آثار خلّدها التاريخ وسرقها الأوباش

887

خضير الزيدي /

انطلقت فكرة تأسيس المتحف العراقي عام 1923، ويعود الفضل الأول في الاهتمام بالآثار واللّقى والمنحوتات القديمة إلى السيدة بيل الباحثة الآثارية البريطانية التي أثارت اهتماماً كبيراً عند تواجدها في العراق إبان تشكيل الحكومة العراقية، فقد أصدر الملك فيصل الأول قراراً بتعيينها مُديرة فخرية للآثار القديمة بصورة مؤقتة.

وساعدت هذه المرأة على إنشاء ذلك المتحف الذي بلغت مساحته 45 ألف متر مربع ليتكون فيما بعد من أقسام متنوعة تضم مكتبة تتألف من قاعة للمحاضرات ومخازن للآثار لأجل الاحتفاظ بالمنحوتات. نظمت تلك المخازن في ثلاثة طوابق يشغل كل واحد منها مساحة (140 × 28 ) متراً، حيث أن المكتشفات الأثرية تجاوزت في تلك الفترة المئة ألف قطعة تعود للعصور السومرية والبابلية والحضارة الفرثية الحضرية بالإضافة إلى المسكوكات والنقوش العائدة للحضارة الإسلامية.

خزانات ألمانية

الكنوز الآثارية دفعت القائمين على المتحف أن يتوخّوا الأساليب العلمية والفنية الحديثة في عرضها، ما استوجب جلب خزانات ألمانية الصنع لمتانتها وتصميمها وفق أحدث الطرق، وكانت مركّبة من قواعد معادن مع زجاج خاص، وبعد ذلك تم تنظيم الآثار في تلك القاعات ضمن تسلسلها الزمني (الكرونولوجي).

وفقاً لهذا الترتيب، اقتضى الأمر أن تصنف المعروضات من اللّقى والمنحوتات بكل أحجامها الكبيرة والصغيرة إلى مجاميع ضمن مراحلها التاريخية. وعليه فقد توفرت لهذا المقتضى عشرون غرفة ابتداءً من العصور الأولى في الطابق العلوي تليها الحضارة السومرية فالبابلية ومتبقيات الحضارات اللاحقة.

المصنفات الآثارية

شهدت بغداد الافتتاح الرسمي للمتحف العراقي في التاسع من تشرين الثاني عام 1966 بعد أن ضاق موضعه الأول بكثرة الكنوز الأثرية المكتشفة ما جعل التفكير قائماً بتوسيعه وإيجاد مكان بديل وهو المتعارف عليه اليوم، فقد وضع تصميم المتحف احد المهندسين الألمان، بينما نفذته إحدى الشركات اللبنانية التي بدأت خطواتها عام 1957 وانتهت منه عام 1963 . وفي تلك الفترة عرضت المنحوتات بشكل منظم وفقاً لترتيب القاعات الأولى والثانية والثالثة وكل قاعة تحتوي على خزانات مرقمة هي الأخرى بشكل تسلسلي يتم فيها وضع النماذج لكل مرحلة، حيث ابتدأ السياق الأول بحضارة العصور الحجرية وعصور ما قبل التاريخ، ويتابع الزائر مختارات من حضارات مدن العراق التي تمثل منتصف الألف الرابع قبل الميلاد.

وجدت في هذه القاعة اثنتان وعشرون خزانة ضمت فخاريات عصر الوركاء وفخار عصر العبيد وهياكل عظمية وأدوات من دور حسّونة وزخارف هندسية ملونة ومقابض خشبية كالمناجل والأدوات الابتدائية ومن حضارة العصر السومري، فالمتحف كان حافلاً بما يحتويه من آثار راسخة في القدم مثلما هي عطاء فني وجمالي من تماثيل وألواح وحلي من الذهب والفضة مع وجود وجه لامرأة سومرية من الرخام الأبيض وقطع من نفائس ثمينة.
وقد أشار القائمون على المتحف بأن الغالب منها يرتقي إلى مرحلة زمن (3000) قبل الميلاد، أما حضارة العصور الأكدية والبابلية والكيشية فقد رتبت بشكل لافت تم التقسيم فيها إلى معروضات القاعة البابلية المحتوية على ثمان وعشرين خزانة من الفخار والاختام الاسطوانية والصور التي تميزت بالدقة يضاف لها الاكتشاف المهم للمسلة من الرخام الشمعي وتماثيل من العاج وفخار مزجج بشكل فني وألواح تعود للعهد الكيشي.

المسكوكات الإسلامية

جدير بالذكر أن اغلب تلك الخزانات يرجع زمنها إلى (2350 _2159 ) قبل الميلاد. وفيما يخص المسكوكات الإسلامية فقد صنفت إلى نوادرها مع مراعاة زمن حكم الخلفاء والسلاطين والملوك، وقد كانت للمسكوكات المضروبة على الطراز الساساني (226 _651 ) أهمية كبيرة ضمن المتحف العراقي، ومنها درهم الحجاج بن يوسف الثقفي الذي ضرب في نيشابور سنة (78 هجرية )، أما عن الطراز البيزنطي فهناك فلس باسم عبد الملك بن مروان ضرب في حمص وكان رقمه في سجل المتحف. (10 _ ص ).

لم يقتصر الأمر على هذا الترتيب بل توجد دراهم الخليفة هارون الرشيد والمعتمد بالله ومجاميع من مسكوكات ذهبية وفضية ترجع للدولة الطولونية والدولة الإيليخانية، وهكذا حتى يتوقف الزائر عند مسكوكات الدولة العثمانية والتي تشكل أهمية كبيرة فيما لو قورنت بمحتويات المتحف العراقي الذي عبثت فيه يد الاحتلال وسرقت ممتلكاته، وخاصة الأرشيف اليهودي.