكان “.
أعمال أدبية وإنسانية
عن مسيرته الفنية في مجال التلحين، يقول جعفر الخفاف: “لحّنت أعمالاً أدبية وإنسانية رائعة لعمالقة الشعر والأدب في التأريخ البشري. وأنا في البصرة الآن أقول من القلب إن كل ماهو جميل في حياتي فإن للبصرة فضلها الكبير على هذا الجمال، وأقول، بعد أن أشكر كل من حضر إلى هذا المكان، إنني خلال مسيرتي وضعت أيضاً ألحاناً لكثير من المسرحيات، كما أن لي أعمالاً كثيرة قدمتها للسينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة، وأعمالاً أخرى في مجال الفرق الموسيقية والإنشادية، كذلك لحّنت أعمالاً أدبية وإنسانية رائعة لعمالقة الشعر والأدب في التأريخ البشري، ومنهم شاعر ألمانيا الأكبر (غوتة) والشاعر (يواخيم ساتوريوس) والشاعر السويدي الحائز على جائزة نوبل (توماس ترانسترومر)، والشاعر الفرنسي (أراغون) المتأثر بقيس الملوّح مجنون ليلى، و(رابندرانات طاغور) الشاعر الهندي الذي حاز جائزة نوبل في بداية القرن العشرين، والروسي (بوشكين)، و(بابلو نيرودا) من تشيلي.”
ألحان عربية
أضاف الخفاف: “لحنت مجموعة كبيرة من الأغاني لمعظم المطربات والمطربين العراقيين، مثل فاضل عواد، ورياض أحمد، وكاظم الساهر، وسعدون جابر، وحسين نعمة، ومحمود أنور، وقاسم السلطان، ورضا الخياط، وصلاح عبد الغفور، وآخرين.
كما لحّنت أيضاً لمطربين عرب مثل محمد قنديل، وسوزان عطية، ومالك ماضي، ومصطفى شعشاعة، ورباب، وأحمد رامي، وبشارة الربضي، وعامر محمد، ومنى حداد، وجهاد سركيس، ونهاوند، وسميرة العسلي، وسهير عودة، ومحمد أبو غريب، وغيرهم، وأعاد غناء ألحاني عدد من المطربين العرب، منهم عاصي الحلاني، كما غنت لي السويدية (تيريزا أولسون) والمطرب السويدي (بهرانك ميري).”
أجمل أغاني القرن العشرين
وأكد الخفاف أن “أغنية (مرة ومرة)، التي غناها الفنان الراحل رياض أحمد، وكتب كلماتها الشاعر طاهر سلمان، اعتبرت في استفتاء شعبي من أجمل أغاني القرن العشرين، والأغنية موجودة بأصوات 14 مطرباً ومطربة من العراقيين والعرب “.وأضاف: “وضعت الموسيقى التصويرية والمقدمة الغنائية لمسلسلي (نادية) و (شجاها الناس)، غناء الفنان كاظم الساهر، كذلك مسلسلات (أرض الرجال) و(صانع السيوف) و(حكاية للمدى) و(كلكامش). كما لحنت أعمالاً للأطفال ولمسرح الطفل.”
احتفاء وتأهيل
وشهدت جلسة الاحتفاء بالموسيقار جعفر الخفاف، في رحاب قاعة قصر الثقافة، حوارات وأسئلة عن المسيرة الإبداعية الحافلة بكل جديد، أجاب عنها الخفاف بفرح غامر وسرور كبير، مسجلاً شكره لقصر الثقافة وللحضور الأكارم.
يذكر أن قصر الثقافة في البصرة احتضن هذه الأمسية في رحاب قاعته بعد أن أنجزت منظمة اليونسكو، وبتمويل من الاتحاد الأوروبي، تأهيل بناية القصر الذي شيده الشيخ خزعل الكعبي قبل أكثر من 100 عام، وهو أحد بيوت الشناشيل في منطقة البصرة القديمة التي شملتها أعمال التأهيل مع بناية الاتحاد العام لأدباء وكتّاب العراق فرع البصرة، وبناية جمعية التشكيليين العراقيين فرع البصرة، إذ أن عدداً كبيراً من بيوت الشناشيل تضمه هذه المنطقة، حيث تتميز هذه البيوت بهندسة معمارية غاية في الجمال والتنوع الفني. وقد استقبلت البصرة بناء هذا النوع من الشناشيل باهتمام كبير، وعمد أهلها إلى إغنائها بالعديد من المفردات، سواء في مجال العمارة ومواد البناء، أو في مجال النقوش والزخارف، إذ تنوعت الشناشيل في الشكل والمحتوى بحيث جاءت متطابقة مع الذوق العام. وتحقق هذا بسبب حرية الحركة على الخشب، وسهولة التصرف فيه، كما أن شناشيل البصرة قد حافظت على طابعها الخاص، فهي مطعمة بالزخارف المتناظرة مع الفسيفساء.
ونرى أن أهمية الشناشيل لا تنحصر في خصائصها الفنية فقط، بل تتعداها إلى أهمية اجتماعية أيضاً، إذ جاءت الشبابيك ذات المشبكات الخشبية البارزة على صورة مثلثات مسنّنة متباينة ومتوافقة مع القيَم الاجتماعية المحافظة، كما أن هندسة الشبابيك المطلة على الأزقة والشوارع تسمح لأهل الدار بأن ينظروا إلى الخارج، أي الزقاق، بينما لا يستطيع المارة أن يروا ما في الداخل، وهذه الخاصية مهمة بالنسبة للنساء، كذلك هناك بعد اجتماعي آخر للشناشيل يمنح نزلاء الدور المزودة بها المزيد من العلاقات الطيبة مع جيرانهم، لأن وضع الشناشيل في الطابق العلوي من المنزل يدفع إلى تقارب سكان بيوت الشناشيل، بحيث يسمح للعوائل أن تتبادل التحايا والأخبار وشتى الأحاديث من خلال الشناشيل.
ويرى المهندسون المعماريون أن الاكتشاف الأهم في مادة بناء الشناشيل هو الخشب، إذ أنه بسبب خفته يسمح لسكان المدن العراقية أن يرفعوا بيوتهم إلى طابق ثان من غير مخاوف من طبيعة الأرض، فضلاً عما تؤلفه الشناشيل في الزقاق الواحد من نسق معماري ذي أبعاد هندسية جميلة؛ لأنها في ارتفاع واحد، سواء عن مستوى أرض الزقاق أم عن مستوى إطلالتها أو طلعاتها الخارجية.