معرض بغداد الدولي للكتاب… إقبالٌ جماهيريّ وحضورٌ عربيّ غير مسبوق

1٬667
علي السومري ــ آية منصور /
تحت عنوان (كتاب واحد أكثر من حياة)، وبمشاركة أكثر من ٧٠٠ دار نشر عراقية وعربية وعالمية، وحضور حشد غفير من الجمهور، اختتمت مؤخراً فعاليات معرض بغداد الدولي للكتاب، بدورته السادسة والأربعين، التي أطلق عليها وزير الثقافة الدكتور عبد الأمير الحمداني اسم الروائي الشهيد علاء مشذوب، الذي اغتيل قبيل انطلاق المعرض بأيام. وتحدث رئيس الجمهورية برهم صالح، في كلمته بعد افتتاحه للمعرض، عن أهمية الكتاب والمعرفة وأثرهما في رقي المجتمعات.
وتعتبر هذه الدورة – التي حلّت فيها السعودية كضيف شرف – هي الأكبر مقارنة بجميع الدورات السابقة في تأريخ المعرض، إذ اضطرت اللجنة التنظيمية الى توسيع القاعة الرئيسية فيه بإضافة قاعة جديدة بمساحة ١٠٠٠ متر من أجل توفير مساحة لجميع دور النشر المشاركة.
انفتاح على العالم
السيد (عبد الوهاب الراضي)، رئيس اللجنة المنظِّمة للمعرض، ورئيس اتحاد الناشرين العراقيين تحدث لمجلة (الشبكة) قائلاً: “أجزم أن هذه الدورة هي الأنجح في تأريخ معرض الكتاب، وتعد قفزة كبيرة بعد استتباب الأمن وتحرير كامل الأراضي المغتصبة من براثن الإرهاب، تضاف إليها محاولات دور النشر العربية للانفتاح على القارئ العراقي لما لهذا القارئ من سمعة طيبة بين قراء العالم.”
أما الروائي (أحمد سعداوي)، وهو أحد أعضاء اللجنة التنظيمية للمعرض، فقد تحدث عن جهود المنظمين الذين عقدوا اجتماعاتهم في وقت مبكر قبل الافتتاح، وذلك بوضع جميع الملاحظات المأخوذة عن السنوات السابقة من هفوات وإخفاقات، ومحاولة إصلاحها.
وعن الدعم المادي، قال سعداوي: “الدعم المادي مهم، لكن ما هو أكثر أهمية بلا شك هو الدعم المعنوي”، متمنياً أن يكون هذا المعرض ونجاحه إشارة انفتاح من العراق للعالم.
فيما أوضحت الكاتبة (شمم بيرم)، عضو في اللجنة المنظمة، أن هذه الدورة كانت مختلفة عن سابقاتها، من جميع النواحي، وأن اغلب الدور التي كانت متخوفة من الحضور، واكتفت سابقاً بإرسال إصداراتها كوكالات مع دور أخرى، شاركت هذه المرة بنفسها.
عملٌ تركيبي
امتاز معرض بغداد للكتاب بباحته الواقعة في مركزه، وما جعلها أكثر تميزاً هذه السنة، هو عمل تركيبي بعنوان (انبثاق النور) للفنان التشكيلي (ستار نعمة)، جسّده من خلال ستِّ دمىً بالحجم البشري لرجال ونساء على قواعد من الكتب، تم تغليفهن بأوراق انتزعت من بطون الكتب، وبرؤوس على شكل مرايا تعكس وجه كل من ينظر إليها! ليجد نفسه داخل العمل، يقول (نعمة) عن عمله: “ركزت في عملي على أن تكون مادة المعرض هي مادة عملي الفني، وهي الكتاب، وأيضا على مسألة التفاعل، من أجل أن يشعر المشاهد بأنه جزء من العمل، معتمداً فيه على بساطة الفكرة وعمقها.”
