أكثر من يتعرض للإشعاع الكوني هم رواد الفضاء

851

ترجمة: آلاء فائق/

أصبح المسافر ورجل الأعمال (توم ستوكر) خلال شهر نيسان الماضي من أكثر مسافري النقل الجوي في العالم، فقد سجل هذا الرجل 18 مليون ميلاً جوياً على متن شركة الخطوط الجوية الأميركية على مدى الـ 14 سنة الماضية.

هذا يعني تمضيته للكثير من الوقت بالجو، فلو كانت سلوكياته السفرية نموذجية أسوة برحلات رجال الأعمال الجوية الأخرى، فهذا يعني أنه قد تناول 6,500 وجبة طعام على متن الطائرة، وتناول خمسة آلاف و250 مشروباً كحولياً، وشاهد آلاف الأفلام التي تعرض خلال رحلات الطيران الجوي.

وفوق هذا وذاك، فقد تراكمت في صدره أيضاً جرعة إشعاعية تعادل نحو ألف مرة من أشعة x-ray السينية، ولكن ما هو نوع المخاطر الصحية التي يسببها هذا الإشعاع حقاً؟

أشعة كونية تهاجمك

قد تخمّن حتماً أن جرعة الإشعاع التي سيتلقاها الشخص الدائم السفر ستأتيه من نقاط التفتيش الأمنية بالمطار والمتمثلة بماسحات الجسم الضوئية وأجهزة الأشعة السينية الخاصة بفحص الأمتعة، ولكن تخمينك ليس بمحلّه. حيث أن الجرعات الإشعاعية التي يتلقاها المسافر من هذه الإجراءات الأمنية ليست بالخطورة التي تذكر.

فالمصدر الرئيس للتعرض للإشعاع من السفر الجوي يأتي من الرحلة نفسها. وذلك لأنه في الارتفاعات الشاهقة عن مستوى سطح البحر يصبح الهواء أخف. والأكثر من ذلك ما سيأتيك من سطح الأرض، وجزيئات الغاز الأقل الموجودة هناك وفقاً لحجمِ الفضاء. وبالتالي فإنه كلما خف الهواء، كلما قلت الجزيئات القادرة على تشتيت الأشعة الكونية القادمة، وإشعاع الفضاء الخارجي. مع أقل حماية جوية، ما يعني تعرضك للمزيد من الإشعاع.

أكثر المعرضين للإشعاع الكوني هم رواد الفضاء، فهم يسافرون تماماً خارج الغلاف الجوي للأرض ولا يتمتعون بأية حماية وقائية. ونتيجة لذلك، فهم يتلقون جرعات إشعاعية عالية. والواقع أن تراكم الجرعة الإشعاعية هو العامل المحدد للحد الأقصى لطول الرحلات الفضائية المأهولة. فالمدة الطويلة جداً التي يمضيها رواد الفضاء خارج الغلاف الجوي تعرضهم لمخاطر إعتام عدسة العين والسرطان وأمراض القلب المحتملة حال عودتهم لديارهم.

مخاطر إشعاع الطيران المتكرر

إذن، ما هي كمية الجرعة الإشعاعية التراكمية التي تعرض لها ستوكر وما هي مخاطرها الصحية عليه؟

ذلك يعتمد كلياً على مقدار الوقت الذي أمضاه في الجو. على افتراض أن متوسط سرعة الطيران هي 550 ميلاً في الساعة، فإن ستوكر قطع 18مليون ميل، تترجم إلى 32.727 ساعة، أي ثلاث سنوات وسبعة أشهر من وقت رحلاته الجوية.

