مظفر النوّاب بين أجندة”نوبل” وانشغالات شاعر
كاظم غيلان/
لربما يسجل بعضهم على كتابتي هذه امتعاضاً بصفتي عضواً في اللجنة التي اختارها اتحاد أدباء العراق في ترشيح الشاعر الكبير مظفر النوّاب لجائزة (نوبل) دون أن يميزوا بين وجهة النظر من زاويتها الشخصية الإبداعية الحقّة والصفة المهنية (الاتحاد) الذي وجد في هذا الترشيح شأناً اعتبارياً يستحقه الشاعر. الجوائز وبضمنها (نوبل) لابد وأن تقف خلفها جهات شارطة بموجب قواعد ولوائح تتلاءم مع المرشحين لها ناهيك عن العامل السياسي الذي تتبناه الجهات المانحة.
( نوبل) جائزة عالمية لها شأنها المهم والكبير وهذا لاجدال فيه. لكنها لم تسكن وجدان الإنسان العراقي مثلما تسكنه أشعار مظفر النوّاب التي مزجت الجمال بالثورة، فستكون بالمحصلة عابرة برغم حجمها وأهميتها، لكن قصائد هذا الشاعر الكبير هي الأبقى. ليس هذا فحسب، بل كيف تمنح (نوبل) كجائزة لشاعر عرف بامتياز في معارضته للحكومات وانحيازه لفعل المقاومة العظيم إزاء سياساتها وتحريض الشعوب المقهورة لقلب الطاولات على رؤوس من أسماهم بــ(الحاكمين البغايا)؟
مظفر النوّاب لم يطرق باب نوبل ولا أبواب غيرها من الجوائز، فهو غير معني أو منشغل بها ذات يوم بقدر ماتعنيه هموم الإنسان وانكساراته وفقره وسياسات تجويعه وتشرده، ويلخصها في قصائده التي اتسمت طبيعة انتشارها عبر (التهريب)، فكان بحق شاعر القصيدة المهرَّبة والمحظورة لما فيها من فعل تحريضي لايمكن أن ينسجم بالمرة مع سياسة الأجندة والمافيات التجارية منها والسياسية المولعة بابتكار الجوائز ومن ثم تقوم بنفسها لتصدير (الفائزين بها).
عربياً ومنذ (وتريات ليلية)، التي امتازت بتعرية الحكومات العربية وسياساتها المتخاذلة إزاء قضية فلسطين، والنوّاب يسكن ضمائر الثوار العرب الذين تتاجر بهم حكوماتهم عبر(القمم) التي جعل منها الشاعر محط سخرية وتندر الشعوب بها. فكيف تمنح له جائزة تحمل بين طيات شروطها القبول بسياسة التطبيع مع إسرائيل ولربما تحرم المساس بالحكومات!؟
لقد قالها في واحد من اجتماعات اللجنة الناقد د. مالك المطلبي إن من المستحيل أن تمنح نوبل للنوّاب لدرايته ودرايتنا جميعاً، لكن الدورة الحالية للاتحاد وكمبادرة منها التفتت لحق الاتحاد في ترشيح أحد أدباء العراق لهذه الجائزة التي أغفلتها الدورات السابقة، وهي التفاتة طيبة دونما شك. إلا أن سجالات قيلت هنا وهناك، وحتى على صفحات التواصل الاجتماعي(الفيسبوك) راحت تعمل على تضخيم الأمر وبعضها كان يفتقر لأدنى وعي شعري وهو يحاول خائباً التقليل من شأن الشاعر، إلا أن المعني هو(الاتحاد) لبعض حساسيات قائمة بين هذا البعض والاتحاد ومعظمها شخصي وليس مهنياً.
مظفر النوّاب وهو يجتاز عقده الثامن من عمر توزع بين سجون العراق ومنافي غربة قاسية تمكن في مالم يتمكن غيره من شعراء عصره أن يكون ضميراً ناطقاً.. صارخاً.. غاضباً.. باسم مواجعهم وآلامهم وحرمانهم، بل وحتى أعراسهم التي هي أعراس انتفاضات تسببت في ارتجاف عروش وسقوط بعضها.
شاعر لايمكن أو يخطر في باله ولو السعي القليل لنيل جائزة مهما بلغت أهميتها وصداها بقدر ما يسعى لملامسة وجدان الناس.
إن منحت(نوبل) لمظفر النوّاب أم لم تمنح .. فهو(الأبقى).