
نكري!
خضير الحميري
تطرقتُ في هذه الصفحة، على مدى 15 سنة، للعشرات من التعابير الشعبية المحلية التي يصعب فهمها على غير العراقيين، تعابير أو مصطلحات نشأت بين الناس وعلى ألسنتهم من دون أن نعرف كيف نشأت وكيف انتشرت. منها على سبيل المثال، إذ يصعب الحصر، (مقطاطة، مالات، حديقة، أنَفة، معجونية، همبلة، كبسلة، لواكة، 56، دردمة، بوري، قفّاصة). واليوم نتناول تعبيراً آخر لا يقل شهرة عن سابقيه.. وهو (نكري).. بالكاف المعطشة!
نكري يعني في المعنى المتداول (الحرامي).. ولكن إذا جاز لي تصنيف الحرامية إلى مراتب، فهو يقع في أدنى مرتبة، فالنكري هو الشخص الذي يمد يده بخفة ليلتقط من جيوب الآخرين بعض أو كل ما تحتويه من نقود، أو محافظ، أو موبايل، أو مسبحة ثمينة، وغيرها. وهو، وفقاً لهذا الوصف، يتواجد في الأماكن المزدحمة، يعمل منفرداً، أو قد يستعين بشخص أو أشخاص آخرين للتشتيت والإلهاء..
فلا يمكن أن نطلق على حرامي البيوت وصف (نكري)، ولا يمكن أن نصف سارق السيارات بأنه نكري، كما لا يعتبر المرتشي أو المحتال أو المبتز.. نكري، مع أنهم كلهم يندرجون تحت بند السرقة. ولكن الوصف (الوظيفي) ضروري للتفريق بين هذه التخصصات، أما من أين اشتُق لفظ (نكري) فلم يسعفني البحث لمعرفة ذلك، ولكني أخمن أنه اشتق من حركة (النقر) السريعة للطيور، فهي مشتقة من المنقار وحركته الخاطفة، وما يعنيه ذلك من اكتفاء الطير بالقليل والثمين الذي يقتنصه (المنكار) في كل (نكرة)..
وقد تعرضت شخصياً لخفة يد مجموعة من (النكرية) في الازدحام المقابل للسوق العربي يوماً، حين صدمني أحدهم في ضجة الزحام من الأمام وضايقني آخر من اليمين، وفي ذات الوقت كانت يد خفيفة (تسلت) مصروفي من الجيب الأيسر، التفتُّ بسرعة وأمسكتُ بيد السارق المحملة بكامل المبلغ، وكان صبياً صغيراً، قال لي (العفو عمو..هاي فلوسك وكعت منك وآني شلتلكياهه)..أخذتها منه وأنا أتلفت لقراءة ردود أفعال الآخرين، لحظتها هدّأني رجل مسن وقور وهو يربت على كتفي قائلاً: خطية اتركه..
تركته.. وما كان لي أن أفعل سوى ذلك، لأكتشف بعد لحظات أن الرجل المسن الوقور.. هو رئيس النكرية!!