معدل الجرعة الإشعاعية النموذجية لعلو وارتفاع رحلات شركات الطيران التجارية هي عادة ما تكون على ارتفاع 35 ألف قدم عن مستوى سطح البحر، أي بمعدل إشعاعي يقدر بنحو (0.003 ملي زيفرت بالساعة). وكما أوضح تيموثي جورغنسن بكتابه “الوهج الغريب”، فإن المللي زيفرت Sievert أو ما يعرف اختصاراً بـ mSv هي وحدة لقياس جرعة الإشعاع المكافئة التي يمكن استخدامها لتقدير خطر السرطان.
وبضرب معدل جرعة الإشعاع بساعات وقت الرحلة، يمكننا أن نرى أن ستوكر قد عرض نفسه لنحو 100 مللي زيفرت من الجرعة الإشعاعية، فضلاً عن تمتعه بالكثير من تذاكر رحلات شركة يونايتد إيرلاينز المجانية، ولكن ما مدى تأثير ذلك على صحته؟

أن التهديد الصحي الأولي لمستوى تأثير هذه الجرعة هو زيادة خطر إصابته ببعض أنواع السرطان بسنوات عمره الأخيرة. وقد سمحت الدراسات التي أجريت على ضحايا القنبلة الذرية والعاملين بالمجال النووي ومرضى العلاج الإشعاعي للعلماء والباحثين بتقدير خطر الإصابة بالسرطان لأية جرعة إشعاعية مهما كانت صغيرة.

والأهم من ذلك كله أننا لو افترضنا أن الجرعات المنخفضة لها مستويات خطر تتناسب مع الجرعات العالية، ثم أن معدل خطر الإصابة بالسرطان من 0.005 بالمئة لكل مللي زيفرت هو تخمين وارد عموماً، فإن جرعة ستوكر البالغة 100 مللي زيفرت ستزيد من خطر احتمالية تهديد حياته بالإصابة بسرطان مميت بنحو 0.5 بالمئة.

دراسة خطر الإصابة

تكمن المشكلة فيما اذا كان هناك مستوى عالٍ من الخطورة، ليطغى إحساسك الخاص على خلفية الظروف التي مررت بها والتي قد تزيد من خطر إصابتك بالسرطان لا سمح الله.

معظم الناس تقلل من مخاطر تقديرها الشخصي للوفاة بالسرطان. رغم عدم وجود عدد دقيق، لكنه من الإنصاف القول إن نحو 25 بالمئة من الرجال يصابون بنهاية المطاف بسرطان مميت. خطر تعرض ستوكر للسرطان نتيجة الإشعاع والتي هي بنسبة 0.5 بالمئة ينبغي أن تضاف لحد الخطورة الأدنى، حيث ستبدأ الخطورة من 25 – 25.5 بالمئة. علما أن زيادة خطر الإصابة بالسرطان بهذا الحجم الضئيل جدا يجب أن تقاس فعلياً بأية طريقة علمية، لذلك فإن زيادة خطر الإصابة يجب أن تبقى زيادة نظرية.

وقد أمضى ستوكر المزيد من ساعات الطيران في السنة الواحدة (أكثر من ألفي ساعة في السنة)، أي اكثر من معظم الطيارين الذين يسجلون عادة (أقل من ألف ساعة بالسنة ). وبالتالي فإن هؤلاء العاملين في مجال الطيران ستكون لديهم مستويات خطر أقل نسبياً من ستوكر نفسه.

الأشعة الكونية ودرب التبّانة

والأشعة الكونية هي عبارة عن جسيمات عالية الطاقة، منشؤها الفضاء الخارجي. ويعتقد العلماء أن هذه الأشعة تملأ درب التبانة، اسم المجرة التي ننتمي إليها وتسمى أيضاً درب اللبّانة. وتتكون الأشعة الكونية من جسيمات تحت ذرية تحمل شحنة كهربائية، تماماً مثل البروتونات والإلكترونات ونوى الذرات. وتتحرك هذه الجسيمات في الفضاء الخارجيّ بما يقارب سرعة الضوء.

والأشعة الكونية موجودة باستمرار وتصيب كل الأحياء على الأرض، ولكن قدرها قليل ولا يهدد الحياة على الأرض، فهي في صحبتنا دائماً منذ الخليقة، وتقل هذه الأشعة عند اختراقها لطبقات الأرض حيث تمتصها الأرض والصخور حتى تختفي عند أعماق تحت الأرض تقدر بنحو 1000 متر.

عن/موقع صالون، تيموثي جي جورغنسن