47 عــــــاماً مــــــن الغربـــــة رسمي الخفاجي في “”غابة الروح”” يعوض فقدان الألوان بالخامات والمفردات

206

بغداد / زياد جسام/
افتتح قبل أيام على قاعة (ذا غاليري) معرض شخصي بعنوان “”غابة الروح”” للفنان العراقي القادم من إيطاليا رسمي الخفاجي، ويعد هذا المعرض هو الأول له في العراق بعد 47 عاماً من الغربة.

قدم الخفاجي في هذا المعرض مجموعة من الأعمال الإبداعية التي زاوج من خلالها بين الرسم وأعمال الغرافيك والأعمال التركيبية، التي قدمها -كعادته- باللونين الأسود والأبيض، في محاولة لربط الذاكرة بزمن الستينيات والسبعينيات، كما أنها تمثل هويته البصرية التي اعتاد أن يقدمها محلقاً بإبداعه ليجتذب الروح للتأمل في هذه التجارب الثرية بالرموز والأفكار.
من خلال التمعن في أعمال الخفاجي، يمكن ملاحظة أنه يعوض فقدان الألوان بالخامات والمفردات، كذلك يبدو واضحاً في رموزه أنه يركز على الفضاءات، ففي لحظة ما تجد عينيك تركزان على أيقونة جميلة داخل هذا الفضاء الواسع، بالكاد ستكون لها قيمة عليا، لكونها أخذت الأهمية ككتلة مركزية على سطح واحد في هذه اللوحة او تلك، وفي بعض اللوحات نجد أن الفنان الخفاجي قد تأثر بالروح الأوربية من خلال الاختزال والفكرة والتقنية.
لا تخفى على المتتبع روح الفنان الإنسانية التي نتلمسها بقوة من خلال سعيه لترسيخ انفعالات الحياة والصراعات التي يمر بها الإنسان، ومنها أعمال معرض “غابة الروح”، إذ نلاحظ أموراً عدة ، كثيراً ما يلجأ إليها الخفاجي معتمداً في أعماله على فن الكرافيك قبل الرسم بالزيت والمواد الأخرى، كما أنه لا يغفل عن استخدام خامات متنوعة وتقنيات جديدة أحياناً، تمنح السطح ملمساً مختلفاً، وفي أحيان أخرى تكون بعض المفردات بارزة، أي أعلى من السطح، ولعل هذه الأمور تكون مرتبطة بالدرجة الأولى بالجماليات التصويرية، ومن جانب آخر ربما تكون تعبيراً عن الغموض في الأفكار.
إيحاءات بعض أعمال الخفاجي تؤكد أن الضوء القليل الموجود له قيمة كبيرة، برغم كل هذه العتمة، والعلاقات بين الفراغ والمفردات الأخرى الموجودة وإيقاع الخطوط الهندسية أو التلاشي للخطوط التي كثيراً ما تعتمد العفوية، جميعها تتكون لتعطي شكلاً إيحائياً للحياة وما تخفيه في دواخلنا.
أعمال تشعرنا بأن هذا الفنان يسرد لنا حكاية طويلة لا نهاية لها، يرويها في لوحاته بشكل متناسق مترابط سلس، إذ إن استخدامه للرجل في لوحاته كبير جداً وكأنه يريد ايصال فكرة ما في داخله تعلن عن وجوده، فمعظم اللوحات مرسومة بطريقة جريئة، لها طابع مميز جداً. أسلوبه في الرسم بعيد عن المحلية، فهو يؤسس لذاكرة جديدة يستلهم مفرداتها من الحاضر في أي زمان ومكان، من خلال أدواته التعبيرية او التجريدية في العمل والبحث والتجريب المتواصل المنفتح على كل التجارب الإنسانية.
لا شك في أن الفنان رسمي الخفاجي نجح في التوفيق بين الحركة والايقاع الروحاني، أي بين حركة الفرشاة وأثرها المتكامل المتقن على أرضية اللوحات. وباعتباره فناناً تجريدياً، فإنه كثيراً ما يبتعد عن الشكل، مقترباً من المضمون، يسعى إلى الجمال الخالص بالتعبير عن المطلق والاعتماد على الذات الداخلية في عملية الرسم والإنتاج الفني، وبالتعبير عن كل ما هو روحي في عمله الفني، ويبتعد عن كل ما هو مادي، وهذا هو أساس الفن الحديث.