قضية الإمام الحسين (ع) في الرؤية السينمائية والمسرحية

1٬142

محسن إبراهيم /

التجارب السينمائية والمسرحية حول قضية الإمام الحسين تكاد تكون مقصورة على عمل اوعملين بصورة مباشرة وغير مباشرة. ومن أبرز المعوقات التي تمنع ظهور عمل ضخم يتحدث عن قضية الإمام الحسين هو عدم تركيز الجهود على الرؤى الإخراجية، فضلاً عن نقص الدعم المادي، إذ أن منهجية الدعم للأعمال الرسالية لم تترسخ بعد. كربلاء هي جبل عشق وقِبلة للكتّاب والشعراء،

هذه الأعمال وإن لم تحتل مساحة كافية في العرض السينمائي والمسرحي، إلا أنها أشبعت الرغبة في السؤال حول عدم إنتاج أعمال أكثر فكانت مسرحية (الحسين ثائراً) لعبد الرحمن الشرقاوي التي قيل فيها الكثير ولامست جرح كربلاء، ومسرحية (ثانية يجيء الحسين) للأديب الشاعر محمد علي الخفاجي وهي صرخة من عمق التاريخ بأن الحسين باب الإنسانية، فضلاً عن بعض الأفلام السينمائية التي لامست قضية الإمام الحسين.
الرؤية السينمائية
في السينما العالمية تكاد تكون التجربة مقتصرة على بعض الأفلام الإيرانية والفيلم الباكستاني (دم الحسين) الذي يعدّ علامة بارزة في السينما الباكستانية وهي واحدة من المناسبات التي حاول صُناع السينما حينها الخروج عن المألوف. الفيلم موَّلته شركة NAFDEC للتنمية.. وهو من اخراج المخرج الباكستاني Dehlav، الذي عمل مع مزيج من الطاقم الباكستاني والدولي وشاركت فيه الممثلة البريطانية كيكا مارخام، الموسيقى والمكياج والمونتاج كانت في غاية المهنية والروعة، حتى أصبح هذا الفيلم مرجعاً للسينما الباكستانية. المخرج يمتلك رؤية فريدة من نوعها، حبكة الفيلم بسيطة جداً، فالمشاهد سيشعر منذ المشاهد الأولى أن الفيلم يلمح إلى حد بعيد إلى واقعة الطف.. منذ المشاهد الأولى ومنظر الرجل الكبير السن صاحب البعير وهو يمر أمام حفيده حسين وهي إشارة بارزة إلى الرسول الكريم.. والعرّاف الذي يخبر الفتى بأنه سيحارب الظلم حين يكبر، وحين يرفع بطل الفيلم طفله الرضيع أمام الجيش ويأتي نداء القائد أن أنهوا نزاع القوم.. كل هذه إشارات إلى أن موضوع الفيلم هو مزيج بين الحاضر والماضي.
في العام 1977 كان الفيلم على وشك الاكتمال حين فرضت الأحكام العرفيه في البلاد، وحاولت السلطة الجديدة أن تنهي إنتاج الفيلم وتحظرعرضه، لكن لحسن الحظ أن سلبية الفيلم قد أرسلت إلى لندن وعرض على القناة الرابعة البريطانية لمرة واحدة.. ومنذ ذلك الحين أصبح (دم الحسين) هو الفيلم رقم واحد في باكستان بعد أن هُرِّب عن طريق شرائط الفيديو..الفيلم حاز إعجاب النقاد العالميين وكتبت عن الصحف العالمية كثيراً فضلاً عن مشاركته في الكثير من المهرجانات السينمائية. أما الأفلام الإيرانية فقد لامست قضية الإمام الحسين بأعمال عدة منها فيلم (يوم الواقعة) والإنتاج المشترك العراقي السوري الإيراني (يوم القيامة) وهو عمل ضخم وأنتج بميزانية مفتوحة.
الحسين والسينما العراقية
لم يُقدم حتى الآن عمل سينمائي يتناول واقعة الطف بشكل مفصل، والسبب هو المحاذير الكثيرة التي كان يواجهها الفنان العراقي بمجرد طرح الفكرة. في عام 1977 في لبنان قرر المخرج قاسم حول أن يبدأ رحلة البحث سينمائياً عن الإمام الحسين (عليه السلام)، نضجت الفكرة وأصبحت حلماً منذ سنوات طوال، لكن تواجده خارج الوطن وفي حالة غير مستقرة حال دون تحقيق هذا الحلم. وحين توفرت له فرصة التأمل بعد الاستقرار في هولندا فرض الحلم نفسه ثانية، كتب السيناريو خمس مرات ثم استطلع مواقع التصوير وحسم موضوع الممثلين الذين سيلعبون شخصيات القصة. في فلم الحسين هناك (65) شخصية منها سبع شخصيات أولى وإحدى عشرة شخصية ثانوية. أما على مستوى المرجعيات الدينية في النجف في العراق وقم في إيران فقد أبلغوه كتابياً وشفهياً بضرورة ألا يثير الفيلم أية فرقة في الصف الإسلامي. كان مفترضاً أن يكون الفيلم على الشاشة لولا وفاة سماحة الإمام محمد مهدي شمس الدين رئيس المجلس الشيعي الأعلى (رحمه الله)، إذ كان من أكثر الذين تحملوا عبء الإنتاج بحكم تأثيره على من يملكون قدرة التمويل من محبي الإمام الحسين عليه السلام، كما كُتب سيناريو الفيلم بإشراف فقهي من سماحته، ولم تكن ثمة مشكلة في تمويل الإنتاج لولا المفاجأة في رحيله، الجهة المنتجة هي شركة الكوفة للإعلام، وهي شركة مساهمة فيها مساهمون أساسيون من أنحاء مختلفة من العالم.
الرؤية المسرحية
عبد الرحمن الشرقاوي، ذلك الطفل الذي كان يقتفي أثر أمه وهي تتجه لزيارة أولياء الله، وكان يسمع الدعاء والتوسل في مقام الحسين (ع) ومقام السيدة زينب (ع) في القاهرة، نمت في داخله بذرة حب الحسين واتجهت بوصلة مشاعره باتجاه كربلاء، فاستحث الخطى لتتبع شخصية الإمام الحسين (ع) ونذر سنيّ حياته للغوص في أعماق هذه الشخصية التي ظلت حاضرة في وجدانه، فكتب مسرحيتين (الحسين ثائراً) و (الحسين شهيداً). في إهدائه مسرحية (الحسين ثائراً) لأمه، قال عبد الرحمن الشرقاوي: (إلى ذكرى أمي أهدي مسرحيتي “الحسين ثائراً” و “الحسين شهيداً”.. لقد حاولت من خلالهما أن أقدم للقارئ والمشاهد المسرحي أروع بطولة عرفها التاريخ الإنساني كله دون أن أتورط في تسجيل التاريخ بشخوصه وتفاصيله التي لا أملك أن أقطع فيها بيقين). وكانت تجارب صادقة أضافت عمقاً جديداً للمسرح الحسيني، وتعدّ المسرحيتان من أبرز المسرحيات الشعرية التي أغنت المسرح الشعري العربي.
استهوت المسرحية كثيراً من المخرجين لتقديمها على المسرح المصري كان أبرزهم المخرج الراحل كرم مطاوع الذي جند نفسه لإخراجها مع نخبة من ألمع نجوم المسرح المصري آنذاك مثل عبد الله غيث وسميحة أيوب. وتبدأ قصة إخراج المسرحية من العراق، عندما جاء كرم مطاوع مع زوجته سهير المرشدي لزيارة العراق وإلى مدينة كربلاء المقدسة لزيارة قبر الحسين (عليه السلام) ليطلع بنفسه على أرض المعركة، ورافقه جمع من الممثلين والمخرجين والكتّاب العراقيين، وصل الوفد إلى مدينة كربلاء المقدسة وقام بزيارة ضريح الإمام الحسين (عليه السلام) وتفقد أرض المعركة، بعد ذلك ذهب الوفد إلى أحد بيوت كربلاء، وأشار حينها الأستاذ يوسف العاني باستدعاء شخص ليقرأ قصة واقعة كربلاء، وعندما انتهى هذا الشيخ من قراءة المقتل، قال الفنان كرم مطاوع: (والله لم يُبقِ لي هذا الرجل شيئا أخرجه)، وأخذ الكاسيت الذي سجل لهذا الشيخ وسافر إلى القاهرة بعد أن زار بغداد. في القاهرة بدأ التدريبات على المسرحية، وفي اليوم الأخير من التدريبات كان هناك عرض للمثقفين والشعراء والكتّاب. بعد هذا العرض لم تعرض المسرحية إلا بعد خمس عشرة سنة من المنع .

