ابحث عن دوائك في السوق السوداء

1٬634

ريا عاصي /

أدوية السرطان والدم والعقم والسكر والضغط، يبيعها أميون قادهم إما العوز او انعدام الضمير الى المتاجرة بحياة مرضى يقفون عند حافة اليأس. في التسعينات من القرن المنصرم، ظهرت حيتان المذاخر وتجّار الدواء في السوق السوداء، وهيمنت تجارتهم على حيوات مواطنين مروا بمحن الحروب والحصار والتسمم والتلوث الإشعاعي، ومازال شبح الموت بأمراض لا يملكون المال الكافي لعلاجها يتهدد مصائرهم بين الحين والحين بغياب الرقابة الفعلية والإهمال والفساد الإداري.

غير مرحَّب بالإعلام!!

على الرغم من أني اعتدت على أن تفتح الأبواب أمامي حين طلب الحصول على موعد مع أحد المكاتب الإعلامية في أية وزارة أو مؤسسة حكومية، كوني انتمي لشبكة الإعلام العراقي، إلا أنني جوبهت بالصد والرفض في وزارة الصحة وعدم الإجابة أو الرد على أسئلتي التي كان في مقدمتها هذان السؤالان: ما سبب عدم توفر أدوية الأمراض المزمنة كما كان يحصل في سنوات عدة مضت؟ وما سبب عجز مستشفيات العراق عن توفير كل العلاجات؟ إذ يبدو أنهما كانا كافيين لغلق باب الحوار المباشر مع أي مسؤول كبير في هذا الملف، والى إحالتي على المتحدث الرسمي والمسؤول الإعلامي في وزارة الصحة الدكتور سيف البدر الذي لم يسعفني الحظ بمقابلته، اذ لم أجده في مكتبه لأنه كان في اجتماع خارج الوزارة مع مفتشي المحافظات، ولم يصلني رد لا على مكالماتي ولا على اسئلتي التي أرسلتها إليه عبر مواقع التواصل والهاتف، كما رفض العديد من الأطباء والخبراء الإدلاء بأسمائهم الصريحة.

الضغط والسكر.. ضيفان ثقيلان على العراقيين!

13% من الشعب العراقي من عمر 19 عاماً فما فوق يعانون من مرض السكري، و53% منهم لم يكونوا يعلمون واكتُشِفَ المرض لديهم بالصدفة بعد إجراء تحليلات لأغراض علاجية أخرى، هذا ما نشرته منظمة الصحة العالمية في تقريرها السنوي لعام 2018.

المنظمة دعت الشعب العراقي إلى تحسين نظامه الغذائي وذلك لارتفاع نسبة المتوفين بارتفاع ضغط الدم الى 50% من الوفيات للأمراض غير المعدية، وحددت نسبة 20% من الشعب العراقي مصابين بارتفاع ضغط الدم العالي وتتوقع ازدياد النسبة لو أجريَ الفحص الدوري للجميع.

مذكرة التفاهم (النفط مقابل الغذاء)

في عام 1990 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 660 لسنة 1990 وبموجب هذا القرار خضع العراق لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لأن حكومة العراق بغزوها الكويت أصبحت تشكل خطراً على الأمن والسلام الدوليين، اذ أصدر مجلس الأمن سلسلة من القرارات ذات الصلة بتطبيق العقوبات الاقتصادية المنصوص عليها في أحكام الفصل السابع، ومنها قرار 986 في 14 نيسان 1995 الذي سمح المجلس بموجبه للعراق أن يبيع نفطه لغرض تأمين احتياجات المواطنين الأساسية على وفق مبدأ الأمم المتحدة الشهير (النفط مقابل الغذاء والدواء)، وعلى الرغم مما أُشّر على هذا القرار من ملاحظات، وما كتب فيه إلا أن الخطورة الكبرى هي ما اعترى هذه العقود من فساد وهدر للأموال العراقية ولا سيما الفترة التي أعقبت سقوط النظام البائد وتصفية مستحقات هذه العقود من قبل جهات ومصارف أجنبية وفي أغلب الأحيان دون أخذ رأي الحكومة العراقية.

يذكر أن اللجان المشرفة على متابعة صرف الأموال ومراقبتها أكدت في أكثر من تقرير أن الشركات تورّد للعراق مواد وأدوية غير مطابقة للمواصفات المطلوبة، وعلى الرغم من ذلك أطلقت الجهات العراقية الموافقة على صرف المبالغ لهذه الجهات.

