أعياد نوروز… بهجةٌ يومٍ عاشهُ العراقيون القدامى

902

خضير الزيدي /

ما أن تقرأ تاريخ العراق القديم وأساطيره حتى تأخذك شعائر الأعياد والمناسبات الدينية إلى معرفة حياة تلك الشعوب سواء السومريون منهم والبابليون ومن جاء بعدهم.
وبما أن المعابد والهياكل العظيمة شهدت إحياء مناسبات الأفراح في حقب متعددة فقد تميز السومريون والبابليون بكثرة الاحتفالات وشهدت مرحلتهم انفتاحاً واختلافاً في المناسبات. فقد ذكر أكثر من مؤرخ ومهتم بأساطير وملاحم بلاد الرافدين أن عيد نوروز، أو نيروز مثلما يذكر في مصادر مختلفة، هو أقرب نشأة الى لعهد البابلي منه لشعوب أخرى. وبما أن تأثير تلك الحضارة على البلدان القريبة كان ذا سطوة كبيرة فقد تقاربت أجواؤهم الاجتماعية في أشكال الاحتفاء بالمناسبة. ويرجح الغالب من المختصين في الأنثربولوجيا وتاريخ الأديان إلى أن السومريين احتفلوا بهذا اليوم وعدّوه بداية لمرحلة التقويم لهم. وهذه المصادر ترجح للقارئ اليوم أن تاريخ الحادي والعشرين من آذار لم يختص بالكرد والإيرانيين وبلاد القوقاز فقط إنما هو مناسبة عراقية قديمة ذكرتها مصادر الكتب. ومما يلفت النظر هنا أن إحياء هذا اليوم بات من الطقوس الدينية والاجتماعية لأن جزءاً كبيراً من بعض الشعوب تجعله مناسبة للتطهير الروحي مثلما تجعله عيداً ذا بريق اجتماعي ومناسبة للابتهاج والاحتفاء بالطبيعة.
الظاهرة الاجتماعية لهذا اليوم
ما أن يسمع الغالب منا بهذا اليوم حتى يخيل إليه أنه احتفال كردي خاص مثلما هو فرح للشعب الإيراني، وخاصة ما يمثله في الديانة الزرادشتية السابقة، ولكن البعد الاجتماعي وتداخل الأفراد والحياة اليومية العصرية حسمت لنا الأمر فوحّدت جميع الأطياف لتبتهج فرحاً بالمناسبة، وهذا ما جعل قسماً من العرب يميلون لنفس التصرفات التي يحييها الإيراني والكردي، فما يجمع بين تلك الناس هي لحظة التوحد مع الطبيعة وجمالها الخلاب. لهذا نرى الاحتفاء خارج المنازل ذا صبغة عاطفية تميل لروح التسامح والتعايش السلمي، فمناسبة نيروز تفرض جواً مختلفاً، حيث الطبيعة وبداية تقويم جديد يجعل للنيران الملتهبة عودة إلى لحظة الانتصار الموعود في أساطير وحكايات كردية وإيرانية دوّنتها سجلات الملاحم وعادات الشعبين، فنرى الملابس الكردية بألوانها البرّاقة والدبكات والرقص. والعودة إلى الموروث هو جزء من تصور الفرح إذا لم يكن كل الفرح ومن يعرف نفسية الفرد الكردي سيجد أن لهذا التاريخ وقعاً وتأثيراً كبيرين فهو عيد وطني واجتماعي، ولعل أساطير الحكاية القديمة التي تشير إلى الانتصار ودحر الظلم وكسر حاجز الخوف والتوق إلى الحرية هي السبب الرئيس لذلك.
شكل المائدة
ثمة ما يلفت الانتباه لما سيعمل عليه المحتفون بهذا العيد، إذ نرى جواً مختلفاً أمام مائدة طعام أعدت مسبقاً، والتي تسمى عند الإيرانيين بسفرة (ي هفت سين) أي سفرة السينات السبع فتوضع عليها سبعة أنواع من الطعام مبتدئة بحرف السين وهي كما متعارف عليه: سبزه وتعني الخضرة، وسركة بمعنى الخل، وسنجد ثمرة يقال أنها تشبه التمر وبينها سمنو والذي هو نوع من الحلوى الإيرانية، وسيب أي التفاح، وسير أي الثوم، وسماق وهو نوع من البهار. وقد لا نستغرب إذا كان الاعتقاد بحرف السين له دلالة روحية فما يتعارف عليه عند المتصوفة بأن للحرف قيمة روحية وهذا بحد ذاته يعيدنا إلى أصل الاحتفاء بالمناسبة بطقسيها الديني والتراثي.
ما الذي يدل عليه هذا اليوم؟
ثمة ما يشير إلى أن الحياة تحمل سحر الأجواء الاجتماعية ولعل مناسبة مثل عيد النيروز تفرض علينا أن نجدد الحب بيننا ونقيم للطبيعة والاحتفاء بها وزناً مختلفاً، فالبلدان الحيّة تجدد تراثها وتعيد فكرة ملاحمها، وما أن تتذكر الحرية الفردية حتى تقول في قرارة نفسك لنرقص حيث يرقص الكردي فهو أقرب للجبل والشلال وأشجار التفاح من غيره. واحتفال نيروز يجعلنا نشاركه مائدة طعام تبدأ بحرف السين ولا تنتهي إلا بحروف المحبّة والتعايش، فتاريخ بابل وسومر وأكد جددته أمم قريبة أعادت إليه صورة التقليد وإحياء الموروث فاكتسب شكلاً يرتبط بالفرح ويمثل حافزاً للتعطش للبقاء قرب الطبيعة. وبما أن جمال إقليم كردستان تحفّه الجبال العالية فليصعد كل من يريد العودة إلى ذلك الموروث الشعبي وعليه أن يحيي يوم الحادي والعشرين من آذار وهو مليء بالفرح وتأمل ما سترتديه المرأة الكردية من ثياب براقة.