مسرحية “وقت ضايع” للفرقة الوطنية للتمثيل.. أسئلة شجاعة في زمن مهزوم

850

مناضل داود /

“وقت ضايع” هو العرض المسرحي العراقي الذي شارك في مهرجان عمان المسرحي الدورة 24 _ باسم الفرقة الوطنية للتمثيل نص وإخراج (تحرير الأسدي) تمثيل آسيا كمال، رائد محسن، محمد بدر، ولابد لنا هنا أن نتوقف عند ظاهرة اقتصار العروض المسرحية العراقية بعد 2003 على ممثلين اثنين أو ثلاثة في أحسن الأحوال، ونسأل مالذي جرى للمسرح العراقي؟ وأين عروضه الضخمة؟ لاسيما أن الفرقة تزدحم بكثرة الممثلين الموظفين الرسميين فيها، أضع هذا السؤال أمام أعين الباحثين المسرحيين لأننا نرى أن هذه الظاهرة تستحق منا التوقف عندها لفحصها وتقييمها للاستدلال على أسبابها إيماناً منا بأن النقد هو من يستطيع تقويم حركتنا المسرحية العراقية التي تحمل تاريخاً عريقاً عمل أساتذتنا الأفاضل لبنائه وترسيخ تقاليده العريقة لسنين طويلة ولكي لانبدو نحن الجيل العاق للأباء الكبار الذين افنوا حياتهم من أجل هذا المسرح؟

أسئلة

اعتمد العرض على ثلاثة مشاهد أساسية في بنائه الدرامي والبصري
المشهد الأول: أسئلة الوجود…. مشهد صادم قدم أسئلة شجاعة في زمن مهزوم للزوج والزوجة (رائد محسن) و(آسيا كمال) زوجان مهزومان ضائعان وسط خراب عراقي هائل، حيث تولد أفعال الأسئلة المكسورة أمام العين مباشرة، أسئلة مخذولة لفداحة ماحدث: من أنت؟ يسأل الزوج زوجته، ومن أنت ترد الزوجة؟ أين نحن؟ غربة مدمرة لزوجين عاشا عمراً مديداً هكذا يفتتح العرض مشهده الأول ليمسك بالمتلقي ويدخله معه في دوامة الأسئلة المهزومة وهي في حقيقة الأمر أسئلة الشجعان الذين يدافعون عن وجودهم في الحياة، حياتهما الدرامية الصاخبة التي لم تعرف الهدوء والاستقرار، يختزل المشهد الأول حالة الخراب وضياع العراقي داخل وطنه، أن الشعور بالضياع داخل الوطن وحده كفيل بقتل النفس البشرية فكيف بسلسلة الحروب التي لاتريد أن تستريح !!؟

ضياع المشهد

المشهد الثاني: التاريخ البعيد… قفزة إلى الميثولوجيا العراقية واستحضار البطل العراقي الأسطوري كلكامش وترحاله قطع حبل التواصل مع المتلقي ـ أتحدث عني ـ حيث ضاع المشهد وضيع معه أسئلة البداية الصادمة والمؤرقة فترهل العرض بهذا المشهد لاستحضار التاريخ البعيد الذي لانملك منه في ذاكرتنا سوى روايات الكتب في سلسلة معارفنا وبحوثنا نعم أنه تاريخ بعيد لايحتل أي جزء من ذاكرتنا الجمعية كما مشاهد الحروب الحديثة فلم يوفق ربطه بتاريخ المشهد الأول الحار والطازج فانفرط العقد بين الممثل والمتلقي لقلة الخبرة لدى المخرج الذي لم تكتمل أدواته وتنضج بما يجعله يستطيع قراءة عرضه بشكل أفضل

لعبة شطرنج

المشهد الثالث: حروب البلاد… عاد العرض ليكمل رحلة المشهد الأول وهي أسباب الخراب والضياع التي يعاني منها الزوج والزوجة عندما ظهرا لنا بأسئلة الوجود الشجاعة للزمن المهزوم والمدافعة عن الذات في صراع البقاء في آن واحد، فجرجر الزوج زوجته إلى استذكار الحروب التي هدمت بناء البيت وضيعتهما معاً ترفض الزوجة في الدخول لهذا الاستذكار في بداية المشوار ولكن الزوج يورطها ويجرجرها معه إلى دائرة الحرب التي استعار المخرج فيها لعبة الشطرنج فكان الأداء في هذا المشهد الدرامي الساخن والذي هو سمة التمثيل العراقي المحترف وأعني تماماً الممثلان الكبيران آسيا كمال ورائد محسن منقذاً للعرض في وقته الضائع . اعتذر من القارئ لقد نسيت الممثل الثالث (محمد بدر) الذي أقحمت شخصيته لأن حذفها لايؤثر على العرض بل على العكس فإنه يحافظ على أناقته والذي أوثث باضاءة مهذبة لعصام جواد وموسيقى ذكية لزيدون هاشم .