“كبسة” مجلة الشبكة على مراكز الشرطة تكشف الحقائق

1٬651

ريا عاصي /

أعترف أني بدأت هذا الملف بهدف توثيق “المخالفات والانتهاكات” التي نسمع عنها، والتي ترتكبها بعض أجهزة الشرطة، والتي تكون الرشوة فيها سيدة الموقف دائماً ، ما يضيع الكثير من حقوق الوطن والمواطن، وانتهيت منه مكتشفة أن غالبية تلك “المخالفات” كانت، وما زالت، (ظاهرة).
ارهاب واحتيال
وبوضوح أكثر، سمعنا عن سوء أحوال الموقوفين في مراكز الشرطة من الذين لا يملكون ليدفعوا “رشوة” تحسن من وضعهم وربما تؤخر محاكمتهم ليستمروا في (نعيم) مراكز الشرطة بعيداً عن السجون. ومرة أخرى نكتشف الحقيقة، علماً بأننا ذهبنا الى مراكز الشرطة بدون موعد سابق، إنما أبلغنا مدير التفتيش في دائرة المفتش العام بأننا نريد أن “نكبس” هذه المراكز في الساعة التي التقيناه فيها مهما يكن من أمر، كذلك وضعنا أمام الجهات الرقابية المختصة ما لدينا من معلومات. والمعروف أن غالبية الذين في التوقيف هم إما ٤ إرهاب أو ٥٦ ( اختصار المادة ٤٥٦ من قانون العقوبات العراقي: نصب و احتيال)، وهناك جرائم وجنح، لكن الصفة الغالبة في العقد الأخير للجرائم هي القتل، الاغتيال، الخطف، المخدرات، والنصب والاحتيال.
ما مهمة مراكز الشرطة في بغداد؟
يوضح القانون (رقم 176 لسنة ١٩٨٠) مهام أجهزة الشرطة بهذه الفقرة: “تختص قوى الأمن الداخلي بالمحافظة على النظام والأمن الداخلي، ومنع ارتكاب الجرائم، وتعقب مرتكبيها، والقبض عليهم، والقيام بالمراقبة المقتضاة لها، وحماية الأنفس والأموال، وجمع المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي وسياستها العامة، وضمان تنفيذ الواجبات التي تفرضها عليها القوانين والأنظمة.”
في حوار لـ “الشبكة” مع العقيد نبراس محمد علي مدير علاقات وإعلام شرطة بغداد قال: “الحفاظ على الأمن والنظام وفرض القانون وحماية أرواح وممتلكات المواطنين هي أهم أهداف مراكز الشرطة في بغداد وفي المحافظات كلها.”
وأضاف “في مركز الشرطة، فضلاً عن الإدارة، يوجد مكتب معلومات مسؤول عن إصدار بطاقات السكن، ومكتب الاستخبارات، وقاعة مخصصة للموقوفين على ذمة التحقيق وحسب القانون، ولا يجوز بقاء الموقوف داخل المركز لمدة تتجاوز الثلاثة أشهر وأقصاها ستة أشهر، بعدها يحول الموقوف الى دائرة التسفيرات”. وأضاف “الموقوفات من النساء يتم تحويلهن الى مراكز مخصصة لتوقيف النساء وكذلك الأحداث.”
و أكد أن وزارة الداخلية استحدثت مراكز مختصة بالعنف الأسري وأقسام استماع للنساء المعنفات داخل هذه المراكز، كما أن عمل الشرطة المجتمعية يواكب آخر تطورات الجريمة إذ نواجه اليوم الابتزاز والاحتيال الإلكتروني.

