أماكن وشخوص
باسم عبد الحميد حمودي /
حبيب العجمي والكاريات
في مدخل إعدادية الكرخ للبنين ينتصب مبنى مهيب هو مرقد رجل الدين المتصوف حبيب العجمي، وقد كان هذا المرقد متواضعاً في الأيام الخوالي، أيام خمسينات القرن الماضي. في سنوات الأربعينات من القرن الماضي كانت تقع الى شماله الشرقي على مسافة مئتي متر تقريباً قيصرية كبيرة تحوي عربات السكة الحديد التي تبدأ من هذا المكان لتنقل الراغبين من الزوار بـ(الكاريات) من مجاور مرقد الولي الصالح (حبيب العجمي) الى ساحة باب الدروازة في الكاظمية لزيارة مرقدي الإمامين الكاظمين عليهما السلام.
كان (الكاري) الواحد عبارة عن عربة تسحبها الخيول على السكة التي تمتد مخترقة محلات الكرخ القديمة وباب الكاظم، مجتازة منطقتي الشالجية والعطيفية حتى دخول الكاظمية.
كان الكاري الواحد (بالكاف الأعجمية) مكوناً من طابقين وثمن الركوب (آنة) واحدة و(الآنة) قيمتها أربعة فلوس، فإذا اشتد وقت الزيارة الكاظمية يومي الخميس والسبت، أخرجت إدارة (الترام-الكاريات) عربة بخارية تسمى (الطرزينة) لتسحب عربتي ترام او ثلاثة توخياً لاستيعاب زخم الزوار وللإسراع في إيصالهم.
كان طريق السكة يمر بمحلات رأس الجسر والسوق الجديد والست نفيسة والتكارتة والسوامرة والعيثاويين والجعيفر ليدخل باب الكاظم حيث بساتين العطيفية.
أسس الترام الوالي العثماني المصلح مدحت باشا عام 1871 وتم رفعه عام 1947 من قبل وزارة السيد محمد الصدر، وتم تبليط الشارع من قبل شركة (ومبي) الإنكليزية تبليطاً حديثاً.
كانت فتيات بغداد يزرن مسجد حبيب العجمي مغرب كل خميس ويشعلن الشموع طلباً للمراد وهن يغنين: جينا نزورك ياحبيب العجمي
شمعة ابطولك ياحبيب العجمي
فإذا نالت الفتاة المراد جاءت مع بعلها او خطيبها وملأت حائط الولي الصالح حناء شاكرة وفرِحة.
فرس ياقو في ألقوش
اشتهر الطبيب الشعبي ياقو حكيم في مدينة (ألقوش) ببراعته في الطب، ويوم أصيبت زوجة أمير اليزيدية سعيد بك عام 1931 بإطلاقتين ناريتين من قبل خادم الأمير خطأً عالجها ياقو حكيم وساعد في شفائها.
يقول الرواة إن الأمير سعيد طلب من ياقو حكيم أن يطلب منه ما يشاء جائزة لعمله، فتردد الطبيب الشعبي حتى ألحّ عليه الأمير، فطلب منه فرسه الشهيرة.
ورغم حب الأمير لفرسه فقد أهداها للحكيم مع عدّتها الكاملة وعباءة فاخرة أيضاً، ويوم قدم الملك غازي الى ألقوش كانت فرس ياقو تسابق سيارته!
توقفت سيارة الملك غازي الذي كان يقصد دير الربان هرمز وطلب من ياقو أن يمتطي فرسه لإكمال الطريق، نزل ياقو عن الفرس وركبها الملك وركبَ ياقو بسيارة الملك حتى باب الدير.
نزل الملك عن الفرس شاكراً(ياقو) الذي ألحّ عليه بقبول الفرس هدية، لكن الملك غازي اكتفى بشكره وهو يتأمل تلك الفرس الجميلة.