مسرحية (ثانية يجيء الحسين) للكاتب العراقي محمد علي الخفاجي، مسرحية شعرية من ثلاثة فصول، الفصلان الأول والثاني منها تضمنا ثلاث لوحات في كل فصل، أما الفصل الثالث فتضمن أربع لوحات، وكما حدد الكاتب زمن مسرحيته من سنة 60 هجرية حتى سنة 1967م الذي كُتبت المسرحية في أواخره. لقد عمد الخفاجي في نصه كثيراً إلى استخدام الرمز، سواء في ملاحظاته أو في حوارات شخصياته، فلقد أشار في بداية اللوحة الأُولى من الفصل الأول إلى وصف منظر القاعة في ملاحظته التي نصت على أن يظل أول كراسي القاعة فارغاً طوال مدة العرض في انتظار الآتي، إلى جانب الكرسي مشجب عليه بزّة فارس يليها سيف معلق، بهذا يكون المؤلِّف قد مهد لنهاية أحداث مسرحيته برمزه للكرسي الفارغ الذي ينتظر المنقذ والمخلّص لواقع المظلومين والمستضعفين في الأرض، والذي ينتقم للإمام الحسين ولثورته الانتقام الأكبر، المتصل بالوعد الإلهي في تخليص البشرية من كل الظالمين والفاجرين على وجه الأرض.