(كورونا) يستنهض همم العراقيين

921

#خليك_بالبيت

إياد عطية الخالدي /

بينما يعيش العراقيون كسائر شعوب العالم على وقع تداعيات فيروس كورونا، حيث عمدت السلطات إلى إغلاق حدود العراق ومطاراته وفرضت حظراً شاملاً للتجوال في جميع المدن ضرب مفاصل الحياة وألقى بتأثيراته في معيشة الناس لا سيما العمال والكادحين، ووسط المخاوف واليأس والقلق الذي يعيشه المواطنون، أضاءت همم العراقيين مشاعل الأمل لتعيد للنفوس ما يطمئنها ويعيد لها الثقة ببلادها رغم جسامة التحديات.
الوجه المشرق
وفي حين فقد الناس الامل بأي دور إيجابي لوزارة التجارة التي باتت تشكل عبئاً على الدولة العراقية، وبينما ترتفع حاجة شرائح واسعة منهم إلى مساعدات غذائية عاجلة لا سيما بعد ارتفاع أسعار عدد من السلع الاساسية، انبرت المرجعية الرشيدة كعادتها في مقدمة الجهات الساندة للمحتاجين، إذ توجهت قوافل المساعدات من كربلاء إلى المدن العراقية كافة بما فيها العاصمة بغداد.
وأعلن قسم مضيف الامام الحسين (عليه السلام) التابع للعتبة الحسينية المقدسة، عن تسيير قوافل مساعدات تضم مواد غذائية وخضراوات إلى عدد من المحافظات العراقية تلبية لتوجيهات المرجعية الدينية العليا للتكافل، وتأتي المساعدات تزامنا مع إعلان حظر التجوال في أغلب المدن كإجراء احترازي للوقاية من تفشي جائحة (كورونا).
ونقل الموقع الرسمي للعتبة الحسينية عن رئيس القسم مصطفى أبو دكة: إن “العتبة الحسينية وبتوجيه مباشر من المتولي الشرعي الشيخ عبد المهدي الكربلائي باشرت ومنذ أيام بتوزيع السلال الغذائية على العائلات الفقيرة في محافظة كربلاء المقدسة وعدد من المحافظات العراقية الأخرى”.
وأوضح ابو دكة أنَّه “جرى توزيع أكثر من ١٧ ألف سلة”، مبينا أن “السلة تتكون من 11 مادة جافة متنوعة الاجناس، وأن التوزيع لم يقتصر على الوجبات الجافة بل شمل كذلك (الخبز والصمون)، فضلاً عن الخضراوات”.
متطوعون
المدن العراقية يلفها صمت لا تحركه سوى صور مشرقة لشباب عراقيين من مختلف المؤسسات الدينية والاجتماعية وهم يجوبون الشوارع والازقة حاملين شتى أنواع المساعدات للناس.
وشهدت أغلب المدن العراقية حملات ومبادرات فردية ومؤسساتية، وضجّت مواقع التواصل الاجتماعي بصور المتطوعين وهم يحملون مختلف المساعدات لا سيما الغذائية، ويقول شباب من حملة “بادر” التطوعية إنّهم يواصلون جمع التبرعات لتوزيعها بين العائلات المحتاجة وتشمل موادّ غذائية أساسية وسلال خضراوات.
ورصدت عدسات المواطنين صوراً لشباب معمّمين يجوبون الشوارع ويوزعون اللحم بين العوائل في مناطق الحسينية وأطراف بغداد.
وسط هذه الصورة أطلق عدد من المطاعم في بغداد حملات تبرع بالطعام للملاكات الطبية، لدعم جهود مواجهة المرض الوبائي، ورصدت “الشبكة” قيام أصحاب المطاعم بنقل وجبات ساخنة إلى العاملين في المستشفيات العراقية.
دعم متعدد الاوجه
وأثارت التصريحات التي أدلى بها وزير الصحة وتحدث فيها عن عدم جاهزية وزارته لمواجهة أي تطورات في مواجهة جائحة فيروس كورونا حالة من الحزن واليأس لدى المواطنين، وعلى الرغم من الاموال التي خصصت للوزارة فهي لا تملك سوى خمسمائة جهاز تنفس اصطناعي في كل المستشفيات وأنها بحاجة إلى 150 مليون دولار لمواجهة الفيروس، لكن المبادرات التي انطلقت من مختلف مدن العراق لدعم القطاع الصحي أضاءت بارقة أمل للناس فقد أعلنت عشائر محافظة الأنبار التبرع ببناء مستشفيات عاجلة من الألواح المضغوطة للحجر الصحي في المحافظة والعاصمة بغداد.

