نصف الكأس المليان!

161

خضير الحميري/

حين قالها استاذ ادريس مدرس اللغة العربية قبل خمسين عاما سارعت الى تدوينها بدفتري، رغم مشاكسة طلاب الصف الذين تساءلوا عن نوع الكأس ومحتواها، ولماذا لا نملأها بالكامل بدل التحديق في نصفها الملآن.. دونتها لأني أعجبت بشرح الأستاذ لمحتواها.. لا تنتبهوا كثيرا لما ينقصكم، ركزوا على ما لديكم، إنعشوا الأمل بالآتي، وكنت قد دونت عنها في الأسابيع الماضية عبارات جميلة أخرى وبدأت أستخدمها في حديثي اليومي و رسائلي الغرامية.. مثل (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس) (رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة) (أصرف ما بالجيب يأتيك ما في الغيب) ( بدل من أن تلعن الظلام اشعل شمعة) ( الف صديق ولا عدو واحد) وغيرها الكثير..
كان يخطها على السبورة بحجم كبيرة ثم يلتفت ليتلقى ردود أفعالنا المنبهرة أو المشاكسة، وبعدها يبدأ بشرح مغاليق ما استعصى علينا من الحكمة الجديدة، كانت من بين الحكم أبيات شعرية منتقاة، لم تكن هذه الدرر مطلوبة في الأمتحان لكن لابأس من حشر بعضها في موضوع الإنشاء ليكتسب بعض الرصانة ويضمن درجة النجاح..
تخرجنا من تلك المرحلة الدراسة و رؤوسنا محشوة بالحكم الجاهزة، تتناثر من حديثنا العابر بمناسبة أو بدون مناسبة، ولذلك أصبح بإمكاني تمييز زملاء تلك الفترة رغم نسياني أشكالهم، يكفي أن أستمع اليهم لخمس دقائق فقط، ربما نسيت بعض ما خطته يد إستاذنا الجليل على السبورة، ولكن حكاية الكأس (المليانة) ظلت ترافقني أكثر من سواها، وأستطيع القول بأني أنفقت الكثير من سنوات عمري مبحلقا بنصف الكأس المليان الذي كان يعاندني أحيانا و..يهبط الى أقل من ربع الكأس.
وأعترف ان بعض الحكم تعرضت الى التحريف على ألسنة الطلاب من باب المشاكسة والتغريب، وأظن اننا كنا نتداول الصيغة المحرفة أكثر من الصيغة الأصلية، ومن التحريفات المستحدثة التي كانت ستغضب استاذ ادريس كثيرا ما آلت اليه إحدى حكمه العتيدة من تحريف تعسفي.. حيث أصبحت.. ( بدلا من أن تلعن الظلام ..روح إدفع فلوس المولدة)!!