كيف يرى المواطن البغدادي مراكز الشرطة
وجهت مجلة “الشبكة” أسئلة لمواطنين بغداديين عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن مراكز الشرطة وتجاربهم معها، فكانت الأجوبة:
السيد عبد الرزاق الحمامي، مدرس رياضيات: “شكل الحاجز الكونكريتي شكلاً من أشكال العزلة بين مركز الشرطة المحلية وأبناء المحلة، وعند رفع الحواجز من شوارع بغداد وأزقتها تكشّف وجه بغداد الجميل وتلونت جدران مراكز الشرطة بالسمائي والأزرق، بعد أن كانت أسوارها الكونكريتية بلا لون.” وأضاف: “بطبيعتي لا أحب مراكز الشرطة بعد تعرضي للابتزاز من قبل أحد ضعاف النفوس من عناصر الشرطة بعد أن تم احتجاز مركبتي في عام 2012 بسبب حادث دهس، وكان مصراً على شرائها مني بثمن بخس، تم توقيفي وإطلاق سراحي بكفالة، بعدها تم التراضي عشائرياً وتنازلت عائلة الطفل المصاب عن الدعوى القضائية، إلا أنني لم أتمكن من استعادة مركبتي حينها إلا بعد أن توسطت لي مجموعة من الخيرين ودفعت رشوة لاستعادتها بعد مرور ما يقارب عام على الحادث.”
أضاف: “علمت بعد فترة أنه تمت محاسبة الضابط الذي حاول ابتزازي على مجموعة قضايا رفعها أهالي الموقوفين و ندمت لأنني لم أرفع شكوى ضده.”
وكتبت المواطنة ريم خان: “في ٢٠١١ وأنا في طريق عودتي الى البيت، أوقفتني سيطرة في شارع المطار وقام أفرادها باحتجاز كامرتي بحجة عدم امتلاكي أوراقاً ثبوتية تمكنني من دخول شارع نفق الشرطة، وأبلغني الشرطي حينها أن علي أن أجلب هوية الأحوال المدنية وبطاقة السكن الى مركز الشرطة لأتمكن من استعادتها، لكن حين ذهابي لمركز الشرطة صُدمت بأن المفرزة لم تكن تابعة للمركز وإنما الى دائرة أخرى لا علاقة لها مع المركز!”
المواطن أبو ذر فاضل، مصور: “حين مراجعتي لاستحصال شهادة الجنسية من مديرية الجنسية تم ابتزازي ودفعت رشوة لأتسلم جنسيتي فقط.”
المواطن (س.م)، الذي لم يقبل أن أكتب اسمه الصريح، كتب: “سبق أن أوقفت لأسبوعين على ذمة التحقيق في أحد مراكز شرطة الرصافة بسبب دعوى كيدية قام بها شريكي في العمل ضدي، وانتبهت أن نصف قاعة الموقوفين مكتظ جداً لدرجة أنك لا تستطيع أن تشغل أكثر من مساحة جسمك في المكان، بينما الجانب الآخر منها يشغله عدد قليل تمت محاكمتهم وصدرت الأحكام عليهم، إلا أنهم مازالوا في التوقيف لأكثر من خمس سنوات، بل أن أحدهم تجاوز العشر سنوات وأنهم يعاملون معاملة خاصة بسبب الرشوة.”
المواطن لؤي الصفار كتب يقول: “تم إيقاف عمال أجانب يعملون عندي، وبين مركز الشرطة ودائرة الإقامة كلفني موضوع إخراجهم خارج البلاد مبلغاً قدره خمسة عشر ألف دولار، حتى أنني وسّطت سكرتير أحد الوزراء لكنه خرج من المركز ليعاتبني ويقول (شلون ترضاها المفوض ياخذ أقل من النقيب).. حتى واسطتي انقلب عليّ.”
المواطن قيصر الورد، محامٍ، يقول: “في شهر نيسان الماضي، أتممت معاملة فقدان رقم خلفي لدى مرور التاجي، واستمرت الإجراءات تسعة أشهر ووصلت لمرحلة البصمة، ساومني الضابط المسؤول مقابل مبلغ مالي، تركت الرقم وغادرت القاعة نادماً على خسارتي تسعة أشهر من عمري في المعاملات.”
