تخطى

157

خضير الحميري/
تظهر هذه الكلمة وشبيهاتها على شاشات أجهزتنا الإلكترونية بجوار (سهم) صغير لتساعدنا على تجاوز صورة أو إعلان أو مادة مملة، فنتجاوزها بضغطة زر ثم نواصل المشاهدة أو القراءة. ولطالما تمنيت وجود مثل هذه الخاصية على شاشة الحياة اليومية لنتخطى من خلال ضغطها موقفاً (بايخاً) أو شخصاً غثيثاً، أو حديثاً غير مرغوب، فوجودها يمكن أن يمد حياتنا بخيارات عملية من دون أن نتعرض إلى مطبات محرجة، إذ تكفي ضغطة زر لتجاوز نقاش قد يؤدي إلى نزاع محتمل، أو تلافي موعد مع صديق قد يكبدك دعوة عشاء تربك ميزانيتك لأسبوعين!
ولن آتي بجديد إذا قلت إن الإلكترونيات قد تغلغلت في حياتنا، وبدأنا نتقمص مفرداتها وخياراتها في غالب الأحيان، فلابد أنكم شاهدتم شخصاً يتلفت يميناً ويساراً، إلى الأعلى والأسفل وهو جالس بين أصحابه، وتساءلتم عمّ يبحث، سأقولها لكم ببساطة، إنه يبحث عن سهم (التخطي)، الرجل في موقف محرج ويريد أن يتخطى الموقف، الموضوع لا يعجبه ويريد أن يضغط (نيكست)..
أو أن أحدهم أنهى مكالمة، قال فيها كلاماً لم يرغب بقوله (فلتة لسان)، أو وعدَ بأمر لا يستطع تحقيقه، وها أنتم ترونه بعد المكالمة شاحباً متلعثماً، وعيناه تدوران في الفضاء بحثاً عن أيكونة التراجع (أندو) ليضغطها ويمسح كل ما كان يجب ألا يقال..
(التخطي) هنا يشبه ضغطات الريموت للانتقال من قناة إلى قناة، ومن برنامج إلى برنامج، بدونه كان يمكن أن (يهرينا) أحد المحللين السياسيين تحليلاً عن تقلبات سعر الدولار، يمكن أن يناقضه في اليوم التالي مقابل مئة دولار. فالتخطي طريقة عملية للتخلص من محتويات غير مرغوب فيها، كما أن (تنصيبه) و (تفعيله) في حواراتنا وجلساتنا وعلاقتنا، يخلصها من مخاطر التشنجات المفاجئة..
وكأن حياتنا تحولت إلى شريط فديو.. لن يتواصل بثه الطبيعي من دون أن (نتخطى)..!