حفلات توقيع
ما أن تتجول في المعرض ستثيرك بلا شك حفلات توقيع الكتب، التي أضافت لجو المعرض حميمية ناتجة من لقاء الكتّاب وقرائهم، إذ شهد المعرض العشرات منها لروائيين وشعراء ونقاد وباحثين، منهم د. سعيد الغانمي، د. لؤي حمزة عباس، عبد الزهرة زكي، د. سنان أنطون، أحمد سعداوي، نزار عبد الستار، ومحمد غازي الأخرس، د. عبد الجبار الرفاعي، د. سلمان كيوش، أزهر جرجيس، واثق صادق، ورود الموسوي، ميثم عبد الجبار، علي وجيه، وغيرهم الكثير.
شارع أسود
أبرز حفلات التوقيع المقامة كانت حفلة توقيع كتب الشهيد المغدور علاء مشذوب، الذي كان من المزمع أن يوقعها الشهيد في هذا المعرض قبل اغتياله، إذ تجمع العشرات من زوار المعرض لاقتناء كتبه وبالأخص روايته الأخيرة (شارع أسود) كفعل احتجاجي على هذه الجريمة المروعة بحق كاتب وطني طالما نادى بحقوق العراقيين.
معرفة وترجمة وشعر
كما وأقيمت ضمن نشاطات المعرض، الذي حضره العديد من الشخصيات الثقافية والإعلامية العربية والأجنبية، عشرات الندوات الثقافية والمعرفية وجلسات شعرية ونقدية، منها (الرواية والعنف الأهلي) للروائيين الدكتور عبد الله إبراهيم، وأحمد سعداوي، و (العراق في كتابات المستشرقين) وحاضر فيها كل من: د. إبراهيم خليل العلاف، و د. ناصر الملا جاسم، و د. عامر عبد الله الجميلي، إضافة للعديد من الحوارات الثقافية والعلمية، فضلاً عن أكثر من عشر جلسات، عن الترجمة، والإعلام، ونشوء التنظيمات الإرهابية، والسرد، والفلسفة، وحاضر فيها العديد من المثقفين العراقيين والعرب، بينهم الإعلامي اللبناني زاهي وهبي، د. حسن ناظم، د. علي حاكم، د. هناء خليف، المترجمة خالدة حامد، د. علي عبود المحمداوي، ود. إسماعيل مهنانة (الجزائر)، إضافة لجلسات تضمنت قراءات شعرية، واحدة منها جمعت الشاعرين عبد الزهرة زكي، وطالب عبد العزيز.
آراء في المعرض
وفي حديث لمجلة (الشبكة) تحدث بعض ضيوف المعرض، منهم الإعلامي اللبناني (زاهي وهبي) الذي قال: “سعيد جداً لوجودي لأول مرة في بغداد، وقد سألني كثيرون كيف كتبت قصيدة بغداد وأنت لم تزر هذه العاصمة، فأجبتهم بأني أعرف بغداد جيداً من خلال ما زرعته في روحي وفكري وفي وعيي، عبر القصائد والروايات وكتب الفلسفة وكتب الفكر المختلفة، ومن خلال اللوحات التشكيلية والأغنيات وعشرات المبدعين العراقيين.”
أما الدكتور (سعيد الغانمي) فتحدث قائلاً: “المعرض مهرجان ثقافي كبير، وجهد واضح في التنظيم والحضور، وأعتقد أن الجمهور يجد متنفساً فيه ويرحب بهذا الانفتاح الثقافي الحاصل، واظن أن الجميع مسرورون في هذا الاحتفال الكبير.”
في حين قال الروائي (علي بدر): “إن تطور التنظيم الذي حدث هذا العام يؤكد وجود عقلية ونمط جديد من التفكير، والذي يضمن تفشي الاسترخاء داخل المجتمع العراقي الذي عانى كثيرا نتيجة الحروب والصراعات”، مؤكداً قدرة الثقافة على بناء سلم أهلي في المجتمع العراقي.
أملٌ جديد
الروائي (سنان أنطون) قال في حديثه لـ (الشبكة): “المعرض يبدو جيداً وهناك حضور قوي وتنظيم ممتاز، طبعاً هناك بعض الهفوات ولكن هذا طبيعي في فعالية بهذا الحجم وفي ظل هذه السياقات الصعبة أيضاً، وكما نرى فإن هناك أقبالاً جماهيرياً جيداً وبالأخص من الشباب وهذا مهم جداً، وهناك تفانٍ من الإخوة المنظّمين وهو مايجعلني أشعر بالأمل، وأنا متأكد بأن الدورات المقبلة ستنجح أكثر.”
