كريم رسن الفنان يجب أن يكون شاهد عصره

1٬101

خضير الزيدي /

هو واحد من بين أهم الفنانين الذين عاشوا إبان مرحلة الثمانينات من القرن المنصرم متأثرا بطروحات أستاذه شاكر حسن آل سعيد.

في هذا الحوار نتطرق الى أساليبه في التقنية وموجة التأثر الأولى بتجارب فنانين عالميين إضافة الى معرضه الأخير المقام في الإمارات، حوار ينطوي على مصداقية ومحبة وتحليل نابع من فنان عراقي بقى وفيا للمحلية العراقية

* ما سر اهتمامك بالمتغيرات الشكلية في أنظمة لوحاتك وكأنك تتعامل مع التجريب بشكل مستمر؟

أعتقد أن الفنان ملزم بالتعاطي مع المتغيرات اليومية التي تواكب الحياة في أشكالها وجوانبها كافة، الثقافية، السياسية، الاجتماعية الخ، كذلك هو ملزم بادامة الزخم المعرفي والثقافي وأن يكون حاضرا وفاعلا اذا ما اراد لنفسه أن يكون فنانا معاصرا او محدثا في مجال تخصصه الفني، وأن بعض المتغيرات التي تترك آثارها على الحياة، مثل الحروب او الكوارث التي حصلت في العراق مثلا، لابد لها أن تكون ذات تأثير مباشر على جوهر وشكل العمل الإبداعي الذي ينجزه الفنان، كثير من الفنانين العراقيين الذين عاشوا داخل العراق وخارجه مرت بهم أحداث جسام، من الحروب والحصار وحروب كونية لاحقة ارجعت العراق الى مرحلة متأخرة حضاريا، كذلك ادت الى انزلاقات اجتماعية خطيرة أصبحت آثارها واضحة الآن. كان من المفروض أن تفرز تلك الأزمات فنا يحمل سمات تلك المرحلة بكل قساوتها، لكن الكثيرين منهم ظل ملازما لاسلوب اكتشفه او استساغه ولا يريد خسارته او التضحية بمبيعات او سوق رائج لأعماله.

وعلى مر السنين التي تشكلت فيها تجربتي الفنية كنت ملازما ومتأثرا جدا بكافة المتغيرات التي اشرت اليها، ولا زلت مؤمنا أن الفنان يجب أن يكون شاهدا على العصر اذا تطلب الأمر ذلك، فكانت أعمالي الفنية التي تتوزع بين الرسم والمجسمات والدفاتر الفنية تشير الى ذلك كله وتحمل سماته، وفق رؤية فنية أعتقد أنها كانت متقدمة نوعا ما بين من كنت أجايلهم ومن زملاء من أجيال مختلفة، وهذا بالتأكيد يجعلني دائما مشغولا بدائرة التجريب والبحث الدائم، أحيانا أنجح وأخرى أفشل، ولكن ذلك لم يوقفني عند عتبة اسلوب واحد اراوح دخل منظومته واشتر منه.

اتجاهات أسلوبي

* كيف لك أن تعيد ترتيب الصياغات داخل السطح التصويري وتنشئ وحدات صورية ضمن تعبيرية تحمل بصماتك من دون تأثيرات شاكر حسن آل سعيد؟

ابتدأت حياتي الفنية في مطلع الثمانينات كرسام تعبيري تجريدي، اجمع بين تقنيات مختلفة على السطح التصويري، متأثرا بالميثيولوجيا العراقية والفكر الاسطوري برؤية محدثة، وكان ذلك بتأثيرات متعددة، شاكر حسن، باول كلي، خوان ميرو، ديبوفييه وتابييس، وكنت فخورا بتلك التأثيرات الفنية والرؤية لهؤلاء النخبة من الفنانين الرؤيويين الذين تركوا بصماتهم في تأريخ الفن الحديث، حيث قادتني تلك التأثيرات فيما بعد الى اكتشاف مسالك جديدة في تلك الاتجاهات الاسلوبية، مع بحثي الدائم لاثبات الذات والتفرد بين من كانوا يجايلونني من الفنانين، ونتيجة لذلك وبعد فترة ليست طويلة وبالتحديد مطلع التسعينات ظهرت بوادر تغيير فعلية على بنية تجربتي الفنية، حيث الانتقال من التعبيرية التجريدية الى اشارية متوسلة تقنيات عديدة تجمع بين الرسم والحفر والنحت، مستفيدا من روح وشكل اللقية الاثارية ومتروكات محيطية متعلقة بالمكان والبيئة، أنا أعتقد أن روح البحث والسعي الى التغيير والتجديد من أجل أن أكون فنانا فاعلا في محيطي المحلي والعربي وبعض من طموحات أخرى في ذلك الوقت هو الواعز الأكبر الذي جعلني في هذا الحراك الدائم والمستمر والى الآن، لذلك أجد نفسي غير ملزم بالثبات على اسلوب معين ولكني اتحرك بحرية تامة بين اكتشافاتي ومنجزاتي ولم أجد حرجا في ذلك أبدا.

تجربتي

* اثار معرضك الأخير اهتماما واسعا،هل اقتربت من سياقات قراءة مشهد الحياة العراقية المؤلمة أم أن السبب يعود الى تقنيات العمل ومركباته الشكلية؟.

معرضي الأخير في قاعة ميم بدبي لم يكن مكرسا للمشهد العراقي الداخلي هذه المرة، كان عنوان المعرض خطوات في المهجر، وهو مكرس فعلاً لتجربتي في المهجر كفنان وانسان خلال السبع سنوات الماضية، وقد تعرضت فيه الى مشاكلي الانسانية والاجتماعية والنفسية المتعلقة في العيش داخل المجتمع الجديد مع عائلة متكونة من خمسة أفراد، هي تجربة فنية وانسانية مختلفة تماما، لرسام قادم من الشرق، عليه التعاطي مع ثقافة جديدة مختلفة ، ومفاهيم جديدة للفن لم اتعاط معها في السابق كونها معنية بثقافة الموطن الجديد. وهذا المعرض هو عودة الى التشخيص الفعلي وفيه أيضا عودة لتجارب قديمة في مجال التخطيط واستخدامات مختلفة في مجال الفن والتقنيات التي تدربت عليها ولكن بآليات ورؤية جديدة. لم تكن هناك رهانات موضوعية او تقنية بقدر ما اردت أن اعرضه من حالة انسانية وثقافية اعيشها في بلاد المهجر، وهي قد اغنت معارفي وملكاتي الفنية وجعلتني أكثر مرونة وحرية للتحرك في أكثر من منطقة وأكثر من اسلوب فني، وهذا من المكاسب الفنية التي كنت أسعى أن أكون داخل منظومتها، الحرية الكاملة في العمل الفني والانتقالات السريعة والخاطفة بين عمل وآخر.