أبرز ما لفت انتباهي في العراق: النظافة والالتزام بالنظام!

1٬104

ارشيف واعداد عامر بدر حسون : بقلم الآنسة- تحيات رياض/

انتظمت الوحدة العربية في بلاد الشرق العربي قاطبة، والعراق في رأسها، وقد سافرت الى القطر الشقيق لتدريس اللغة الانجليزية في مدرسة الموصل الثانوية للبنات، فرأيت ان أكتب عن بعض مشاهداتي في ذلك البلد العربي الشقيق.

عندما وصلنا الى حدود العراق في طريقنا اليه، أحببنا أن نملأ(الترموس) ماء فلقينا أعرابياً في طريقنا، ولما أردنا مخاطبته التزمنا أن يكون حديثنا معه باللغة العربية الفصحى فقلنا له:

– هل لك يا صاح أن تدلنا على مكان الماء؟

فما كان منه إلا أن حدق في وجوهنا دون ان يفهم شيئا، وإن كان قد أبدى روح المساعدة، وحاول بكل الطرق أن يفهم ثم قال لنا:

– تريدون ماي؟

أقنعتنا هذه العبارة بأن لكل قطر عربي لهجته الخاصة، ومما لاحظناه كذلك أن أكثر أهل العراق يتحدثون بلهجة الصعيد المصري من (جال) و(جلنا) كما أنهم يخاطبون المرأة بقولهم (حضرتج) أي (حضرتك) فكاف المؤنث عندهم “ج” أما أهل الموصل فلهجتهم أقرب الى العربية الفصحى، وهم يعيبون علينا، نحن المصريين، ان نبدل القاف ألفاً. وفي طريقة سلوك ذلك العربي الذي أرشدنا الى الماء تتمثل روح العراق كله، فهم أهل همّة ونجدة لا يجدون غريباً الا ويبادرون الى مساعدته، وخاصة المصريين، فإنهم يفتحون أمامهم أبوابهم ويغمرونهم تكريماً وحفاوة رغبة في تقوية أواصر المودة والأخوة بين البلدين.

والعراقيون أهل مرح، إلا أنهم لا يضيعون أوقاتهم في اللهو، فهم يفرقون بين وقت العمل ووقت اللهو، وتراهم يقبلون على الأفلام الموسيقية، وربما يرجع هذا الى روح بغداد الساحرة العظيمة على عهد هارون الرشيد وتجتذبهم الأفلام المصرية أيما اجتذاب فتلقى من الإقبال اكثر مما تلقاه في مصر.

ويمتاز العراق بالنظافة في طرقاته التي قد خلت من اولئك المتسكعين، لذلك تجد الطريق كله في حركة دائمة ونشاط موفور، وقلّ أن يعترض طريقك متسول، ومن العجيب ان ليس في العراق ذباب كثير، ويرجع هذا فيما أظن الى شدة الحرارة.

ولا يسعك إذا أقمت في العراق إلا أن تنجذب الى أهله ويجرفك تيارهم فتجد نفسك مرغماً على ان تخاطبهم بلهجاتهم وتقيد نفسك بموائدهم، وسرعان ما تتعود مثلهم شدة الحر. وفي الصيف تصبح اكثر دور السينما صيفية، وينام العراقيوم صيفاً على أسطح منازلهم، وفي اول عهدي بالعراق احتججت على هذه العادة ونمت في حجرتي، وكانت النتيجة أني لم أذق طعم النوم لشدة الحر على الرغم من أن جميع النوافذ مفتوحة.

وبعد منتصف الليل تعتري الجو برودة لذيذة لا يسعك معها إلا أن تسحب الغطاء على بدنك، حتى اذا اشرقت الشمس في الخامسة صباحاً نهضت لتعوض ما فاتك من النوم باغفاءة القيلولة في السرداب وهو أشبه ما يكون بالبدروم.. ويتكون من حجرات تحت الارض وجدرانه وأرضه كلها مغطاة بالرخام ما يساعد على تلطيف الجو حيث تنام ما شاء لك، ولكل منزل فناء في وسطه يجتمع فيه أهل المنزل بعد العصر لتناول الشاي. وكثيراً ما يذهب الأهلون ومعهم عشاؤهم “المسكوف” وهو السمك المشوي وكذلك موسيقاهم الى النهر فترى النهر عامراً بالموسيقى تسبح فوق أمواجه ناعمة هادئة.

وفي المدن تجد الأزياء خليطاً، هذا يلبس الكوفية والعقال، وهذا يلبس الملابس الافرنجية، وقلّ ان تجد من يلبس طربوشاً واكثرهم يلبس “السدارة” وهي غطاء الراس الذي أدخله المغفور له الملك فيصل الاول.

اما النساء فلا يخطر على بالك انهن يرتدين ذلك اليشماك الأبيض الذي امتازت به سيدات الحريم فيما مضى، ولكنهن يرتدين العباءة السوداء، والفتيات لا يستعملن –التواليت- إلا بعد ان يتزوجن. وهكذا اذا كشفت عما تحت العباءة وجدت سيدة في أتم أناقتها، ولكن هذه الأناقة والزينة محجوبتان بهذا الغطاء.