فيما تحدثت الكاتبة المصرية (سماح الجمّال) عن هذا المعرض قائلةً: “كانت فكرتي عن العراق مغايرة بسبب الإعلام، لم اتوقع أن أجد هذا الكم الهائل من الشباب المتعطش للقراءة، كنت قلقة ومتخوفة، لكن بغداد رائعة والمعرض مزدحم كل يوم وكأنه اليوم الأول.”
أما الناشر اللبناني (علي وهبة) فتحدث عن صحة مقولة (مصر تكتب، ولبنان تطبع والعراق يقرأ)، مشيراً إلى أن هذا المعرض أثبت دقة هذه العبارة، من خلال تزايد نسب المشاركين في المعرض مقارنة بالدول العربية الأخرى، والتي يتصدرها بالطبع القارئ العراقي.
وتحدثت الكُتبية (براء البياتي)، صاحبة دار براء للنشر والتوزيع، عن المعرض، موضحةً بأن هذه الدورة شهدت مشاركة أكثر بثلاثين بالمئة عن الدورة السابقة، مشاركة فاقت التوقعات بحسبها، مشيرةً إلى أن واحداً من أسباب نجاح هذه الدورة هو توقيته الذي صادف في العطلة الربيعية، حيث يتمتع الطلبة بعطلتهم الربيعية.
أنا عراقي أنا اقرأ
وكانت لمبادرة (أنا عراقي انا اقرأ) التي ذكرها رئيس الجمهورية برهم صالح في كلمة الافتتاح، باعتبارها واحدة من الفعاليات الثقافية المهمة، والتي أثبتت حضورها كنشاط ثقافي سنوي، حصة في معرض الكتاب، حيث التقينا برئيس اللجنة التحضيرية للمبادرة، الزميل (عامر مؤيد)، والذي كان يقف مع رفاقه قرب صندوق تبرعات المبادرة، مؤيد قال: “نقف هنا من أجل جمع تبرعات الكتب التي يقدمها زوار المعرض للمبادرة، وذلك من أجل توزيعها مجاناً في مهرجان القراءة (أنا عراقي أنا اقرأ) المزمع عقده منتصف شهر نيسان المقبل على حدائق أبي نواس”، مشيراً إلى أنهم يطمحون إلى أن يصل مجموع الكتب المهداة للمهرجان الى أكثر من 25 ألف كتاب، مبيناً أن بعض الدور المشاركة في المعرض تبرعت بنسخ كثيرة للمبادرة، منها دار سعودية، ودار ومكتبة عدنان بألف عنوان، متمنياً استثمار وجود المعرض للوصول إلى الرقم المطلوب، مضيفاً: “كما ستتم طباعة ٥٠٠ نسخة من الرواية الأخيرة للروائي الراحل سعد محمد رحيم، والتي وجدت في حاسوبه الشخصي بعد وفاته، إضافة لكتب الشهيد المغدور علاء مشذوب، وسيتم توزيع جميع هذه الكتب في يوم المهرجان.”
امتازت دورة هذا العام بأمور كثيرة، وحضرها نجوم عراقيون وعرب وأجانب، لكن النجم الأبرز لهذا الحدث كان الجمهور العراقي، حيث توافدت العوائل العراقية بزخم كبير عليه، جمهور لم يأتِ للفرجة فقط، وإنما لاقتناء الكتب والمشاركة في الندوات واللقاء مع كُتّابهم المفضلين، وهو ما جعل أغلب ضيوف العراق يندهشون من كمّ الحفاوة بهم في العراق، العراق الذي حاول الإعلام المعادي تصدير صورته على أنه أرض حروب وقتل وذبح، وتغيير هذه الصورة لضيوف العراق، هو الهدف الأسمى بالنسبة للقائمين عليه وللعراقيين جميعاً.