نزار السامرائي.. لاعب الكرة الذي خطفه الفن

686

محسن إبراهيم /

في مدينة الحلة وفي العام 1945 كانت الولادة, ومنذ صباه كان شغوفاً بمشاهدة الأفلام السينمائية وممارسة كرة القدم, أبهرته أضواء السينما ومشاهير الكرة حتى بات حلمه أن يكون ممثلاً مشهوراً ولاعباً يشار إليه بالبنان، وما بين السينما والكرة امتلأت جعبة السامرائي بالكثير, مارس الكرة في صفوف نادي بابل الرياضي، ولاحترافه اللعبة في المنتخبات المدرسية والشبابية ورغم أن شغف الفن كان أقوى, إلا أنه ظل وفيا لمعشوقته الكرة حتى أصبح أشهر مشجع داخل الوسط الفني.
فنان ذو خزين ثقافي كبير مهّد له الطريق ليمتلك حرفية الدراما ويحلق في سماء التألق والإبداع، يحلل أبعاد الشخصية التي تسند إليه ليقدمها بشكل مميز وتترك أثرها لدى الجمهور, الاسترخاء والعفوية هما أبرز سماته في تأدية الأدوار, مبتكر لا يحب التقليد, يمتلك في خياله خزيناً صورياً لشخصيات شتى، ساعده في أداء مختلف الأدوار. كل تلك الصفات جعلته قبلة المخرجين للاستعانة به في الأعمال السينمائية والتلفزيونية, فهو المحترف في خلق العلاقة بين شخصيته والشخصيات الأخرى ليضفي على العمل بعدا آخر مليئاً بالتشويق. ربما لم ينل السامرائي شهرة إعلامية توازي ما قدمه من أعمال، لكنه كان يسعى إلى تقديم الأفضل غير آبه بالشهرة أو السعي إليها.
مشوار حافل
على مدى أكثر من خمسين عاما كانت مسيرة الراحل نزار السامرائي حافلة بالإبداع. في عام 1962 وفي محافظة بابل بدأ مشواره الفني مع أعمال مسرحية من إخراج الفنان قاسم صبحي والفنان مسعود الجابري، وبعد ذلك جاء إلى بغداد ودرس في معهد الفنون الجميلة وتدرج في مجال المسرح والإذاعة والتلفزيون والسينما، وشارك في أعمال عدة. الانعطافة الفنية في مسيرة السامرائي كانت من مسرحيات بيت أبو كمال للمخرج بدري حسون فريد ونشيد الأرض للفنان محسن العزاوي ومجالس التراث ورسالة الطير للمرحوم قاسم محمد، أما في مجال التلفزيون فكانت مسلسلات “أعماق الرغبة” ومسلسل “فتاة في العشرين” ومسلسل “أيلتقي الجبلان” جواز مروره الى عالم الشهرة، ومن أبرز الأعمال التلفزيونية التي شارك فيها أيضاً: عطارد، والبديل، وعندما تُسرق الأحلام، ووجهة نظر، ودائما نحب، وفاتنة بغداد، وأيوب، وعائد من الرماد، والشيخ عبد القادر. قدم الراحل للدراما التلفزيونية 62 عملاً بين مسلسل وتمثيلية وسهرة تلفزيونية.
مشاركات عالمية
وكانت له مشاركات فاعلة في كثير من الأفلام حتى بلغت 24 فيلما، منها: بيوت في ذلك الزقاق، والملك غازي، والقادسية، ويوم آخر، والباحثون، والحدود الملتهبة، وصخب البحر، فضلاً عن بغداد خارج بغداد، وهو آخر فيلم شارك فيه وقام بدور سائق الشاعر بدر شاكر السياب.
كما شارك في الفيلم الفرنسي زمان رجل القصب، والفيلم الأميركي الزمن المر، والفيلم الإيراني لحظة التحقيق. أما تجربته في السينما المصرية فكانت في فيلم (عيون لا تنام) مع فريد شوقي وأحمد زكي ومديحة كامل. أخرج عدداً من الأعمال المسرحية منها مسرحية “القاعدة والاستثناء” في المعهد الثقافي الألماني التي نالت استحسان الجمهور، حتى أن زوجة الكاتب والمسرحي برتولد بريخت هيلينا فايغل بعثت له رسالة تهنئة لإخراجه هذا العمل. وآخر أعماله كان في سوريا مسرحية (فنانين آخر وكت) وعرض في إمارة عجمان شارك فيه كل من ميس كمر وسعد خليفة وناهي ومناف طالب ومحمد عطا سعيد.
التزام فني
الفن لدى السامرائي هو رسالة قبل أن يكون هواية او مهنة, وعلى مدار مشواره الفني لم يشوه اسمه الفني في عمل غير جاد، وكان وأقرانه من الفنانين يحترمون المخرج والعاملين في الإنتاج والفن بشكل عام، ويؤمنون بأنه يجب أن يكون هناك هدف من العمل الفني، وليس فناً بلا هدف ولا قضية ولا روح، وحتى الأعمال الكوميدية يجب أن تكون هادفة وشفافة.
وبعد مشواره الفني الذي بلغ خمسين عاما ظل حتى آخر لحظات حياته يعدّ نفسه تلميذاً في عالم الفن, وكان يمني النفس أن تكون هناك دائرة خاصة لتسويق الأعمال العراقية كي لا يبقى الفنان العراقي حبيس المحلية مهملاً من المسؤولين والمعنيين بالشأن الفني، وكان يتمنى أن تكون هناك صناعة للنجم عراقي، ويرى السبب وراء ذلك هو أن الأعمال العراقية غير منتشرة في الوطن العربي رغم أن الفنان العراقي ينافس مثيله العربي إن لم يكن يفوقه.
السامرائي الذي عاش مغتربا عن العراق طيلة 14عاما قرر أن يعود إلى العراق بعد أن فاض به الشوق مصرحاً لقد قتلتني الغربة…رحل السامرائي في العاصمة بغداد عن عمر ناهز 75 عاماً، تاركاً خلفه إرثاً سينمائياً وتلفزيونياً ومسرحياً وسيرة فنية حافلة بالإبداع.