قلّة وعي أم إهمال متعمّد؟

1٬142

محسن إبراهيم /

يجهل الكثيرون من مجتمعنا بأن الطفل، ذلك المخلوق الصغير المتورد الروح كزهرة، يشكل داخل عالمه الخاص لبنةً أولى من السلوكيات والقيم الإنسانية الوليدة التي تحتاج لمن يكون مؤتمناً عليها كي تثمر بنبل مطلق.
وهنا يأتي دور المربّي وآلية ومنافذ التربية التي لم تعد مقتصرة على الأبوين كما في السابق، وانما أصبحت مسؤولية الجميع بفعل الإيقاع التقني المتسارع في كل جوانب الحياة. مسرح الطفل هو أحد الجوانب التربوية الصحيحة لجيل ناشئ عانى مسلسل التشوهات الذي طال البنية الفكرية للمجتمع العراقي بسبب لعنة السياسة التي لم يسلم منها الأطفال بدلاً من تأطير عالمهم بلغة الحب والحياة والبراءة والجمال.
تجارب ناجحة
شهد مسرح الطفل في العراق في ستينات القرن الماضي طفرة حقيقيه، اذ قدمت (فرقة معهد بغداد التجريبي) مسرحية (علاء الدين والمصباح السحري) لجيمس توريس عام 1968، ترجمة جعفر علي واخراج جاسم العبودي. وتعتبر هذه المسرحية أول مسرحيه يؤدي أدوارها ممثلون محترفون، ويحضرها جمهورها الحقيقي من الأطفال من طلاب المدارس الابتدائية،, ثم أعقبتها تجربة المخرج المسرحي قاسم محمد في مسرحية (طير السعد) التي أعدها وأخرجها واستمر عرضها قرابة الشهر وتجاوز عدد الحضور حينها أكثر من 11 ألف متفرج. واعتبرت حينها الانطلاقة الحقيقية لمسرح الطفل في العراق. ثم توالت التجارب المسرحية من قبل الفرقة القومية للتمثيل ليدخل هذا المجال سعدون العبيدي وسليم الجزائري وبهنام ميخائيل ومحسن العزاوي وآخرون, وكانت تجربة سعدون العبيدي(زهرة الأقحوان) عام 1975 تجربة مميزة وهي من إخراجه وتأليفه وقد عدَّت أول مسرحية عراقية أصيلة للأطفال. حتى باتت العروض المسرحية في مجال الطفل عروضاً عالمية حاز مخرجوها وممثلوها أمثال قاسم محمد وسعدون العبيدي وليلى محمد وفائزة جاسم وحسين علي صالح وغيرهم على عدة جوائز عربية وعالمية, لتتواصل بعدها العروض المسرحية للطفل في عقدي الثمانينات والتسعينات وصولاً الى تجارب تحسب على أصابع اليد. ورغم المهرجانات العديدة التي اقيمت مابعد 2003, إلا أن نجم مسرح الطفل بدأ يأفل تدريجياً.
مسرح أخلاقيات
المخرج المسرحي حسين علي صالح صاحب مشروع “مسرح الطفل الجوال” تحدث قائلاً:
مسرح الطفل والاشتغال عليه دائماً مايكون مميزاً ومختلفاً عن مسرح الكبار لأسباب عدة منها بنية النص المسرحي المكتوب للطفل الذي يمتاز بخطورة كبيرة كونه يخاطب فئة عمرية محددة ويجب أن تعرف كيف توصل المعلومة من خلال النص والعملية الإخراجية. ومثل هكذا نوع من المسرح هو مسرح أخلاقيات ومثل عليا ودروسه لا تلقن بل تجسد بالصورة. والصورة لها تأثير كبير على تلقي الطفل وإعداده الإعداد الصحيح وبناء شخصيته، ففيه الفائدة والمتعة ويساعده على توسيع قاعدة معلوماته في كل ميادين الحياة. لكن للأسف الشديد السؤال المطروح الآن أين هو مسرح الطفل اليوم وهل تمكنّا من إنجاح هذه التجربة أم فشلنا؟ مسرح الأطفال يحتاج إلى ميزانيات إنتاجية باهظة ولكن هنا يحدث العكس تماماً, الكثير يعتقدون أن مسرح الطفل بسيط وباستطاعة أي شخص العمل فيه، وهذا خطأ كبير. إذ أن العالم بدأ يقدّم اليوم عروضاً للأطفال الرضّع كي يبدأ مع الطفل من هذه الأعمار، ونحن مازلنا نحبو ونعمل بمجهودات ذاتية.
القاعدة الذهبية
وأضاف المخرج قيس القره لوسي قائلاً:
يقول مارت كوين (إن مسرح الأطفال هو أعظم اختراع اكتشف في القرن العشرين)، ولذا يعد مسرح الطفل إحدى الوسائل المهمة في تربية الطفل ثقافياً ونفسياً واجتماعياً, كونه يخاطب حواس الطفل من خلال إثارة مخيلته .من هذا المنطلق قررت الدول الغربية الاهتمام بهذا المجال المهم منذ 100 عام, وكذلك نال اهتمام الدول العربية منذ سبعينات القرن الماضي ومنها مصر وتونس والمغرب والجزائر التي استعانت بخبرات خارجية من الدول الأوروبية. أما في العراق فقد كان الاهتمام بهذا المجال منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي حيث انتجت دائرة السينما والمسرح ودار ثقافة الطفل العديد من العروض المسرحية الرصينة حتى عام 2003. وبعد تغيير النظام نظمت دائرة السينما والمسرح خمس دورات لمهرجان مسرح الطفل وبعدها توقفت .لذا فإن مسرح الطفل غائب عن الساحة الفنية منذ عقد كامل, وذلك لأسباب عدة, منها عدم اهتمام ودعم الدولة للثقافة بشكل عام ولمسرح الطفل بشكل خاص, رغم الميزانيات الطائلة التي صرفت في مجالات فنية أخرى, وهذا يعني عدم إدراك الدولة لحجم هذا المجال المهم, وإذا كانت في نية القائمين على هذا الملف أن يبنوا جيلاً مثقفاً واعياً قارئاً ومشاهداً من الأطفال فعليهم أن يهتموا بمسرح الطفل باعتباره القاعدة الذهبية لثقافة الطفل.