متحف الموسيقار محمد عبد الوهاب ذاكرة حيَّة لعملاق الموسيقى العربية

1٬065

رشا محمد /

حاضرٌ في الذاكرة التي كلما حلقت في فضاء المشهد الفني لا بد لها أن تمضي إلى قامة سامقة من قامات الفن العربي؛ موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب الذي ارتقى سلم الإبداع بخطوات حفرت في ذاكرة الزمن، وما يزال متوهجا رغم مرور السنين. في ذكراه الخالدة وفور أن تتجه إلى متحفه وتفتح لك أبوابه حتى تشم عبق تاريخ بهي وتتهادى إلى مسامعك موسيقى تأخذك بعيداً إلى زمن الطرب الجميل.
وحين يقع نظرك على جدران المتحف، تبهرك لوحات فنية تمثل مسيرة الموسيقار الراحل في طفولته وشبابه، وآلة العود التي عزف عليها أجمل موسيقاه، ومكتبه وتاريخه بكل تفاصيله الذي يحتوي في كل زاوية منه على بصمات من وهج إبداعه الفني لتبحر إلى مرفأ الذاكرة التي تصدح برؤى الفن حاضراً ومستقبلاً.
متحف الإبداع
في كل عام من شهر مارس وفي ذكرى ميلاد موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب يُفتح المتحف للجمهور وللزائرين بالمجان. أنشئ المتحف عام ٢٠٠٠ حين قرّرت زوجة الموسيقار الراحل الكاتبة نهلة القدسي إهداء كل مقتنياته إلى وزارة الثقافة المصرية لأجل إنشاء متحف خاص به يكون شاهداً على إبداع عبد الوهاب في مجال الموسيقى العربية، ولكي يرتاده كل محبيه من مصر والوطن العربي، وعلى الفور استجابت وزارة الثقافة المصرية بتصميم قاعات داخل معهد الموسيقى العربية واختير المعهد تحديداً لأنه كان أول مكان وقف فيه عبد الوهاب على خشبة المسرح ليقدم أول حفل له أمام الملك.
يضم المتحف أجنحة عدة خصّصت للصور والذكريات الخاصة به مع عمالقة الفن مثل كوكب الشرق أم كلثوم، وجناحاً آخر يضم مجموعة مهمة من الأوسمة والنياشين التي حصل عليها من كبار الرؤساء والملوك وشهادات تقديرية من كل دول العالم التي كرمت وقدرت فن عبد الوهاب، وهناك قاعة أخرى خصّصت للمقتنيات الشخصية مثل العود الخاص به ونموذج من مكتبته وغرفته وفيها الكرسي الهزاز الذي توفي عليه، وكذلك التقويم الهجري الذي كان موجوداً لحظة وفاته وجواز سفره وساعاته ونظاراته وجزء من الملابس المفضلة لديه وبدلته التي ارتداها في فلم الوردة البيضاء وبعض الورق المكتوب بخط يده، وكذلك صور نادرة مع بناته وزوجته وجنازته وآلة البيانو الخاصة به، فضلاً عن جناح آخر يحتوي على موسوعة شاملة لكل أغانيه، وتسمّى بالمكتبة الموسيقية التي خصّصت للزائرين لتتيح لهم الفرصة في أن يجلسوا ويشاهدوا ويستمعوا لكل أغنياته وتسجيلاته ولقاءاته الخاصة والنادرة، فضلاً عن سينما صغيرة تعرض أفلامه وافتتح متحف عبد الوهاب؛ الذي يجسّد مراحل حياة الموسيقار الراحل، في الرابع من حزيران عام 2002، ويقع داخل المعهد العالي للموسيقى العربية بشارع رمسيس في قلب العاصمة المصرية القاهرة.
رحلة داخل المتحف
أحمد سامي مدير المتاحف في معاهد الموسيقى العربية تحدّث عن أروقة المتحف قائلاً: حرصت دار الاوبرا المصرية على فتح متحف الموسيقار محمد عبد الوهاب للجمهور بالمجان كي تتاح الفرصة للزائر للتعرف على مقتنيات موسيقار الأجيال وأعماله، وحين دخول الزائر فإنَّ أول ما يصادفه عود الفنان محمد عبد الوهاب مكتوباً عليه بخط يده: “بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين”، وقد صنع هذا العود في عام 1962، إضافة إلى عصا القيادة التي قاد بها فرق الموسيقى العسكرية لإعادة نشيد بلادي، ثم يواجهك الجزء الأول من المتحف ويضم مجموعة صور تعود إلى بداياته الفنية وبطاقته الشخصية وصوراً أخرى لدار سكنه وصوراً لأخيه الشيخ حسن الذي كان يحاول أن يعلّم عبد الوهاب قراءة القرآن قبل أن يكتشف ميوله الفنية، وقد ساعده بعد ذلك في تنمية قدراته الموسيقية. ثم نشاهد الأسطوانة البلاتينية التي حصل عليها في عام 1978 وكان الأول عربياً والثالث على العالم وكانت لمبيعات مليون أسطوانة لأغنية (الليل لما خلي) التي غناها في عام 1923.
وهناك صور لعقود مبرمة بين عبد الوهاب والإذاعة المصرية، تعود إلى سنة 1945 فضلا عن المايكروفون الخاص الذي سجّل عليه أول أغانيه للإذاعة المصرية، وقد استمر معه طوال حياته حتى رحيله. ونجد أيضاً آلة الأورغ الخاصة بالفنان، وجديرٌ بالذكر أن محمد عبد الوهاب كان أول من أدخل الآلات الغربية في الموسيقى الشرقية. أما الجزء الآخر من المتحف فيحمل عنوان “عبد الوهاب والسينما المصرية” فقد مثل وغنّى في سبعة أفلام. وفي مكان آخر من المتحف وهو غرفة الابداع التي تضم مكتبه الخاص حيث سجل جميع خواطره وألحانه، وتضم هذه الغرفة البيانو الخاص وصورة مع زوجته نهلة القدسي وبعض النوتات الموسيقية التي كان يكتبها بخط يده، وهناك أيضاً تقويم قُطعت آخر ورقة فيه في 3 مايو 1991، وهنا كان قد توقف زمن الإبداع.
ختاما هناك صورة له مع زوجته نهلة القدسي التي لها فضل كبير في إغناء هذا المتحف بتبرعها هي وأولاد الموسيقار الراحل بجميع المقتنيات الخاصة بهم للمتحف وهناك مقولة كتبت على الصورة وهي: أكثر ما يسعد الرجل أن يجد الحب داخل منزله والاحترام خارجه.