من يقف وراء سوق الفن التشكيلي ومن يحدد أسعاره ؟
زياد جسام/
قد يتساءل بعضنا عن كيفية تحديد أسعار القطع الفنية؟ أو ما الذى يجعل قطعاً فنية تصل الى مئات آلاف الدولارات، وأخرى تباع بمبالغ زهيدة؟ من يحدد أسعار هذه الأعمال، سواء أكانت نحتاً أو رسماً أو خزفاً.. الى آخره. وهل أن قيمة العمل الفني مرتبطة بفكرة العمل، ام باسم الفنان ومنجزه، أم ماذا؟ هذه الأسئلة وغيرها ناقشناها مع بعض الفنانين عبر هذا الاستطلاع..
تحدث الفنان التشكيلي (د. محمود شبر) عن هذا الموضوع مبتدئاً بقيمة الأعمال الفنية فقال: “إنها تختص بعوامل الجودة ورصانة العمل، وتكون بطبيعة الحال القضية التي تأخذ الحيز الأكبر والأهم لكل فنان يحترم اسمه ويحترم فنه.” واستدرك في كلامه قائلاً “لكنها واقعاً ليست لها علاقة بالسعر الذي هو محور السؤال الأصلي، بل إن الموضوع برمته ليس فيه ترابط ما بين الإنتاج والتسويق، ويكاد يكون هذا من ضمن هموم الفنان التي تكون ضاغطة عليه.”
وأضاف: “دائماً ما أتعمد ذكر أن الفن، بوصفه عالماً جميلاً، يكون فيه الفنان هو السيد الأول المتحكم بآليات اشتغالاته، من خلال مختبره التجريبي الذي يقدم فيه خلاصات أفكاره، وهذا بالتأكيد معروف ولا نريد التوسع فيه لتتسنى لنا الإجابة على السؤال بالشكل الوافي المكثف. وهذا الفنان قد يكون ناجحاً في إدارة فنه، أو غير قادر على تلك الإدارة بسبب انهماكه المستمر في مشغله وأفكاره. كل هذا يقابله عالم آخر يكون موازياً لهذا الذي ذكرناه، يمكن ان نطلق عليه -إذا جاز التعبير- (عالم تجارة الفن)، الذي يديره أشخاص ليسوا فنانين، وهم كذلك ليسوا نقاداً أو أصحاب اختصاص بالفنون الجميلة، ولكن هؤلاء يكون اطلاعهم على خفايا الفن وأسراره -في غالب الأحيان- أكثر من اهل الاختصاص، والسبب هو أن عملية الاستثمار المالي تحتاج الى أرضية آمنة للوقوف عليها، وهؤلاء هم الذي يتحكمون بـ (سوق الفن) وكيفية تحريكه بهذا الاتجاه أو ذاك. وهذا ما يجعل الفنان واسمه وفكرة العمل والقيمة التي أشرنا إليها آنفا غير حاضرة في هذا العالم المتخصص بالفن، لكنه غير مختص، متحكم لكن من نوع أخر، ربما يكون أكثر أهمية من الجميع.” وختم حديثة بأن “لا معيار يخضع له السعر من تلك التي أشار لها السؤال، ويبقى المقتني وتاجر الأعمال الفنية هو من يضع الخطوط البيانية لسعر الفنان صعوداً ونزولاً.”
تسويق الأعمال
أما الفنان التشكيلي (د. فاخر محمد)، فقد وصف العمل الفني، أياً كان، بأنه سلعه ثقافيه تصبح تحت قانون العرض والطلب. وقال إن “اسم الفنان وتاريخه ومكانته الإبداعية لها علاقه كبيرة بالأسعار، نعم، هناك تقاليد في أوربا غير موجودة في المنطقة العربية، هي آليه التسويق، ففي المنطقة العربية لا توجد تقاليد في تسويق الأعمال الفنية، ومن الخطأ جدا أن يقوم الفنان بتسويق أعماله، إذ يجب أن تكون هناك جهة بيع هي المسؤولة، أحياناً تلعب العلاقات الشخصية دوراً في التسويق، بل وحتى المزادات تلعب دوراً في ارتفاع أسعار الفنانين، هناك أسماء في الفن العراقي بيعت أعمالهم خلال التسعينيات بمبالغ بسيطة، نفس هؤلاء الفنانين بيعت أعمالهم في مزاد (بونهامس) قبل سنتين بـ654 ألف دولار!”
