جديرون بتاريخنا

2٬581

لولا اجدادنا السومريون الذين اسسوا لحضارة العالم من خلال ابتكارهم لاول حرف الذي بدأت به الكتابة وابتكار اول رقم الذي أسس لكل التطور التقني الموجود حاليا، لان ذلك الرقم كان اساس الرياضيات واول عجلة التي لولاها لما وصل الانسان قبل عقود الى القمر ولما وصل المسبار إنسايت الى المريخ قبل اسابيع قليلة.

ولكن هل يكفينا هذا الفخر بتاريخ بعيد دون ان نكون جديرين به.. لن نشير الى ما يدور في البلد من امور بعيدة عن التحضر، النظافة مثلا وعدم الاهتمام بالشواهد المعمارية مثلا والأمثال كثيرة جدا، لكن النقاشات حول المناهج الدراسية وتغييرها ونقدها في الصحف والفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، مثال واضح جدا اننا غير جديرين بتاريخنا. هناك اخطاء، كما قال البعض وهناك إشارات تسيء للبعض، قالوا. وكانت الرياضيات سيدة المناقشات والمطالبات بالعودة الى المنهاج القديم! هكذا ببساطة نلغي التطور الذي أوصل إنسايت الى المريخ وجعل غوغول يجيب بإقل من عشر الثانية على اي سؤال تفكر به، ولولا الرياضيات لما كان الانترنت والكمبيوتر وحتى بوبجي.
الخلل ليس في تحديث المنهاج، قطعا، انما الخلل في عدم السيطرة عليه وعدم ادخال المعلمين والمدرسين ليمسكوا بالمفاتيح الاساسية للرياضيات الحديثة.
في منشور على الفيسبوك، قرأنا التالي “ومناهج الرياضيات في دول العالم تشهد تطوراً كبيراً وهي مناهج ديناميكية مع التغيّر المستمر في العلوم والهندسة، لدرجة أن تلاميذ مرحلة الثاني الإبتدائي في مدرسة بمنهاج أميركي في بلد عربي يدرسون الماتريكس – المصفوفة، بينما سمعتُ يوم أمس والد أحد الطلاب في العراق وهو يصرخ أمام الكاميرا لأن هناك سؤالاً في منهاج رياضيات الصف الثالث المتوسط يحتاج الطالب فيه لوضع معادلة من الدرجة الأولى لمعرفة كم ساعة نام فيها مازن! ” والمنشور يشرح نفسه ولا يحتاج الى تعليق، بل ان تلاميذ الابتدائية الذين يدرسون المصفوفة يشاركون في مسابقات لابتكار برامج الكترونية جديدة بسيطة وفي المتوسطة يبدأون بابتكار روبوتات جديدة وينافسون في مسابقات دولية ودائما بينهم عراقيون يعيشون في الخارج.
أكدت مدرّسة بأن زميلتها مدرسة الرياضيات اضطرت الى سحب المنهاج من النت! وقالت بأن معلمة لجأت الى اليوتيوب لحل مسألة رياضية للدراسة الابتدائية والسبب انها لم تدخل دورة تدريبية وورشة عمل لكيفية تعليمها، وكانت هذه المسألة من ضمن المناقشات التي دارت على الفضائيات.
طبعا لا نريد ان نقول بأن سبب التغيير في المناهج هو الطبع السنوي الذي يكلف ملايين الدولارات وما وراء هذه التكاليف، انما لابد من تغيير وبما يناسب التطور العلمي المتسارع ليكون الجيل القادم بحجم تحديات الغد، ولكن الاهالي في واد ووزارة التربية في واد آخر والتطور في واد ثالث، ويبدو ان لا طرق سالكة بينهم.
من غير المنطق ان لا يقبل الأهالي التطور وان يطالب بعض الكادر التعليمي بإلغاء المناهج الجديدة، لابد من ايجاد حل مع وجوب التعامل مع التطور السريع الذي لا مهرب منه الا اذا قررنا ان نستمر متخلفين عن العالم لعقود.
و في العام الجديد، نتمنى ان تتوقف الفضائيات عن سياسة جعل الحبّة قبّة، قطعا النقد مطلوب جدا ولكن ليس النقد الذي يؤدي الى الاحباط والبقاء مكانك سِر واحيانا التراجع متخلفين عن الاخرين، نحن معها في البحث عن الخلل أينما كان والمطالبة بإصلاحه وربما تعطي فكرة تكون سببا للإصلاح، لا ان تكون الوقود الذي يزيد النار اشتعالا.
وزارة التربية واحدة من اهم الوزارات ان لم تكن اهمها على الإطلاق لمسؤوليتها عن غد البلد من خلال مسؤوليتها عن اخطر المراحل العمرية للإنسان وهي المراحل التي تشكل شخصية الانسان وصنع الغد وأي خلل في هذه المسؤولية سيتسبب بكارثة مستقبلية.
على الوزارة في الحكومة الجديدة ان تعيد النظر في المناهج لتطويرها وليس العودة الى القديمة، عليها ان تفكر بآلاف المدارس التي تم هدمها بذريعة إعمارها وتجديدها منذ ٢٠١٢ ولم يتحقق الاعمار! واصبحت بعض الأبنية تستقبل ثلاث وجبات اي انها اصبحت مبنى لثلاث مدارس، عليها ان تعيد النظر في اعداد التلاميذ في الصفوف المكتظة وعليها ان تعمل جاهدة وجادة على تنفيذ قانون التعليم الالزامي الذي تسبب التساهل فيه الى تسرب عشرات آلاف الصغار من المدارس..
لنعتبر هذه المطالب امنيات العام الجديد ولنأمل ان تتحقق، لنأمل.