طاقة سلبية

77

خضير الحميري/

نتلمس الطاقة السلبية في الآخرين، مثل (الحب من أول نظرة أو من أول كلمة)، إذ تظهر لديهم على شكل شكوى ونرفزة وتشكيك وتذمر وانزعاج وعدم رضا عن كل شيء. فحين تقول لبعضهم مثلاً: صباح الخير، يأتيك الرد: صباحيش أو.. خيريش، ثم ينفتح شريط (العكننة) الصباحية، وحين تقول له: شلونك اليوم إنشالله زين، يعقف حاجبيه ويرد: منين يجي الزين؟ ويستكمل الشريط إياه. وتظهر الطاقة السلبية بصورة أكثر وضوحاً من خلال انتقالها التدريجي اليك وإفسادها يومك، وتسلل حالة التجهم الى قسمات وجهك البشوش، وليس أمامك من حل (مع أول الأعراض) سوى البحث عن حجة للهروب من رفيقك المشحون بطاقة تهجيجية فريدة..
وغالباً ما أتخيل هذه الطاقة وكأنها تطوف فوق رؤوسنا على شكل يشبه مستطيل (التحميل أو الشحن) في الأجهزة الإلكترونية، الذي يخبرنا بمستوى الشحن على شكل مربعات متتالية حتى يصل الى معدل 100%، فتكون المربعات الخضر للطاقة الإيجابية مقارنة مع الحمر للطاقة السلبية، وكان يمكن في هذه الحالة المتخيلة أن ننظر الى مستطيل الشخص الذي نقابله ونقرر تبعاً لمستوى ونوع الشحن الذي يطوف فوق رأسه، فيما إذا كنا سنجالسه أو نصاحبه أو نولي الأدبار بحثاً عن شخص آخر لم تصب (مربعاته) بالاحمرار بعد.
يقول المجربون إن الطاقة السلبية مرض يمكن الشفاء منه ببساطة إذا كان المريض مستعداً للشفاء ولم يستمرئ الحالة ويتخذها منهجاً وبرستيجاً، إذ تكفي ابتسامة، أو كلمة حلوة، أو خبر جميل، أو ضحكة بريئة، لتملأ حياتك (بالمربعات) الخضر، ويكفي أن تقترض بعض الإيجابية من الأشخاص الذين يتمتعون بفائض منها، وتجربها ليوم أو بعض يوم وتلاحظ خفة وجمال الأعراض الجديدة التي تظهر على مزاجك وسلوكك وكلماتك.
وإذا كان الحديث عن الطاقة السلبية مستحدثاً نوعا ما، بعد أن جرى تقييدها ضمن العلل النفسية التي تستحق المعالجة، فإن التقاليد الاجتماعية اكتشفتها منذ القدم، فكان بعضهم يحرص على أن (يصطبح) بوجه مليح ليكون يومه مليحاً، وأذكر أن لي صديقاً في أيام العسكرية كان يضع في ملجئه صورة للممثلة الإيطالية (ارنولا موتي) اقتطعها من إحدى المجلات الفنية، ليصطبح بوجهها الجميل قبل أن ينادي عريف (عودة) للتعداد، واستمر لديه هذا التقليد حتى بعد التسريح من الجيش، وقد اكتشفت زوجته الحكاية فيما بعد، وحصل ما حصل، ما أدى الى إصابته بطاقة سلبية مستديمة!