مؤسسات سياسية
فيما يرى الفنان والناقد (د. جواد الزيدي) أن تفاوت أسعار الأعمال الفنية يحدد بفعل معطيات وأسباب عديدة ترتبط بالزمان والمكان والحقبة الفنية التي اتسمت بها. قائلاً “تختلف قيمة الفن الأوربي عن الفنين الشرقي والعربي، لأن مؤسسات كبرى ذات صبغة سياسية أحياناً تحدد هذه الأسعار، وليس بالضرورة أن يقترن سعر العمل الفني بقيمته وأهميته.” وأضاف “أما في فضاءينا العربي والعراقي، فهناك أسباب تختلف عما ذكرناه، تقسم الى ثلاثة اتجاهات، أولها: أن بعض الفنانين الذين يعتاشون على العمل الفني يحتاجون الى تسويق أعمالهم من أجل استمرار حياتهم والإيفاء بمستلزماتهم الشخصية مهما كانت قيمة العمل الفني، ولعل بعض الأسماء المكرسة في التشكيل العراقي تحدد أسعار أعمالها ضمن هذا التوصيف. أما الصنف الثاني المكتفي مادياً فإنه يفرض أسعاره الخاصة بما يتسق مع الجهد والقيمة الإبداعية، وقد يكون السعر مرتفعاً بعض الشيء، وهو يريد أن يحتفظ عمله بأهميته وبريقه ويخلق قيمة للعمل الفني وأهميته. أما الصنف الثالث فتفرضه الظروف الموضوعية، أي الاقتران بأسعار السوق العالمية والمزادات المعروفة، وهي أسعار عالية توازي الأسعار العالمية أو تقل عنها بعض الشيء، وغالباً ما تقع أعمال الرواد ضمن هذا التبويب.”
قيمة تأريخية
كما تحدث الفنان المغترب (عبد الأمير الخطيب) عن تجربته في هذا المجال وقال: “لو شخصنا العملية لوجدنا أن السوق خاضعة بالدرجة الأولى لاسم الفنان وكمية ما كتب عنه وما تأسس للعمل، فهذه الأمور تعطي قيمة مادية للعمل الفني أكثر من القيمة الفكرية والجمالية، فاسم الفنان والكتابات يعطيان او يضفيان قيمة تاريخيه للعمل، كذلك شهرة الفنان وكمية الكتب التي ذكرت هذا العمل او ذاك، فهذه القيمة التاريخية هي التي تغري المستثمر في العمل الفني، او الذي ينوي استثماره.”
وأضاف أن “الأوربيين مثلاً، لا حصراً، يعتبرون أن الفن هو promotion، أي دعم، وهذا يعني أنهم يدعمون الفنان الذي ليس له اسم، أو ليست له أعمال مؤثرة، فتبقى قيمة العمل الفني منخفضة لا تتجاوز بضعة آلاف من الدولارات، أو شيء آخر هو أن هذا العمل الفني يتناسب مع ديكورات الغرفة أو البيت. هذه الاعتبارات هي التي تلعب الدور الرئيس في عملية السوق والتسويق أيضاً، ناهيك عن الاعتبارات السياسية و(الترندية) التي ظهرت بعد (أندي) و(أرعوا) و (كيث هيرنج)، وغيرهم ممن لحقوا بركب الظواهر التي روجت لها بعض المؤسسات لأغراض لا يعلمها إلا الله، مثل ظاهرة الفنانين المثليين وتسويق أعمالهم بمئات آلاف الدولارات، أو ربما الملايين.”