هنا مال الله الفن طريق للحياة واكتشـاف ما يحيط بنا

285

حوار / خضير الزيدي/

تشهد قاعة (آرت زوتك) في عمان افتتاح المعرض الشخصي للفنانة هناء مال الله في الخامس من تشرين الثاني المقبل، يضم أعمالاً متنوعة ومختلفة الخامات والطرق الفنية التي اتبعتها في إقامة هذا المعرض.
من أعمال المعرض، (جز العشب) / مصغر معدني لتنصيب خارجي/ وعمل واحد زيت وأكريلك من سلسلة قائمة على 16 قطعة، بالإضافة إلى عمل متكون من رمل وزجاج أحمر، أنجز بالضفة الغربية في فلسطين، وهو يلمح إلى سرقة رمال غزة عام 2005، لكون الرمال هناك غنية بنوع معين من الزجاج. في هذا الحوار هناك هواجس إنسانية وهموم ترافق إجاباتها وقلق مما يحيطنا جراء ماكنة القتل، لهذا جاء هذا المعرض صرخة عالية بوجه الصهاينة القتلة. ولتسليط الضوء على تجربتها الجديدة كان لنا معها هذا الحوار:
* ما الحقيقة التي ترسخها تجربتك الفنية الأخيرة تجاه غزة؟ هل فكرت ما الذي يفعله الفن أمام الطائرة والدبابة وكل هذه الدماء؟
– أنا أؤمن تماماً بفن هو أداة للإيقاظ، وليس للاستمتاع البصري البحت أو الذهني. وهذا ليس مفهوماً جديد الطرح، بل إنه متداول منذ مدة ليست بالقصيرة في نطاق تاريخ الفن. وفي كل فترة تتأجج فيها الصراعات التي يختلقها الإنسان، التي تضع هزيمته الإنسانية تحت المجهر، تظهر أعمال بصرية قائمة على كونها رسائل معارضة، أو لتسجيل موقف مضاد من الذي يجري، أو حتى لتسجيل مدى الإحباط من جدوى الثقافة التي اخترعها الإنسان، بما فيها الفن البصري (التشكيلي)، وفي بعض الأحيان فقط لأرشفة ما يجري بصرياً، وغالباً ما يقف مثل هذا الفن إلى جانب الضحايا، لكي يمنحهم صوتاً أو لإيقاظ الآخرين على ما يجري. الآن، بعد كل التجريب الذي قمت به، سواء على صعيد الخامات الفنية، أو التقنيات والاختبارات على مدى فعاليتها لطرح المفهوم، أؤمن باعتقاد مطروح الآن في نظريات الفن يقول: إن كل التقنيات والقيم الحرفية في إنتاج الفن، ماهي إلا (فتش) أصنام مصنوعة من قبل الإنسان، وهي ليست محصنة من كونها كاذبة. لا يمكن وضع فعالية الفن مع فاعلية تدمير للآلة الحربية، لكن ممكن استخدام طاقته الفعالة في إيقاظ الوعي وتفعيله ليتجاوز ذلك إلى ردة الفعل، بمعنى ردة فعل عملية.
* في صدد إجابتك أعلاه ذكرتِ التجريب، أود أن أسأل عن أهمية كل هذا التجريب في العملية الفنية، وكل هذه الوسائل المختلفة المتنوعة في معرضك الأخير؟
– لا أعرف، لكن التجريب هو محصلة، ولم يكن مقصوداً، أنا فقط أقصد أية مادة خام تساعدني على التعبير، ولا أتقيد بحدود الأسلوب، وقد يكون ذلك عقبة أمامي في الرواج أو تسويق العمل، والوسائط هي مجرد وسائط، ولكن في بعض الأحيان المادة الخام تضيف وتقترح .
* ممكن أن أفهم من قولك أن الفن لديك هو اكتشاف دائم، وإلا كيف تسيطرين على كل هذه الأدوات ليبقى الحفاظ على الهوية الإبداعية سمة تلاحقك؟
