آية حسن.. بمادة الطعام تروي القصص والحكايات
آية منصور /
لعل جائحة كورونا، وبحجم ما تركت لنا من خيبات وأزمنة متقطعة، إلا أن بعض الأشخاص المميزين قرروا أن ينمّوا قدراتهم المدهشة، وإضافة مزيد من الحب إلى هذا العالم بتفاصيل بسيطة. وهذا ما فعلته (الشيف) آية حسن، التي استغلت بذكاء ومهارة كبيرين فترة الحجر الصحي المنزلي للبدء بهواية قد تبدو غريبة بعض الشيء، هي صنع الكيك المقاوم للجاذبية!
أحبت آية حسن -وهي خريجة معهد فنون جميلة- أن تطور فكرة صنع الكيك والقوالب الجاهزة التقليدية، لتبدأ فكرة صنع تصاميم غريبة وفريدة من نوعها، إذ تعتمد آية في صناعتها على تحدي الجاذبية، بأن تصنع الكيك على قاعدة ضيقة للغاية، ثم يصبح حجمه تدريجياً أضخم وأضخم، تتحدث قائلة:
– كنت أواجه صعوبة بالغة في بادئ الأمر، ذلك أن هذا الكيك يحتاج إلى دقة واتزان عاليين، فأنا أعتمد في صنع الكيك على قاعدة تكون ضيقة جداً، والتحدي يكمن في كيفية موازنة حجم كبير من الكيك على هذه القاعدة الصغيرة.
محاولات وحسب
على أمل أن لا تقع، أو تتكسر، قطع الكيك فوق بعضها، وبعد محاولات عدة ودعم كبير من والدتها وزوجها، تمكنت آية بعد مدة ليست بالقصيرة من صنع أول كيكة. تقول بابتسامة كبيرة: أول عمل أنجزته كان كيكة الأرنب لتحدي الجاذبية وكانت مجازفة بالنسبة لي، إذ خشيت عدم إتقانها أو فشلها، كانت صعبة جداً كمرحلة أولى لكني وفقت وأنجزتها، ليصبح شغفي مهنة لي.
ما يميز كيك آية عن سواه، حسب قولها، هو تجسيد القصص الواقعية أو الخيالية في هيئة كيكة وإضافة الفن إلى المحتوى، لتتميز بشكل جميل وقصة معبرة. تضيف: ابتكاراتي أجسدها من تجارب حياتي والعالم من حولي، لأنتج قصة ملهمة وجذابة، وقد صنعت كيكة على شكل لوحة يخرج منها البحر، وأخرى على شكل زهرة تقف على ساق رفيع، أنا أصنع ما أحب.
كيك مقاوم للجاذبية!
فكرة الكيك المقاوم للجاذبية، التي صادفتها آية أثناء مشاهدتها للمواقع الأجنبية لتعليم الطبخ وفنونه، جعلتها تبحث أكثر عن مصادر وكتب عالمية تطور قدرة المرء على إتقان هذا الفن الذي يبدو صعباً للغاية، والأمر كما تؤكده آية هندسة فيزيائية فنية بحاجة إلى تصميم وتفكير، ووزن، وكتلة، فكما ترى أن من غير الممكن أن تسند كتلة كبيرة من العجين على خيط رفيع وصغير ولا تنهار. لكن الموازنة التي تعتمدها آية تجعل المستحيل ممكناً.
تكمل حديثها بالقول: أضحك كلما فشلت في تركيب قطع الكيك مرات عدة، لكني لا أيأس، أجمل ما قد أعيشه في مهنتي هو سلسلة المحاولات حتى أنجح.
مشروع أولي محبط
في بدايتها، كانت آية تصنع قوالب الكيك وتبيعها عبر السوشيل ميديا في ولاية يلوا بتركيا، وكانت بدايات بسيطة جداً لعمل الكيك وتصاميمه، وبعد مدة من الزمن تمكنت من توسيع فكرتها، وأنشأت مشروعاً خاصاً بها، لكنه لم ينجح بسبب الضغوطات التي واجهتها وكثرة الضرائب. تضيف: أنهيت مشروعي الذي أنفقت كل شيء عليه تقريباً، ثم عدت إلى بلادي، واستنتجت أن الغريب سيظل غريباً مهما طال الزمن بهِ.
وفي العراق نجح مشروع آية على نحو حتى هي لم تتوقعه، وتؤكد أنها صارت تنتج كثيراً من الكيك، وأنها تشعر بالسعادة لهذا الأمر، لكن الأمر ليس سهلاً، فالكيكة الواحدة غالباً، قد تستغرق أياماً من العمل. تقول: أقل وقت يمكن أن أستغرقه في صناعة كيك الجاذبية هو 6 ساعات، وأكثر وقت قد يبلغ أربعة أيام، ولأنني أحب عملي فإنني أستمتع بكل ساعة عمل.
أحاديث مختلفة عن كيك واحد
تقول آية إن أشخاصاً كثيرين يظنون أنني أستخدم الفلين، أو النايلون، ولا يصدقون أن ما أعرضه هو كيك خالص، اذ يتميز كيك الجاذبية بأنه كيك مع حشوات متعددة، وكل شيء فيه قابل للأكل ولا وجود لأي فلين أو مواد غير قابلة للأكل. تضيف: لربما هذا هو سر نجاح كيك الجاذبية لما يحتويه من قطع مختلفة من الكيك والحشوات المتنوعة.
وتوضح: إن بعض الزبائن غير قادرين على استيعاب فكرة أن يقضي الشخص ساعات أو أياماً لأجل صناعة كيكة ستؤكل أولاً وأخيراً، وتضيف: إن الكيك الغريب والفريد من نوعه يدخل في تاريخ الشخص وذكرياته بالصور التي تُلتقط أثناء المناسبة، فهو مثل الأطعمة الشهيرة التي يتجشم المرء العناء لشرائها، كما يكفي أحياناً أن يكون الشخص سعيداً، ولو للحظات، برؤية كيكة تشبه أفكاره وما يحب.
دعمٌ ودقةٌ وتفانٍ
تتلقى آية دعماً كبيراً من والدتها في تنظيم وقتها بالعمل، ومساعدتها في رعاية أسرتها، وعند تصميمها كيكة جديدة تمر بمراحل عدة، أولاها رسم تصاميم كافية، ثم اختيار المناسب منها، ثم رسم القالب، ثم انشاؤه، فتحديد الوزن المستحق والكتلة الكافية لهذا القالب، وأخيراً صنع الكيكة، والنحت، الذي تعده أحب الخطوات إلى قلبها، اذ تطلق العنان لخيالها بالرسم والتلوين، وتشكيل الكيكة وتحويلها إلى قطعة فنية.
تختم آية حديثها قائلة: اعتدنا أن نرى الكيكة فوق قوالب رتيبة، لم لا نرفعها قليلاً ونحركها؟