يفتخر بهويته أينما حل التشكيلي العراقي سفيراً ثقافياً

1٬162

زياد جسام /

لكل رقعة على الأرض تاريخها وتراثها اللذان يحددان وجودها وهويتها.
ولا شك في أن الفن التشكيلي هو أحد أهم ما يميز هذه الرقع بألوانها وأشكالها وأحجامها، باعتباره مرايا الأزمنة، لعلاقته بالكتابة والرسم والنحت والخزف والعمارة. فالفن التشكيلي هو نتاج حضاري وتعبير ثقافي يقدم كل ما في الحياة الإنسانية في شتّى ميادينها، باحثاً في نفوس الآخرين عن شعور جمعي مشترك، كسجل توثيقي لآثار الأمم.
وعلى الرغم من إلمام كثير من الفنانين التشكيليين العراقيين في دول العالم، إما عن طريق الهجرة، أو الدراسة، أو المشاركات في ملتقيات إبداعية وغيرها، إلا أننا نجدهم متمسكين بهويتهم الوطنية وتراثهم وحضارتهم، وهذا ينطبق على أغلب الفنانين العراقيين بكل انتماءاتهم وقومياتهم ودياناتهم.
أصحاب حضارة
يرى المتتبع والمتخصص بالفن التشكيلي أن المبدعين العراقيين متميزون على أقرانهم من الفنانين في الشرق الأوسط، ويعود ذلك بالدرجة الأولى إلى الحضارة العريقة التي يمتلكونها. ولوتحدثنا عن تفصيلات التشكيل العراقي فسنجد في كل محافظة من محافظات العراق مبدعين متميزين لهم روحية مختلفة عن نظرائهم في محافظة أخرى، حيث تأثيرات البيئة والقضايا الاجتماعية الأخرى. وهنا تتضح أهمية الفن بصورة عامة بعيداً عن القوميات أو الديانات والطوائف، وإذا ما أدركنا الوظائف الأساسية التي يؤديها، فالفنان إنسان ذو طبيعة خاصة يرى في الأشياء المحيطة به ما لا يراه الآخرون. وعلى ذلك فإن الفنان حقق التعبير عما بداخله من أحاسيس وانفعالات مع غيره من الناس. وهناك علاقة تبادلية بين الفنون، من حيث هي قيمة ثقافية تطرح إلى العامة، وبين عموم المجتمع، كتجسيد حى متفاعل مع القيم العليا للإنسان، فيجب على هذه القيم أن ترتقى إلى أعلى، ليس فقط على المستوى الثقافي النخبوي فحسب، بل على المستويات الأخرى ابتداءً من الدفاع عن قيمة الإنسان البسيط وانتهاءً بالدفاع عن الوطن وكرامته ووحدته، فهذه القيم هي التى تمثل نجاح المجتمعات المتحضرة وتطورها.
رموز محلية
لو أمعنّا النظر بدقة في أعمال الفنانين التشكيليين العراقيين الذين غادروا البلد لأسباب مختلفة لوجدنا أن هوية أعمالهم الحقيقية هي العراقية، سواء أرَسَخَ ذلك في الشكل، أم في المضمون، أم في كليهما. ففي كثير من الأحيان نجد الفنان العراقي هناك يعمل على الرموز المحلية كالسومرية والبابلية والتراث الحديث وغيرها، حتى وإن كانت لوحاته تجريدية بحتة! أما الجانب الآخر والمهم في نشاطات الفنانين التشكيليين العراقيين في الخارج، فهو تقديمهم على أنهم “عراقيون” بشكل مجرد عن أية صفة أخرى كالدين أو الطائفة أو المذهب..
قدم كثيرٌ من التشكيليين العراقيين نشاطات فنية مختلفة خارج العراق، رصدها الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل دقيق، منها معارض شخصية وغيرها، وكلها تصب في إناء واحد هو رفع اسم العراق في الأوساط العالمية، وخير مثال على ذلك عندما نجح الفنانون العراقيون الكورد، ومنهم شوان كمال، وصدر الدين أمين، وسيروان بارن، وسيروان شاكر، واسماعيل الخياط، والقائمة تطول بأسماء عدة من ديانات أو مذاهب مختلفة جمعتهم هوية وطن واحد، وقدموا إبداعاتهم بأسلوبهم التشكيلي، سواء أكان نحتاً أم رسماً أم خزفاً، وأخذت أعمالهم تنتشر في العالم، إذ لم تطلق على أي منهم هوية قومية أو مذهبية أو دينية، بل نجد أن كل النقاد والإعلاميين العرب والغربيين الذين كتبوا عن تجاربهم، وصفوا كل واحد منهم بـ”الفنان العراقي”، وهذه مجموعة من مئات الفنانين من رواد التشكيل العراقي الذين حققوا نجاحات باهرة على المستوى العالمي سواء في الفن التشكيلي أم في الفنون الأخرى، علماً بأن أغلبهم، إن لم نقل جميعهم، قد تخرجوا في كلية الفنون الجميلة أو معهد الفنون الجميلة في بغداد.
ظواهر معقدة
تحمّل الفنانون، بصورة عامة، مسؤولية ظواهر معقدة كثيرة في المجتمعات القديمة والحديثة، إذ أبدع الفنانون لغة خاصة اخترقت كل الاضطرابات في تاريخ البشرية، سواء أكان ذلك في توثيق أشياء إيجابية، أو سلبية، كالكوارث الطبيعية أو الحروب أو أية قضية أخرى تلامس الحس الإنساني والإحساس بالآخر.
لذلك، فإن دور الفنان يجب أن يرتقى ليكون دوماً عنصراً إيجابياً مؤثراً يرتقى بهذه العلاقة التبادلية إلى أعلى المستويات، ولاسيما أن عموم الفنانين في مجالات الإبداع كافة يشكلون صفوة المجتمع ويحظون بإعجاب خاص من شرائح المجتمع كافة، والمتابع للحركة التشكيلية العراقية سيجد أنها حافلة بالمنجزات منذ انطلاقها حتى اليوم، وأن هناك كثيراً من الفنانين وصلوا إلى مستويات عالمية بفضل ثقافاتهم ووعيهم ومجهوداتهم واحتكاكهم بالشأن التشكيلي المحلي قبل العربي والعالمي.