خالد القصاب يعالج عبد الكريم قاسم
مستشفى الشيخ زايد اليوم المواجه لبناية الاتحاد العام للأدباء والكتّاب كان عام 1959 يسمى مستشفى السلام وهو تابع الى جماعة السبتيين وفيه عالج الدكتور الجرّاح والرسام خالد عبد الله القصاب رئيس الوزراء عبد الكريم قاسم الذي تعرض الى محاولة اغتيال في تشرين الأول عام 1959 من قبل جماعة بعثية تزعّمها وخطط لها فؤاد الركابي وشارك فيها الصحفي عبد الوهاب الغريري وسليم الزيبك وصدام حسين وسواهم، وقد قتل فيها الغريري بإطلاق نارمتبادل على يد صدام وهو يتبادل إطلاق النار مع مرافق الزعيم قاسم الجنابي ويجرح صدام في ساقه فارّاً ليترك محاولو الاغتيال صاحبهم الغريري ميتاً في شارع الرشيد لتكشف الجثة عن هوية الجهة التي حاولت الاغتيال.
أصيب الزعيم في صدره وإبطه وكذلك مرافقه وقتل السائق، ونقل رئيس الوزراء بسيارة متطوع الى مستشفى السلام.
يقول خالد القصاب في رسالته إلى صديقه الرسام الدكتور نوري مصطفى بهجت إنه تلقى رسالة تلفونية غاضبة وهو في عيادته في البتاويين تأمره بالتوجه الى مستشفى السلام مع قناني دم كافية!
كان ذلك مساء يوم السابع عشر من تشرين الثاني 1959، ويقول القصاب بعد هذا إن الشارع كان هائجاً، وإنه تلقى الأمر دون أن يعلم مصدره وأسرع الى مستشفى السلام وكان أول من دخله من الأطباء ويقول:
(اجتزت جمعاً كبيراً من الناس كانوا يتباكون ويصرخون. أسرعت إلى قاعة العمليات في الطابق العلوي حيث وجدت عبد الكريم قاسم تغطيه الدماء، وكان يتكلم بحماسة وكأنه يخطب بين الجماهير.. ووصل وزير الصحة بعدي ووجّه كلامه الى بعض الأطباء السوفييت في القاعة، وأمرهم بالخروج ثم قال لي أنت المسؤول الآن.. افحصه وقدم تقريرك عنه، أجبته بعد الفحص السريع أن هناك طلقاً نارياً في الإبط الأيسر وآخر في العضد الأيسر، وآخر اجتاز الكتف اليسرى ورابعاً في جوار الصدر وحالته العامة مستقرة، ثم بدأت بإجراء العملية لاستخراج الطلقة من الإبط تحت المخدر الموضعي).
كان الوزير الشوّاف محمد هو الأخ الشقيق للعقيد عبد الوهاب الشواف الذي تزعم حركة انقلابية في الموصل في 8-آذار 1959 أدت الى مقتله وإعدام الضباط الذين تعاونوا معه، لكن محمد الشواف ظل على مؤازرته لرئيس الوزراء، وقد استعان بصديقه وابن طرفه بالكرخ الجراح خالد القصاب لثقته به، والقصاب هو ابن السيد عبد الله القصاب رئيس المجلس النيابي في العهد الملكي الذي استقال احتجاجاً على معاهدة بورتسموث التي عقدت مع بريطانيا عام 47.
يصف القصاب خالد عمله في جراحة الزعيم ونجاحه في خياطة الجروح ويقول في رسالته لصديقه الرسام الطبيب نوري مصطفى بهجت: (بعد انتهائي من عمليتي للزعيم ذهبت لإسعاف مرافق الرئيس قاسم الجنابي الذي كان وجهه ملطخاً بالدم وكان يردد “قلنا له لا تعدم الضباط لكنه لم يسمعنا” وكان الجنابي رجلاً عالي الخلق فاضلاً).
انتهى كلام خالد القصاب الذي ظل يعود الزعيم مع مجموعة من الأطباء العراقيين حتى خروجه من ذلك المستشفى الذي يسمى اليوم (مستشفى الشيخ زايد) لعناية دولة الإمارات العربية ببنايته ومواده اللوجستية وتشغيل بعض أطبائها فيه.