من “باب الحارة” الى “العراب” قفزة في الفراغ

1٬070

كنان ابراهيم/

تواجه الدراما السورية، مثلها مثل الدراما العراقية، أزمة خانقة، سواء في الانتاج أم في التسويق وليس انتهاء باختيار موضوعات الدراما. والأمر يعود، كما أصبح معروفا، الى جملة من الأسباب المشتركة القاهرة التي يقف في مقدمتها الظرف الأمني العصيب والافتقار الى أماكن التصوير وتشتت الفنانين بين بلدهم وبلدان المنفى أو الهجرة، هذا إضافة بالطبع الى تراجع فرص تمويل الدراما سواء من طرف الدولة أم الشركات الأهلية المنتجة.
ولم يؤثر هذا سلبا على كم المنتج من الدراما السورية حسب، إنما ألقى بظلاله السلبية على حرية أختيار الموضوعات وخضوع المنتج من هذه الدراما الى رقابة مشددة، داخلية (محلية) أو خارجية من طرف القنوات الفضائية المستوردة للدراما.
الزمن الجميل
لكل هذه الأسباب صار النقاد والمتابعون يتحدثون بأسى عن «الزمن الجميل» الذي عاشته الدراما السورية طوال العقدين الماضيين عندما اجتاحت «سوق الدراما» العربي وفرضت نفسها على مختلف قنوات البث الفضائي ابتداء من دول المغرب العربي الى دول المتوسط ودخلت دول الخليج المتشددة والمحافظة.
لقد كان التنوع سمة الدراما السورية مثلما كان كم الأنتاج الكبير سمة أخرى ساعدت على انتعاش الحركة الدرامية بحيث لم تعد هناك قناة بث عربية لم تخصص ساعات بث لمسلسل سوري واكثر. وأمام هذا الزخم تراجعت حركة الدراما في بلدان كانت في المقدمة مثل مصر التي عانت انحسارا ظاهرا في الإنتاج الدرامي وفي نوعيته كذلك خلال العقدين الماضيين.
فبدءا من الأعمال الفانتازية، إلى موجة الأعمال التأريخية، ثم الأعمال البيئية الشعبية، فالأعمال الاجتماعية والكوميدية، وليس انتهاء قفزة دراما الجرأة الاجتماعية، التي طرحت أفكاراً اجتماعية جريئة جداً لم تعتد عليها الدراما السورية والعربية، تناولت قضايا الخيانة والمحرمات الاجتماعية بشكل مباشر وموسع يمتد لثلاثين حلقة، يتم من خلالها استعراض تفاصيل الخيانات ومسبباتها والأمراض الاجتماعية الناتجة عنها. لقد اتحفت الدراما السورية السوق، في ذلك «الزمن الجميل» ووقفت في المقدمة دون منازع.
محاولات تصطدم بالصعوبات
وبالرغم من محاولات عدد من الفنانين السوريين وكذلك الجهات المعنية بالانتاج الدرامي، مواصلة هذه المسيرة الرائدة، إلا أن أزمة البلاد الأمنية والاجتماعية والسياسية كانت أقوى من هذه الجهود، إذ واجهت هذه المحاولات صعوبات شديدة فتراجع الانتاج الى حدود كبيرة وتخلف التسويق واضطر العشرات من الفنانين السوريين الى الهجرة من بلادهم في محاولة للحصول على فرص عمل في بلدان الجوار.
وفي هذا السياق يؤشر نقاد ومتابعون للإنتاج الدرامي السوري، خلال السنوات القليلة الماضية، تراجعا ملفتا في موضوعات الدراما السورية واعتمادها التسويق التجاري هدفا اساسيا أكثر من اعتمادها على الرسالة الحضارية والفكرية والإجتماعية للدراما، فضلا عن هروبها من مشكلات الواقع الى الأعمال المستنسخة عن روايات أجنبية.
الهروب الى «العراب»!
ويرى هؤلاء النقاد أن الأعمال التي انتجت مؤخرا وانتهجت سياسة الأجزاء لم تخرج في مضمونها عن حالة التراجع كما حدث ومازال يحدث مع (باب الحارة) و(بقعة ضوء)، وغيرها، فيما استنسخت أعمال أخرى تلك التجارب شكلاً ومضموناً بمسلسلات فقيرة وفارغة من أي محتوى فكري أو حياتي أو ثقافي، أو حتى ترفيهي كـ (طوق البنات) و(الغربال) وغيرهما..
وعلى سبيل المثال يرى النقاد أن هروب الدراما السورية من الموضوعات الساخنة والواقعية الى الأعمال المقتبسة مثل الفيلم العالمي الشهير(العراب) يشكل نقطة ضعف ودليلا على الإفلاس، كما تؤكّد أن العامل التسويقي والربحي بات هو الاساس في الانتاج الدرامي، فضلا عن أنه يعد طفرة في الفراغ بمسيرة الدراما السورية.
يذكر أن مسلسلين مقتبسين عن التحفة العالمية جرت إعادة أنتاجهما هما (العرّاب) كتابة حازم سليمان، إخراج المثنى صبح، إنتاج سما الفن، والثاني (نادي الشرق) كتابة رافي وهبي، إخراج حاتم علي.