نادية أوسي: حنيني للماضي يجعلني أرسم بغداد بتفاصيلها القديمة!

860

سنان السبع /

من بغداد الى لندن حتى ولاية آيوا الأمريكية، حملت معها ذكرياتها عن الحياة البغدادية وتفاصيلها لتجسدها في لوحات أثارت أسئلة المتلقين الأجانب عن حياة بغداد وطرزها المعمارية وموروثاتها الاجتماعية خلال فترة الثلاثينات وحتى السبعينات، التي وثقتها الفنانة التشكيلية نادية أوسي التي غادرتها قبل عشرين عاماً لكن مواضيعها التي رسمتها في الغربة ظلت تنبض بالحنين لبغداد.

نادية أوسي التقتها “الشبكة” وأجرت معها حواراً عن تجربتها الفنية ومعرضها الفني الأخير في دبي بالإمارات العربية:

الواسطي

•عن البدايات الفعلية في الفن التشكيلي تقول نادية:

-كانت البدايات في بغداد وبالتحديد في مطلع الثمانينات، وأنا فخورة كوني أنتمي لبلد جذوره تمتد عميقاً عبر التاريخ، والحضور المتميز للفن فيه يعد من أهم المنجزات للفنان العراقي المبدع على مدى قرن.

•وهي درست فن التصميم في بغداد وبريطانيا، فإلى أي مدى ساعدتها الدراسة في نجاح أعمالها؟

-تقول: درست التصميم الكرافيكي في أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد وتلتها دراستي بنفس الاختصاص في لندن، بلا شك كان للدراسة الأثر الكبير في بلورة أفكاري وبناء شخصيتي الفنية وإغناء تجربتي في اللون والتكوين، منحتني لندن الوقت والرغبة بتطوير مهاراتي إضافة الى أن زيارة المعارض والكاليريات والمتاحف والمكتبات كان لها الأثر الإيجابي ببلورة النضج الفني لديّ.

•ترسمين لوحاتك بالأسلوب التعبيري الحديث، هل تعتقدين بأنه أفضل أسلوب يمكنك من خلاله شرح أفكارك؟

-أجابت نادية بالقول: أعد الأسلوب البغدادي ينطوي تحت مظلة المدرسة التعبيرية وهو مكمل لمن سبقنا من الفنانين العراقيين، أسلوبي الذي يتناول الموروث العراقي الجميل وتفاصيل المجتمع العراقي في فترة زمنية معينة أشعر أنه الأقرب لي روحاً لما تحمله أعمالي من تعبير عفوي صادق خاصة في الموضوع والتركيز على جمال اللون والخطوط، وبالنهاية أعده التعويض بشكل ما عن الأسلوب الأكاديمي الدراسي.

•وسألناها عن أبرز الرسامين الذين تأثرت بهم من الرواد فأكدت أن مؤسس المدرسة التعبيرية هو يحيي الواسطي الذي ولد في العراق في القرن الثالث عشر الميلادي، وكانت رسومه تسمى بالمنمنمات ومن أبرز الرسامين التعبيريين الذين تأثرت بهم هو الفنان جواد سليم الذي قدم الموروث العراقي بشكل مبسط وجميل وعميق وترك بصمة كبيرة في الساحة التشكيلية العراقية، وهو الذي بدأ بوضع الأسس للأسلوب البغدادي وأيضا تأثرت بالفنان الفرنسي هنري ماتيس والفنان النمساوي كوستاف كليمت.
حنين

•تستوحي نادية أفكار لوحاتها من التراث العراقي والتفاصيل البغدادية، فهل هو حنين الى الماضي أم محاولة لاستعادة هذا التراث الجميل؟

-تقول: جزء من تركيزي على الماضي هو حنين والجزء الآخر هو توثيق الموروث والحياة المجتمعية العراقية، لزمن جميل عاصرت بعضاً منه والبعض الآخر كان نقلاً عن حكايات من عاشوا الفترة الممتدة من الثلاثينات وحتى السبعينات من القرن الماضي، كل هذا ترك لدي انطباعاً جميلاً لزمن كانت فيه العلاقات الاجتماعية حميمية أكثر والمعاني الإنسانية جميلة، وكذلك الطراز المعماري العراقي والبيوت البغدادية القديمة كان لها طابعها الخاص والمميز.

•هل تستخدمين تقنيات حديثة في لوحاتك؟ وبرأيك هل أثر التطور إيجاباً أم سلباً على الأعمال الفنية؟

-أرسم بأصباغ الأكريلك على الكانفاس بعفوية دون أية تقنيات خاصة أو أية مواد أخرى لأني أعتمد المواد المتاحة في الرسم، المهم هو تنفيذ العمل وإيصال الموضوع للمتلقي.

•هل جربتِ رسم أشياء تحاكي حياة اليوم وتفاصيلها؟ وبرأيك ما أهمية أرشفة الأحداث من خلال الفن؟

-رسمت الكثير من المواضيع المعاصرة التي تستلهمني، ومنها الأبنية في إيطاليا وبعض الدول الأوروبية وحقول الذرة في ولاية آيوا، إضافة الى ممارسة رسم البورتريهات لكثير من الشخصيات، أنا أرى ان أرشفة الأحداث هي جزء مهم بالنسبة لي لأني غادرت العراق قبل 26 سنة لهذا أعود بالذاكرة الى بدايات الطفولة ونبض الحياة الاجتماعية والعلاقات الحميمية بين الجيران والأصدقاء والأقارب وجمال الطراز المعماري البغدادي، الحنين لتلك الفترة جعل لدي الرغبة في توثيق تلك الفترة الزمنية الجميلة.
ملامح وطن

•خلال معارضك المختلفة في بريطانيا وأمريكا ماذا كان رأي المتلقي الأجنبي بلوحاتك التي تحمل تفاصيل عراقية؟

-هناك اختلاف كبير بين ثقافة بلدي وثقافة الغرب، لهذا تثير أعمالي تساؤلات كثيرة لدى المتلقي الأجنبي لأن الموروث العراقي غريب ومدهش -بنفس الوقت- بالنسبة له وهذا يخلق حواراً جميلاً وإيجابياً في اختلاف الثقافات والتعريف بجذوري وخلفيتي الحضارية وأعدها نقطة مهمة للاطلاع وفهم الموروث العراقي عبر العمل الفني.

•معرضك الأخير “ملامح وطن” في دبي هو الأول لكِ في دولة عربية، كيف كانت أصداء هذا المعرض عند المتلقين؟

-أصداء المعرض كانت واسعة وردود الفعل إيجابية أكثر من توقعاتي، وحضر المعرض الكثير من متذوقي الفن ومن الفنانين، وهناك أعمال شدّت انتباه الجمهور وخلقت تفاعلاً وحواراً فكرياً جميلاً بيننا، وهذا أعطاني دعماً ورؤيا واضحة للاستمرار في عملي وتقديم الأفضل، أعد هذا المعرض محطة بارزة في مسيرتي التشكيلية، خاصة أنه الأول لي في دولة عربية.