مناف طالب.. تلحقه الكورونا بقافلة الراحلين

581

#خليك_بالبيت

محسن ابراهيم /

من دون ضجيج، رحل وهو يصارع المرض في زمن لا عزاء فيه ولا جنازة، بين جدران غرفته في مستشفى النعمان الذي سرق قبل أيام أحد نجوم الرياضة؛ لاعبنا الكبير أحمد راضي، واليوم سرق منا نجما آخر في عالم الفن، تشخص عينا ذلك النجم إلى تاريخ فني كتبت حروفه بالتواضع وحب المهنة، رحل وهو يصارع المرض ومع كل شهيق وزفير ترنو أمام عينه أعماله الفنية منذ 40 عاما، رحل وترك خلفه محبيه الذين رسخ في ذاكرتهم الفنان والإنسان مناف طالب، يصفه الفنانون بأنّه الاستاذ والمحبّ الطيب والمسامح والأخ الكبير، وفي رقدته الأخيرة قالوا له نم قرير العين واستقبلنا نحن القادمون بابتسامتك المعهودة.
نشيد الأرض
في مدينة الكوت وفي العام 1940 ولد مناف طالب ومنذ بواكيرعمره عشق التمثيل وكانت خطوته الأولى في مدرسته الابتدائية (الشرقية) للبنين، ومن تلك المدرسة انطلقت موهبته في مسرحية (نموت ولا نسلم) التي أشرف عليها أستاذه عدنان العزاوي، وهي مسرحية من الأدب الياباني قام بدور زوجة القائد، وفي عام 1958 استطاع مع زملائه تكوين فرقة فنية وهي فرقة الكوت للتمثيل ساعده صديقه “منقذ حنون” بإعطاء الفرقة شقة لتكون مقرا لها. شغفه بالفن سار به إلى معهد الفنون الجميلة، وفيه وجد أنّ المعهد لا يعلّم التمثيل وإنما يصقل الموهبة ويطورها مهنيا ويبقى الممثل هو من يطور نفسه من خلال الاطلاع وقراءة الأدب العالمي.
وفي العام 1965 تخرّج من قسم التمثيل، ليصبح مشرفا فنيا في تربية مدينة الكوت وينتقل بعدها إلى محافظة ديالى ليمارس مهنة الإشراف الفني.
لم يدم الأمر طويلا حتى استدعاه الراحل حقي الشبلي مؤسّس الفرقة الوطنية للتمثيل ليصبح أحد أعضائها. وفي العام 1973 كانت المشاركة الأولى من خلال مسرحية نشيد الأرض تأليف الفنان بدري حسون فريد وإخراج الفنان محسن العزاوي.
من المسرح إلى التلفزيون
من المسرح كانت الانطلاقة إلى التلفزيون من خلال برنامج (اريد ابرد كلبي) إعداد وإخراج الفنان حامد الاطرقجي ، ومنذ ذلك الحين شارك في العديد من الأعمال التلفزيونية منها، امرأة ورجل، الصفعة مع الفنان كرم مطاوع، أصايل، جحا، أحلى الكلام، أجنحة الثعالب، القمر والذئاب، خنجر العنود، السركال، نكرة السلمان، وآخرها “غايب في بلاد العجائب”. حتى بلغت أعماله التلفزيوني ما يقارب 60 عملاً. أما في مجال السينما فاشترك بأكثرمن من 9 أعمال منها، العربة والحصان، حب ودراجة، مكان في الغد، حب في بغداد، عمارة 13، يوم آخر. وبعد محطات من النجاح المتواصل في الساحة الفنية ارتقى مناف طالب ليتسنم منصب مدير المسرح الوطني حيث شغل هذا المنصب من العام 2003 إلى عام 2005.
أحلام مؤجلة
في العام 2006، غادر مناف طالب العراق مرغما بعد موجة العنف الطائفي التي اجتاحت العراق، في سوريا كان المستقر لمواصلة مشواره الفني الذي كلل بالعديد من الأعمال التي أنتجت في سوريا، كان أبرزها مسلسل “سارة خاتون” ومسلسل “نكرة السلمان” الذي تحدّث عن معاناة السجناء السياسيين والظروف الصعبة التي مرّ بها العراق خلال حقبة الحكم الدكتاتوري، شارك طالب في مسرحيات عدة عرضت على مسارح دمشق، كما أخرج عملين مسرحيين.
لمناف طالب أحلام مؤجلة، إذ كان يأمل في عرض مسرحي يشارك فيه مئة شخصية، يتحدّث فيه عن معاناة العراقيين على مدى العقود الأربعة الماضية، وكذلك تجسيد دور الشخصية الدينية الشهيرة رفعت الطهطاوي.
كان يأمل من الفنانين بأن لا ينظر أحد إلى الآخر بعينه وإنّما بقلبه وعليهم أن يغسلوا ما في دواخلهم لكي ينتمي الجميع إلى هذه الرسالة الفنية بكل حواسه وليثبتوا ويرسخوا الفن على قاعدة علمية ثقافية.
رحل الفنان مناف طالب عن عمر 80 عاما بسبب إصابته بفايروس كورونا. رحل وما زال في جعبته الكثير من الأحلام المؤجلة، على الرغم من وصوله للعقد الثامن من العمر.

النسخة الألكترونية من العدد 362

“أون لآين -5-”