واقعة الطف لغة تشكيلية غنية بالرموز والدلالات

1٬813

#خليك_بالبيت

محسن ابراهيم /

“الشهادة ربيع الحياة” رؤيةٌ كانت النبراس لتناول واقعة الطف في شتى الفنون، وربما كان الفن التشكيلي ابرزها، فدلالة اللون غالباً ما تأتي محملة بما وراء اللون، تحلق في عوالم خاصة تكشف عنها نفسية الرسام، ليصور لنا الحياة والموت في دلالات نفسية تكشف لنا تلك الجدلية بشكل مختلف.
الفن الحسيني او ما يسمى بالفن العاشورائي يروي لنا الواقعة من خلال الريشة واللون موازياً الكلمة في ايصال رسالتها، السيف والراية تحولا الى رموز بارزة في مسيرة التشكيل العراقي والعالمي، وكانت ملحمة عاشوراء نبعاً نهل منه كثيرمن الفنانين العراقيين والعرب، منهم شاكر حسن آل سعيد و فيصل لعيبي ورافع الناصري، وربما كان الفنان كاظم حيدر من رواد الفن العاشورائي، إذ أقام معرضاً خاصاً بواقعة الطف تحت عنوان ملحمة الشهيد.
كما أنجز الراحل شاكر حسن آل سعيد لوحة معبرة تمثل فرس الأمام الحسين عليه السلام مصاباً بعدد كبير من السهام. رويت واقعة الطف بلغة تشكيلية سردية، وكأن الفنان يقوم بدور الراوي لاتمام التجسيد البانورامي للمشهد، وللاحاطة به من الجوانب كافة، فأصبح الرسم العاشورائي يحكي قصة الثورة العاشورائية بلغة تشكيلية غنية بالرموز والدلالات والاشارات التي تدخل الوجدان وتحرك العواطف من خلال اللوحات والجداريات.

ملحمة الشهادة
في عام 1965 أقام كاظم حيدر معرضه (الشهيد) وكان ذلك العام منعطفاً مهماً في مسيرة الفن التشكيلي. في ذلك المعرض جسد حيدر واقعة الطف، وصور في لوحاته الواقعة بكل تفاصيلها؛ المعركة والخيول والرايات والأجساد والرؤوس. ابتعد حيدر عن التقليدية وجعل الرمز هو محور اللوحة، وكانت فكرة التصميم هي الابرز، مستمداً افكاره من الفنون العراقية السومرية. تمرد كاظم حيدر في ملحمة الشهيد على المضمون والتقنيات، فكان المعرض صرخة احتجاج، إذ لم يكن الإمام الحسين وحده هو الشهيد، بل تجاوزت فكرة الشهادة لدى حيدر مضمونها الديني لتنفتح على عالم كان البشر فيه يُغيَّبون بسبب أفكارهم المختلفة.
لوحة أخرى من إبداع الفنان العربي ياسر آل رضوان وتحمل اسم الطريق الى كربلاء وهي لوحة رقمية حصلت على الجائزة الاولى في المسابقة الفنية لموقع ديفان، وهي ليست كباقي اللوحات التي تعبر عن كربلاء، بل أراد آل رضوان أن يوصل حادثة كربلاء إلى معتنقي بقية الأديان بالشكل الذي يستطيعون فهمها من خلاله. الشخصية في لوحة رضوان قد لا تعبر عن الشهداء في كربلاء فقط بل هي امتداد لكل شهيد كان هدفه الحفاظ على الدين والوطن، (الراية الحمراء) التي تظهر في اللوحة تشير الى استمرارية رسالة الامام الحسين (عليه السلام) وخلودها.
وحين يتمعن المشاهد في اللوحة يرى كأن أرض كربلاء رسمت خطاً بين السماء والأرض لكل المجاهدين الشرفاء وأن هذا النهج هو نهج السعادة الحقيقية، والألوان جاءت داكنة في التصميم تعبيراً عن الحزن، والشعلة والنور في الدرب هما الأمل والحق الذي سيظهر يوماً ما ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت جوراً وظلماً.
“هوت السماء على الارض” ملحمة أخرى جسدتها فرشاة الرسام الايراني حسن روح الأمين الذي طالما ابدع في تصوير احداث الطف وثورة الحسين في منجزاته الفنية، وقد أنشأ هذا العمل بأبعاد ثلاثة أمتار في أربعة أمتار، وباستخدام تقنية الرسم الزيتي على القماش، ودام العمل فيها مدة سبعة أشهر، معتمداً في طرح فكرة العمل للمتلقي على مخيلته الواسعة، وقد صوّر أشخاصاً وشخصيات عدة، يمثل كل منهم طبقة من المجتمع. اللوحة تجسد اللحظات الاخيرة للامام الحسين وهو مثخن بسهام ورماح الحقد. عملُ حسن روح الامين مشغول بأكمله بكتل لونية قوامها أشكال بشرية وأخرى حيوانية، على وفق مشهد معبر من واقعة الطف، وزع الفنان اشكال اللوحة وعناصرها بعملية تشكيلية رائعة حيث يمكن للرائي أن يطابق النص السردي مع اللوحة بأداء درامي خاص على وفق بناء جمالي، معتمداً المنهج الواقعي والتعبيري في آلية الربط الزماني والمكاني.