نشأ في المحلات الشعبية المربع البغدادي.. تراث توارى خلف إيقاع الحياة المتجدد+
نويرة البندر
المربع البغدادي فن من الفنون الموسيقية العراقية، انفرد واشتهر وتميز به العراق دون غيره من سائر بلدان العالم. وهو لون من ألوان الغناء الشعبي البغدادي التراثي القديم، يغنى أو يؤدى باللهجة الدارجة (العامية).
تعود تسمية المربع البغدادي بهذا الاسم إلى صيغة كتابته، إذ إنه يتكون من أربعة أشطر، ثلاثة منها من نفس القافية، أما الشطر الرابع فهو من قافية مختلفة. نشأ في بعض المحلات الشعبية القديمة، كالجعيفر وأبو سيفين والفضل وباب الشيخ وقسم من الأعظمية، إذ كان يقدم في حفلات الزواج والختان والحناء وفي شهر رمضان.
ينظم الشعراء المربع البغدادي على أوزان عدة من الشعر الشعبي، المعروفة والمتداولة لديهم، ومنها: (التجليبة، والچلمة ونص، ومجزوء الموال، والميمر، والموشح، ومجزوء التجليبة)، وغيرها من الأوزان الأخرى. معظم هذه المربعات تكون على إيقاع (الجورجينا)، الذي يغنى بأنغام محدودة، مثل البيات والعجم. ومع جمالية هذا اللون، إلا أنه بدأ بالانحسار في السنوات الأخيرة. للوقوف على أسباب هذا الانحسار التقت مجلة «الشبكة العراقية» عدداً من المختصين للتعرف أكثر على هذا الفن البغدادي العريق.
المزاج الشعبي
أول المتحدثين كان الباحث الموسيقي والتدريسي سامي هيال، الذي يرى أن «وراء احتضار وأفول فن المربعات هو رحيل الجيل الذي نجح في ربط هذا الفن بالمزاج الشعبي البغدادي، أمثال فاضل رشيد وعلي الدبو ومحمد العاشق وغيرهم، دون أن ينجحوا في خلق من يخلفهم في هذا الفن البغدادي الراقي، كما أن شحة دعم المؤسسات الثقافية والمعاهد الموسيقية لهذا اللون الفني العريق أدت إلى تراجعه. ولا يمكن أن ننسى كثرة الفضائيات وظهور وسائل التواصل الاجتماعي التي تبث الأغاني الحديثة والهابطة وعزوف الجيل الجديد عن الاستماع إلى هذا النوع من الغناء، واهتمام الناس في مناسباتهم الاجتماعية بهذه الأغاني.»
ودعا هيال إلى “الاهتمام بهذا الفن التراثي الشعبي الأصيل من خلال توجيه المعاهد والكليات الفنية لإحيائه، وجعله مادة من بين المواد التدريسية في فنون التراث الشعبي، كما أن على وزارة الثقافة أن تجعل هذا اللون ضمن فرق دائرة الفنون الموسيقية وتعيين الأفراد الموهوبين في هذا المجال.”
فن لن يتلاشى
أما الموسيقي ستار ناجي، فرفض القول إن فن المربعات بدأ يتلاشى، مؤكداً أن «في العراق الكثير من الألوان الغنائية التي هي ركيزة تراثنا الموسيقي، كالمقام العراقي، والغناء الريفي، والمربعات، والمنلوج، والموشح، وغناء البادية. كلها تعد من التراث الغنائي الشفاهي الذي توارثناه عن آبائنا وأجدادنا والسلف السابق، وجميع هذه الألوان باتت في انحسار واضح، لكنها لن تتلاشى مطلقاً، مهما تقادم الوقت، لأن في كل وقت وزمان يوجد أشخاص مهتمون بتراث بلدهم وهم منغمسون حباً فيه.»
مشيراً إلى أن «جميع ما ذكرته من ألوان غنائية مازالت موجودة إلى الآن، ومنها المربعات، التي مازالت موجودة في مناسباتنا وأفراحنا، ولاسيما في مناطق بغداد القديمة، مثل الفضل والكفاح وقنبر علي وأبو سيفين، ولها مطربون كبار وآخرون شباب، وهناك تجدد، ولا ننسى أن لون المربعات مفرح ويحوي الحكم والأمثال.»
خاتماً أن «جميع هذه الألوان لها روادها، صغاراً كانوا أم كباراً، لذلك من المستحيل أن تندثر، لكنها تنحسر مع إيقاع حياتنا المتغير».
ويتميز مؤدي المقام بامتلاكه صوتاً جهورياً ذا مسحة من الجمال، بحيث يمكن سماعه من مسافة بعيدة، يؤدى هذا اللون من الغناء الشعبي من قبل شخص واحد يقف في وسط حلقة، يرتدي وأفراد الفرقة الملابس البغدادية الخاصة بالمربع (كالصاية والجاكيت والعرقجين والجراوية)، وكثيراً ما نرى المغني أو المؤدي يستخدم حركات يديه أو بعض أجزاء جسمه المنسجمة مع المربع عند الأداء.
جمهور واسع
يقول مطرب المربعات علي شاكر: «للمربع البغدادي جمهوره الواسع من محبي الطرب العراقي الأصيل، الذي غالباً ما يقدم في المناطق البغدادية الشعبية، فغالبية المناسبات في تلك المناطق تحييها فرقة المربعات، ولاسيما حفلات الختان والحنة وعقد القران، كما أن لها جمهوراً واسعاً أيضاً في بعض المحافظات، خاصة الفرات الأوسط، ولا يمكن أن ننسى الجاليات العراقية، سواء في الدول العربية أم الأجنبية، فكثيراً ما توجه لنا دعوات هناك لإقامة حفلات يحضرها جمهور كبير يتفاعل مع ما نقدمه بشكل واسع، لذلك لا يمكن أن نقول إن هذا الفن قد انحسر، بل قلّ انتشاره بفعل تجدد الحياة.»
ومن أشهر وأبرز مطربي المربعات البغدادية محمد الحداد ومحمود شكري وشهاب ابن الحجية وإبراهيم كرادي ورشيد القندرچي وفاضل رشيد وفالح النعيمي وصالح العزاوي وقاسم الجنابي ومحمد العاشق وعلي الدبو وحسين القيسي وكريم القيسي وعلي شاكر وفؤاد البغدادي وإبراهيم أبو عگرب وغيرهم.