شهود ولكن..

التقت الشبكة الدكتور (ن . ع)، كيميائي صيدلي، وحين سألناه: هل يتوفر الدواء للمواطن العراقي مهما كان مرضه؟ أجابنا قائلاً:

لا توجد خطة أو سياسة دوائية لا في وزارة الصحة ولا في وزارة التخطيط لتعنى بما تحتاجه المراكز الصحية والمستشفيات والمرضى من أدوية، وفي المحصلة، فإن ما تشتريه الدولة أو تسعى لشرائه لا يكفي احتياجات المواطنين.

وعند سؤالنا عن معامل الدواء العراقية ودورها في توفير ما يمكن توفيره من الأدوية للمواطن، أجابت الصيدلانية لمى عبد الرحيم قائلة: معامل الأدوية الحكومية هي معامل تابعة لوزارة الصناعة، وهي تبيع الدواء لوزارة الصحة شأنها شأن أية شركة دواء أهلية، لكن لتشجيع المنتج الوطني تشتري وزارة الصحة الأدوية من معمل سامراء وتجهز المستشفيات بالأثاث من شركة المنصور للمستلزمات الطبية، علماً أنها ليست ذات جودة عالية.

وتضيف: إن معمل سامراء للدواء يعمل بكامل طاقته الانتاجية إلا أنه لا يوفر أدوية مرضى السكري أو الضغط أو أدوية الحياة لمرضى السرطان والدم، وتوجد معامل أهلية عراقية مرخصة ومسجلة حسب المواصفات العالمية، إلا أن إنتاجهم لا تستهلكه مستشفيات العراق ولا الأطباء الذين يروجون لأدوية شركات إسبانية وهندية وغيرها (لمن يدفع عمولة اكبر).

وأضافت أن الشركات التي كانت تجهز العراق بأدوية الأمراض المزمنة لم تُصرف لها مستحقاتها على مدى أربعة أعوام، وقد سدّد العراق آخر الدفعات عام 2019 ويستلزم الأمر وقتاً طويلاً لإعادة استيراد هذه الأدوية من تلك المناشئ.

في تصريح سابق للمفتش العام لوزارة الصحة عامر الخزاعي يقول فيه “بلغ تخصيص المواطن الواحد 80 دولاراً في عام 2018 في المجال الصحي كله وليس للدواء فقط.”

وأضاف: إن وزارة الصحة مسؤولة بصورة مباشرة عن توفير الأدوية والمستلزمات الطبية للمؤسسات الحكومية عن طريق الشركة العامة لتسويق الأدوية والمستلزمات الطبية وبعض الشركات الأهلية منها، لكن توفير العلاجات والمستلزمات لا يخضع الى التعداد السكاني للعراق، بل يخضع الى عدد مراجعي العيادات الشعبية والمستشفيات الحكومية سنوياً، وعدد العمليات الجراحية التي أُجريت في سنة كاملة وإضافة 10% على القيمة الكلية لتحدد مبالغ خاصة بشراء الدواء والمستلزمات الطبية.

ما قيل ويقال عن الدواء

ولأن المواطنين هم من يتضرر من غياب الأدوية أو نقصانها، استطلعنا آراءهم عن المعاناة من هذا الأمر، وما يواجهونه وما يعرفونه من معلومات، بعضهم طلب عدم التصريح باسمه لأنهم يخافون من (مافيات الدواء). أول المتحدثين كان مخلد نزار الذي قال:

قبل أسبوع ذهبت للتبرع بأقراص دم لطفلة لا أعرفها بعد أن قرأت منشوراً لوالدها يستنجد لإنقاذ طفلته، اتضح أن العملية ليست كالتبرع بالدم، فقد كان عليّ أن انتظر لسحب الدم ثم يُزرق انبوب آخر في أحد أوردتي يعيد لي الدم المسحوب، وأثناء وجودي هناك تم فتح جهاز مماثل لما ربط بيدي لكن المحاولة مع المتبرع فشلت لضيق أوردته إذ لم يتمكنوا من إعادة الدم، وقد لاحظتُ أنهم لم يتلفوا الجهاز المستعمل تواً، بل أعادوا خزنه ليستعملوه مرة أخرى بحجة أنه غالي الثمن (300 دولار)، وأن وزارة الصحة منذ عام 2016 لم تجهزهم بالاحتياطي وهم يستخدمون الاحتياطي الآن، صُعقت وحمدت الله أنني أشرفت على فتحهم للجهاز الذي ما زال مربوطاً بذراعي.