جواب إيجابي من السيدة سوزان منعم، كتبت: “فوجئت مرتين حقاً: وأنا أدخل مركز البطاقة الموحدة مرة، وحين تسلمت جوازي مرة اخرى، كان تعامل المنتسبين معنا أنا وعائلتي بصورة راقية وبأدب جم ولم نقف في طوابير تحت أشعة الشمس بل جلسنا في غرف انتظار تليق باسم وطن ومواطن مكيفة ومجهزة بأجهزة ذكية تسهل عمل الموظف وتخدم المواطن، لم أصدق عيني وأنا اتسلم جوازي بعد ثلاثة أيام بصورة حضارية، كنت يومها أود مصافحة منتسبي المركز كلهم وشكرهم لتغيير نمطية صورة مراجعة دوائر الدولة في العراق.”

من ينصف المواطن إن كان شرطياً او مدنياً؟
في لقاء “الشبكة” مع المفتش العام لوزارة الداخلية السيد جمال الأسدي، قال: “تعمل كوادرنا ليل نهار لرفع الحيف عن المواطن وإعادة الثقة بينه و بين الأجهزة الأمنية، ونسعى جاهدين لردم الفجوة وتعزيز الثقة وتطوير عمل مديرياتنا عن طريق تقديم المقترحات وفتح الأبواب لسماع مشاكل المواطنين سواء أكانوا منتسبين أم غير منتسبين بصورة مباشرة وميسرة للوصول الى مجتمع آمن ولتعزيز الثقة، كما أسلفت، بين الأفراد.”
واضاف: “عملت محامياً لفترة طويلة، وأنا ابن هذا المجتمع وأعلم أن الرشوة هي إحدى أكبر مشاكل الفساد الإداري في العراق، وأعلم أنها آفة كبيرة نسعى لقلعها من معاملاتنا اليومية سواء داخل مديرياتنا او خارجها، لكن الأخطر والأكبر من ذلك هو الابتزاز الذي قد يتعرض له المواطن لتحصيل حق او المطالبة به، أحاول جهد الإمكان أن أزرع الثقة بين الجميع ليتمكن المواطن من معرفة كامل حقوقه سواء أكان منتسباً لنا أم مواطناً يراجع دوائرنا لدرء خطر الابتزاز.”
رافقت “الشبكة” اللواء الحقوقي علي عبد الأمير عباس، مدير التفتيش في دائرة المفتش العام، الى مراكز شرطة للتحقق من المعلومات التي وردتنا واطلع عليها وأظهرت نتيجة الزيارة الأمور التالية:
عند زيارتنا لمركز شرطة السعدون كان في التوقيف ما يقارب المئة موقوف بسبب المشاجرات ونسبة من قضايا الترحيل للمطلوبين للعدالة والهاربين من المحافظات، دهشتي الكبرى كانت في عدم وجود موقوفين بسبب المخدرات أو الدعارة! وأن مركز الصليخ سجل 39 موقوف مخدرات، وبقية الموقوفين قتل او الشروع بقتل، تكررت حالات قتل الزوجه لزوجها بالاتفاق مع عشيقها! في مركز شرطة المسبح بحكم موقعه ووجود العديد من المصارف والبنوك حوله أغلب الموقوفين هم تحت بند قانون العقوبات (456)، وسجل المركز رقماً قياسياً بالنسبة لمدة التوقيف، اذ اتضح أن أحد الموقوفين مطلوب في العشرات من القضايا وأنه مازال موقوفاً بسبب استمرار التحقيق معه منذ 14 عاماً وأنه قد تم الحكم عليه في العديد من القضايا إلا أنه لم يرحّل بسبب وجود قضايا مازال التحقيق جارياً فيها. و لابد من الإشارة الى الملاحظات التالية التي لمستها في المراكز: قيام المفتش العام بمحاسبة المخالفين من الشرطة في العديد من الأمور والقضايا التي تم إبلاغه بها، غياب جرائم الشرف وقلة الضغوط التي كانت تمارس على مراكز الشرطة من قبل العشائر بسبب قانون تجريم (الدكة العشائرية) واعتباره تحت بند قانون 4 إرهاب.