وقال المتحدث باسم محافظة الانبار د محمد حمود الفهداوي لـ “الشبكة”: إن أبناء المحافظة عبّروا عن استعدادهم لدعم مبادرة رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي في التبرع ببناء مستشفيات عاجلة من الألواح المضغوطة في المحافظة والعاصمة بغداد، لتعزيز الأماكن الخاصة للحجر الصحي وتفادي انتشار فيروس كورونا بين أبناء الشعب العراقي.
وقال الفهداوي: إن شيوخ عشائر وعلماء دين وميسورين ومواطنين وقادة سياسين وأمنيين وإداريين ومثقفين وأجهزة حكومية استجابت لهذه المبادرة، ولفت إلى أن المحافظة شهدت مبادرات من شرائح اجتماعية مختلفة للتخفيف عن محنة الناس والتخفيف عن كاهل وزارات الدولة لا سيما وزارة الصحة.
وقام مواطنون في أقضية المحافظة ونواحيها بمبادرات لتوزيع الدجاج والخضراوات والمواد التموينية بين المواطنين لا سيما العوائل المتعففة.

مدينة الزائرين
وفي كربلاء وضعت العتبة الحسينية مدينة سيد الاوصياء عليه السلام تحت تصرف وزارة الصحة لاستخدامها في الحجر الصحي.
وقال مدير المدينة مظفر محمد: إن “العتبة الحسينية المقدسة بتوجيه مباشر من المتولي الشرعي الشيخ عبد المهدي الكربلائي وضعت المدينة تحت تصرف وزارة الصحة العراقية لاستخدامها للحجر الصحي”.
واوضح قائلاً: خصصنا (5) بنايات كبيرة بواقع 35 (سويتاً) للبناية الواحدة مجهزة بأحدث وسائل الراحة والوقاية الصحية”، مبينا أنه “تمت تهيئة المركز الصحي في المدينة لاستقبال أي حالة، ناهيك عن توفير ثلاث وجبات طعام يومياً للاشخاص المحجورين”، وتعد مدينة سيد الاوصياء أرقى مدينة عصرية على مستوى العراق ويمكن استخدامها للحجر الصحي وجميع المستلزمات الوقائية ضد فيروس كورونا المستجد.
إلى ذلك أعلن النجم الدولي السابق ومدرب منتخب الناشئين الحالي، عماد محمد، وضع فندقه الخاص “في خدمة” خلية الأزمة لعلاج المصابين بفايروس كورونا، وقال محمد عبر صفحته الرسمية على “فيسبوك”: “اخواني الكرام من باب شعورنا بالمسؤولية وحرصا منا على تقديم المساعدة في ظل الظروف التي يمر بها البلد قررنا وضع فندق العمدة في خدمة خلية الأزمة في كربلاء لغرض استخدامه لعلاج المصابين ب‍كورونا”.
‏بالمقابل قالت مصادر رياضية، إن نجم الكرة يونس محمود تبرع بمبلغ قيمته 100 مليون دينار عراقي، “لمكافحة فيروس كورونا”.
يأتي هذا تزامناً مع حملات دعم لجهود وزارة الصحة في التصدي لفيروس كورونا أطلقها مشاهير ومسؤولون للتبرع، إذ أعلن وزير الشباب والرياضة احمد رياض العبيدي، التبرع براتبه الشهري وامتيازاته لدعم الملاكات الطبية والصحية للوقاية من المرض، وقال الوزير في صفحته على “فيسبوك”: هذه المبادرة هي أبسط ما استطيع تقديمه اليوم وليس غدا عبر التبرع بمرتبي وأي امتيازات أخرى دعماً لجهود فرقنا التطوعية، وملاكاتنا الصحية، ودعا العبيدي الوزراء والنواب جميعاً إلى المشاركة في حملات التبرع، وقال إنّه وضع جميع منشآت وزارة الشباب تحت تصرف الفرق الطبية.
دعم مالي
وتلقت وزارة الصحة دعماً مالياً من المصارف العراقية التي أعلنت عن مبادرة للتبرع لوزارة الصحة لدعم جهود الدولة في مكافحة وباء كورونا.
وتبرع البنك المركزي بمبلغ 30 مليار دينار، في حين تبرع مصرف الرافدين بمليوني دولار والرشيد بمليار دينار كما تبرع مصرف آخر بمبلغ 150 مليون دينار.
غرفة تجارة كركوك
وفي محافظة كركوك وفي إطار دعم شعبي ورسمي لخلية الازمة بادرت غرفة التجارة بتقديم مواد تعقيم وتعفير إلى دائرة صحة كركوك ومديرية الدفاع المدني.
المساعدات التي قدمتها الغرفة جاءت في إطار حملات المساهمة والتعاون بين جميع الجهات الرسمية ومساهمة التجار، وأظهرت هذه المبادرات الجانب المشرق في المحافظة، إذ حملت رسالة تضامن بين دوائر القوات الامنية وأبطالها من جهة، ووجهاء كركوك ونخبها ووسائل الإعلام وعلماء الدين فيها من جهة أخرى.
وواصلت غرفة تجارة كركوك دعمها خلية الأزمة بالتبرع إلى مديرية الدفاع المدني بـ(١٠٠) كارتون مواد معقمة وديتول، مساهمة من الهيئة الإدارية وتجار كركوك ضمن سلسلة الخدمات التطوعية لغرفة تجارة كركوك ودعمها لإدارة المحافظة وخلية الازمة. كما بادر أعضاء مجلس الغرفة اليوم بالتبرع لشراء مرشات تعقيم وتقديمها إلى مديرية الدفاع المدني، إذ سيجوب منتسبوها الشوارع بالسيارات لرش المواد التعقيمية والمبيدات في المدينة حفاظاً على سلامة المواطنين وللحيلولة دون انتشار الوباء.

