عراقية تعيد الحياة إلى جدران مصنع مهمل

111

ريا عاصي/

قمر.. شابة عراقية نشأت وترعرعت بعيداً عن بلدها العراق، تحديداً في دولة الإمارات العربية المتحدة. أكملت دراستها الجامعية في الجامعة الأميركية بالشارقة عام 2022 ودرست فن الكرافيك والتصميم المتعدد.
في إطار سعيها لتحدي المعايير التقليدية للفن وعرضه، قامت الفنانة العراقية (قمر القرملي) بتنظيم معرض ملصقات فني في مصنع متروك ببغداد في مطلع هذا العام، هذا المعرض لم يكن مجرد عرض للأعمال الفنية، بل كان تجربة تفاعلية تهدف إلى ربط الفن بالمكان والزمان بطرق غير تقليدية.

العودة إلى الجذور
في حوارها مع مجلة “الشبكة العراقية”، تحدثت قمر القرملي عن دوافعها لاختيار المصنع المتروك كموقع لمعرض الملصقات قائلة: “لطالما حدثتني والدتي المهندسة المعمارية (ريا الزبيدي) عن مصنعها المتروك في بغداد، الذي كان في السابق ينبض بالحياة والنشاط الصناعي وينتج محاليل غسيل الصحون، كانت قد وصفت لي المصنع بأدق التفاصيل، وكنت خلال رحلاتي وسفري لمشاهدة ومتابعة العروض الفنية حول العالم أتساءل في داخلي: هل يمكنني إعادة الحياة الى مصنع امي وجعله قبله فنية عراقية؟”
تضيف القرملي: “أتاح لي عملي -كمصممة- أن أنضم الى مشوار مسابقة (أفضل مئة ملصق عربي) الذي يقام كل سنتين في بلد عربي، وكانت محطته الرابعة بغداد، وتضمن المشروع إقامة دورة تدريبية لعشرين مصمماً عراقياً مع أستاذة الكرافيك في الجامعة الأميركية بالشارقة الدكتورة (هالة العاني)، وكان في نية المنظمين إقامة معرض الملصقات في إحدى قاعات الفنون العراقية، إلا أنني أصررت على أن يكن المعرض داخل المصنع المتروك.”
تحديات
عن التحديات التي واجهتها تحدثت قمر قائلة: “المصنع كان في حالة سيئة، يتطلب تنظيفاً وتجهيزاً ليكون مناسباً لاستضافة فعاليات فنية. تمثلت التحديات الرئيسة في توفير الإضاءة المناسبة، وتحسين التهوية، وتأمين الكهرباء والمياه.”
وتؤكد قمر: “كان علينا التفكير بطرق مبتكرة لاستغلال المساحات الشاسعة والملامح الصناعية للمصنع في عرض الأعمال الفنية بطريقة تبرز جماليات المكان وتعزز التجربة الفنية. وقد ساعدتني عائلتي في ذلك كثيراً، إذ قدم لي والدي، صاحب مشروع مكتبة ألوان، دعماً كبيراً معنوياً ومادياً لإعادة تمكين المصنع وتحويله الى مساحة فنية يمكن أن تدعم الشباب العراقي وتسهم في رفد الثقافة العراقية بعروض فنية حديثة قائمة على إبداع الشباب.”
افتتح المعمل للترحيب بمعرض أفضل مئة ملصق عربي 100/100 الشهير لأول مرة في بغداد العراق في شهر كانون الثاني لعام 2024 الجاري. أفضل مئة ملصق عربي 100/100 هي منصة مستقلة للتصميم الجرافيكي تقوم رؤيتها على توثيق الثقافة البصرية العربية المعاصرة من أجل إلهام وتعليم وربط المواهب الصاعدة والأكاديميين والمحترفين بعضها ببعض، والمشاركة في إظهار وعرض منظور التصميم الجرافيكي العربي أمام العالم.
استضاف المعمل هذا الحدث الثقافي بدعم من: 421 أبوظبي، وشركة بيكورب، وشركة أسوار، وستوديو موبيوس للتصميم، ومكتبة كولورز، وشركة زهرة التوليب للإضاءة، ودار سنا للطباعة.
يذكر أن المعرض لاقى استحسان العديد من الجمهور البغدادي الذي أشاد بإعادة الحياة الى العديد من المباني المهملة في قلب العاصمة بغداد.
مشروع فني
تعمل قمر اليوم في مشروع فني جديد مع الكاتبة هناء خليل تحت عنوان (متحف في بغداد)، إذ تقوم من خلال هذا المشروع بتقديم تصاميم الأزياء ورسم الشخصيات حسب مجريات القصة التي تتناول فترتين زمنيتين مختلفتين جداً، إذ تدور أحداث القصة في عام 1926 وعام 2006 .
وفي حديثها مع مجلة “الشبكة العراقية” قالت “اعتمدت التصاميم من خلال الفنون والمعرفة التي نهلتها أثناء دراستي، والطريقة التي تطابقت بها القصة مع هويتي العراقية، وقمت بتخيل كل شخصية على حدة وفقاً للنص والتاريخ، ثم حاولت تصميم ملابس الشخصيات حسب الفترة الزمنية الخاصة بها لإنشاء مظهر فريد. منحني هذا المشروع فرصة رائعة أخرى أحتفي بها وافتخر بجذوري.”
تستعد قمر حالياً للسفر الى إيطاليا لإقامة معرض فني تطلق من خلاله علامتها التجارية الشخصية باسم (قاف). ودعناها على أمل لقائها مجدداً بعد عودتها للحديث عن تجربتها المقبلة.
يبقى السؤال معلقاً بكم: كم مبنى فارغاً وسط العاصمة بغداد تتمنى له أن يحيا بالفن والعلم والثقافة، وبجهود شبابية عراقية؟