إعادة الثقة
عانى البغداديون، مثلهم مثل أبناء المحافظات كافة، من مراكز الشرطة العراقية التي رضخت لسنين طوال تحت سلطة أجهزة أمن الحفاظ على حياة الديكتاتور، فتحولت هذه المراكز الى سلطة عنجهية تمسك بالفارين من الحروب التي فرضت علينا وتحيل أوراق دعاوى لتقارير لم يكن داخلها اي خرق قانوني غير شتم الديكتاتور او المساس به او بأهله، حتى صارت مراكز الشرطة أحد أهم نصال الديكتاتور في جسد الشعب العراقي، هذا الموروث ولد عداءً ضمنياً يكنه المواطن لأجهزة أمن الدولة، اذ اختفت مقولة (الشرطة في خدمة الشعب) لتتحول الى (الشرطة لقمع الشعب.)
وبعد عام 2003 تمت إعادة هيكيلية الشرطة ومنتسبي الداخلية بخطة سريعة في حينها بسبب ضغوط الإرهاب والوضع الأمني بصورة عامة ما تسبب بتلكؤ كبير وإخفاقات تعرضت لها أجهزة الدولة كافة.
اليوم، وبعد الاستقرار الأمني، مقارنة بالسنوات الماضية، كيف نرمّم الثقة بين المواطن والأجهزة الأمنية؟
توجهنا بالسؤال الى الرائد ليث كاظم، مدير الإعلام في مكتب المفتش العام – مكتب شؤون المواطنين- والذي يفتح أبوابه كل ثلاثاء لسماع شكاوى المواطنين بصورة مباشرة ورفعها للبت بأمرها، والذي قال:
“يسعى مكتب المفتش العام جاهداً لتطوير كيفية إيصال الشكاوى والتعرف على مشاكل المواطنين بصورة مباشرة بشتى السبل بدءاً من خطوط ساخنة لتلقي الشكاوى وبمتابعة صفحاتنا في مواقع التواصل الاجتماعي بالإضافة الى المركز الذي تصله أسبوعياً ما يقارب الـ 100 شكوى يتم التحقق منها وإجراء اللازم.”
واضاف: “نحاول توعية المواطنين بالطرق والسبل التي تكفل لهم حقوقهم ولإعادة الثقة بين الأجهزة الأمنية وبينهم، لأن دور المفتش العام ليس رقابياً فقط بل تقويمي ومساند للجميع لتحقيق العدالة بالتالي، كما أننا داعمون للأفكار الحديثة التي تواكب اختلاف الجريمة وتطور أدواتها ومستمرون بالعمل صفاً واحداً مع الجهات الأمنية للحد من الجريمة، فمثلا خلال الأيام الماضية تم إلقاء القبض على تجار مخدرات داخل أحد فنادق بغداد من قبل المفتشية.”
في لقاء مع السيدة ذكرى سرسم، نائبة رئيس منظمة برج بابل، التي تقوم بورش عمل إعلامية ومجتمعية لأفراد الشرطة، قالت: “الأمن هو حاجة الفرد الأولى بعد الغذاء والصحة، وهو أحد أهم مرتكزات اي تطور حضاري ، فالشعوب غير الآمنة هي شعوب غير مستقرة، بالتالي لا يمكنها التطور والبناء الحضاري، فلا أمن بلا استقرار ولا حضارة بلا أمن.”
وأضافت: “إن حرية التعبير هي إحدى أهم المكتسبات بعد زوال الديكتاتور، لذلك حرصت كل الحرص على أن أعمل بالتنسيق مع وزارة الداخلية لإقامة ورش تدريبية بين فئات المجتمع المدنية ولمنتسبي وزارة الداخلية من أجل الحفاظ على حرية التعبير وحفظ النظام ومعرفة كيفية التصرف والتعامل للوصول الى بلد مستقر وآمن في عراق جديد.”