الحشد وسرايا السلام
ونشرت قوات الحشد الشعبي وسرايا السلام مئات الفرق في شتى المحافظات لتطهير وتعفير الشوارع والمحلات والساحات العامة والمطارات والدوائر، ونظمت آلاف الحملات التي شارك فيها المقاتلون الذين شاركوا في الحرب ضد تنظيم “داعش” وما زالوا يتصدون له.
وأعرب عدد من المواطنين الذين نشروا صوراً للحملات التي قام بها مقاتلو الحشد وسرايا السلام عن تقديرهم لجهود المقاتلين الذين قدموا أرواحهم فداء للعراق وشعبه.
مستشفى ميداني
إلى ذلك جهزت طبابة الحشد الشعبي، مستشفيات ميدانية خاصة بسعة 100 سرير في عدد من المحافظات، وقال إعلام الحشد في بيان: باشرت طبابة الحشد بإنشاء مستشفيات ميدانية خاصة مجهزة بالمعدات والأجهزة الطبية في عدد من المحافظات ومن بينها محافظة كربلاء المقدسة.
الخباز الجوال
ولقيت مبادرة لشباب في محافظة صلاح الدين يجوبون شوارع الدجيل ويوزعون الخبز الحار الذي يجهز في فرن وضع على سيارة حمل تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، وقالوا في صفحتهم على “فيسبوك” إنهم ينتمون لفريق شباب الدجيل للعمل التطوعي ويتعاونون مع موكب بركات الامام الحسين، وإنهم يجهزون أيضا سلالاً غذائية للمحتاجين في هذا الظرف الصعب مؤكدين أن حملاتهم تستهدف العائلات المتعففة أو التي انقطعت بها السبل.
وجسدت مبادرات لا حصر لها حجم التكاتف الشعبي بين المواطنين لا سيما تلك المبادرات الفردية التي قدّمها مواطنون بسطاء، ففي حي الجهاد وضع بائع لاسطوانات الغاز لوحة يظهر فيها استعداده لتقديم الاسطوانات للمحتاجين في المنطقة مجاناً، وتنازل ابو طه صاحب مولدة عن استيفاء أجور مولدته من المواطنين.
وضجّت مواقع التواصل باعلانات لمواطنين يبدون استعدادهم لتقديم خدمات متعددة لا حصر لها إلى جميع المحتاجين، عبّرت بصدق عن كرم هذا الشعب وتكاتفه واستعداده للتضحية في أيام المحن، وقد يضيق المقام عن الإلمام بالمبادرات الإنسانية والوطنية كافة، فهناك رجل أعمال في دهوك تبرّع بمليوني دولار لوزارة الصحة في الاقليم، وآخر في الحلة تبرّع بتجهيز موقع الحجر بأجهزة التكييف والثلاجات والتلفزيونات، ومنظمات مجتمع مدني في بغداد بادرت إلى توزيع سلال الأغذية، وبكلمات قليلة: لا تخلو أي مدينة عراقية من المبادرات الانسانية التي تعكس أصالة العراقيين وغيرتهم.

 

النسخة الألكترونية من العدد  356 

“أون لآين -1-”