– الفن عندي طريق للحياة واكتشاف ما يحيط بنا، ودائماً أقول لو لم يكن اختصاصي الفن لكنت، وبدون أي تردد، منقّبة لآثار وادي الرافدين تحديداً، ولعل هذه التركيبة لدي هي التي تقود الخطوات لاستكشاف ما تمنحه أدوات الفن المتنوعة، ولا يهمني أن تكون لدي هوية إبداعية بقدر ما يهمني أن تكون هناك واسطة ما لأبلغ ما أرغب، سواء بوسائط بصرية أو نصية .
* لكن اليوم الجميع منذهل ومحبط، فما الذي يتوجب أن يفعله الفن أمام كل هذه المشاعر المليئة بالإحباط؟
– نعم، الجميع منذهل، حيث أن الستار الذي خدعنا به على مدى عقود تبين بوضوح أنه كاذب. أتصور أن الفن له دور كبير ليعطي صوتاً للذين ليس بيدهم زمام الأمور، ويمنحهم شيئاً من القوة، وإلا فإن هناك سبيلاً واحداً لهذا الشعور من الإحباط والضعف، وهو الانتحار. في الأزمات العميقة للإنسانية يقف الفن الصادق ليقول كلمة الحق، وليؤرشف للضحايا وما حدث.
* دعيني أتساءل: هل يمكن القول إن هذا المعرض هو امتداد لمعرضك السابق الذي قدمت فيه تقنية الخراب وما يعمل عليه هذا المفهوم من مدلول؟
-المحور الأساس الذي عملت عليه على مدى عقود من تمريني البصري والذهني، هو قيمة الخراب ومستقبل العالم المادي، وأعتقد أن هذا هو أيضاً الأساس الذي يقود بحثي في قيمة الخرائب الأثرية لوادي الرافدين. كما أعتقد أن كل الأعمال المنجزة، وفي أية تجربة، وإن تعددت المواد الخام، فإن الربط بينها هو الخراب والتدمير، سواء أكان المنجز بالأدوات البشرية، أو بالعوامل الزمنية والكوارث الطبيعية.
* من يتابعك يجد أن لديك اشتغالات متنوعة، وقد اتضح ذلك في المعرض (يوجد فيديو وأعمال تنصيب بالزجاج من غزة، ولوحات معلقة)، في تصورك هل أن هذا التنوع من الاشتغال مطلوب لتوضيح الفكرة أم أنه تغير مطلوب؟
– في هذا المعرض بالتحديد، اللجوء إلى وسائط عدة للتعبير البصري سببه الاضطرار للتعبير بوضوح عن الرسالة البصرية. والحدث هو الذي اقترح الأدوات للتعبير، مثالاً لا حصراً: الفيديو هو في الحقيقة جمع من السوشيل مديا وبالتحديد من الإنستكرام، حيث يبث الغزاويون معاناتهم اليومية مباشرة إلى العالم، وما هذا العمل إلا استجابة لهم. حتى الصوت لم أعدل عليه، واستعملته كما هو مبث من منطقتهم داخل فلسطين.
* أتذكر أنك كتبت لي ذات يوم (النجاح بحد ذاته لم يعد يعني لي الكثير)، فما الغاية من إقامة مثل هذه المعارض التي يكون الاشتغال فيها متنوعاً، والفكرة صريحة وواضحة، هي مناهضة الاحتلال الصهيوني؟
– لا أعرف ما معني النجاح، وكيف يفسر؟ هل هو الرواج؟ أم التسويق؟ أم نجاح شخص ما (الفنان) بامتلاك الطاقة لتفعيل أمر ما لإيصال صوته، وبلوغ هذا الصوت المتلقي المعني بهذا.
* أود معرفة رأيك في القول إن هذا الفن ممكن أن ينتصر ويغير في وجهة الإنسان؟
– فعلاً لا أعرف ما قيمة الفن عندما تكون الأوضاع مشتبكة وشائكة وبالغة التعقيد كالتي نعيش، فقد بات كل شيء غريباً علينا، والهول الذي نعيشه لا يمكن تصديقه.