أما المواطن (م. ع ) فيقول:

كانت صيدلية بلاط الشهداء المجاورة لمستشفى الهلال الأحمر في المنصور توزع الأدوية للمصابين بالأمراض المزمنة في الكرخ، وكانت توجد واحدة أخرى في الرصافة، وفي كل محافظة ثمة صيدلية توزع الدواء شهرياً على وفق بطاقة خاصة تنظمها العيادات الشعبية، ويُوزع الدواء مجاناً للمواطنين لأن أسعاره باهظة.. والآن لا بطاقة ولا دواء، والفقير له الله.

السيدة أنوار الحيدري تقول:

أعاني من الضغط والسكر، والعلاج يكلفني ١٠٠ ألف دينار شهرياً، وأضطر لشرائه من الصيدليات الخارجية.

أما السيدة أيسر الجرجفجي فإن معاناتها أشد، إذ تقول:

أنا مصابة بأمراض الضغط والسكر والمفاصل والعلاج يكلفني أكثر من 200 ألف دينار شهرياً.

 السيدة أزهار عبد المحسن، المصابة بسرطان الثدي تقول:

انا إحدى الناجيات من سرطان الثدي، كان قد تم الكشف المبكر لحالتي عن طريق مراجعتي إحدى العيادات الشعبية وبدورهم أحالوني الى مستشفى الإشعاع والطب النووي، وتلقيت علاجي هناك على مدى ستة أشهر وحصلت على جرعتين فقط، ثم اكتشفنا ان العلاج لا يتوفر، اتفقت عائلتي على جمع مبلغ مالي وسافرتُ إلى الهند ورافقتني أختي طوال مدة العلاج، اكتشفت أن إحدى الإبر التي آخذها بشكل يومي على مدار شهر سعرها أقل من دولار هناك، علماً أنني كنت أشتريها من الصيدليات الأهلية في بغداد لعدم توفرها في الحكومية بسعر 75 ألف دينار، وهي جزء من العلاج وليست العلاج كله.

  ويقول السيدعباس النوري: “توجد ما يقارب الخمسمئة ألف فِقرة دواء مصرح بها من قبل الوزارة، في حين أن ما يتم تداوله في السوق أكثر من مليون فقرة. جشع الأطباء وعدم ثقتهم بالمُنتج الوطني هو ما يجعل السوق العراقية تعج بشتى المنتجات الأجنبية، لذا يتفق الطبيب مع شركات محددة مقابل عمولة له وللصيدلاني، في حين أن المعامل العراقية يمكنها أن تسد حاجة المرضى من الأدوية بأسعار مناسبة.”

 السيدة إسراء عرب تقول: “أنا مصابة بداء الذئبية الاحمراري الذي يكلفني علاجه أموالاً طائلة، فضلاً عن أنني أتعاطى جرعات لعلاج التدرن، والحمد لله أنني أتسلم هذا العلاج مجاناً من المركز الحكومي الخاص بعلاج التدرن وأمراض الصدر.”

كلمة أخيرة

تعمل نقابة الصيادلة على نشر دوريات ثابتة عن الصيدليات المرخصة وعن الخروقات التي تحدث وحدثت من خلال وجود أدوية غير مرخصة، من واجب المواطن الذي يحصل على دواء غير جيد أن يبلغ لكي يمنع حدوث كوارث صحية يمكن الّا ينتبه لها مواطن آخر.

المراكز الصحية في البلاد منتشرة ما عدا المدن التي تعرضت لإرهاب داعش، فهناك نقص في الخدمات، ومن واجب المواطن أن يراجع ويثبت حضوره في هذه المراكز بدل الاستعاضة عنها بالأهلية كي يشكل ضغطاً على الدولة لإعادة هذه المراكز وتجهيزها وتهيئتها لاستقبال أكبر عدد ممكن من المواطنين، لا أن تقتصر فقط على الفقراء والعاطلين عن العمل، لأن التعليم والصحة هما من حقوق المواطن في الدستور العراقي.