أموال العراقيين في أجواء دول أخرى إهمال مستدام للسياحة في العراق

207

إياد السعيد/

في كل عيد أو عطلة لمناسبة ما تطول لأيام، تبرز أفكار سياحية واقتصادية لاستثمار العائد المالي داخل العراق بدلا من إخراجه بالعملة الصعبة الى دول أخرى، ثم لا تلبث أن تتلاشى لتتبخر الأفكار ولتظهر في العيد التالي. وكعادتنا نحن قبل المسؤولين نقرأ ونسمع هذا الهدر والتبذير بأموال العراقيين وهي تطير معهم الى دول توفر لهم المساحات الخضر والفنادق والأماكن الجميلة من بحر وبلاجات ضمن جولات سياحية في شوارع نظيفة وجميلة وبتضاريس تختلف عن تضاريس بلدنا بمجملها، على عكس ما يعتقد أو يعلق البعض على أنها رفاهية من أجل الصرف فقط ..
فبعد انعزال طويل استمر لعقود انفتح العراق على العالم والجهات والبلدان السياحية، وبعد أن انتعش الموظف معيشياً (أغلبهم)، نشهد اليوم قوافلهم أثناء الأعياد وهي تغادر العراق في سفرات قد تمتد إلى أسبوع أو أكثر، مع صرف مبالغ وفروها من رواتبهم.
يقدر المهندس منار العبيدي، رئيس مؤسسة عراقية تُعنى بشؤون الاقتصاد، أن أكثر من مئة ألف سائح غادروا البلاد خلال عيد الأضحى الفائت، وأنفقوا ما يقرب من مئة مليون دولار أميركي خلال عشرة أيام فقط، في حين كان عدد الرحلات الجوية الى البلدان التي يمّم صوبها هؤلاء أكثر من 500 رحلة (باستثناء رحلات الحج). ولو وضعنا هذه الأرقام على طاولة التشريح الدقيق لوجدنا أن شريحة الموظفين وعائلاتهم يمثلون النسبة الأعظم، لأن العطلة قد تمتد لعشرة أيام يستثمرها الموظف الحكومي على شكل إجازة طويلة، على العكس من الكاسب وصاحب الأعمال الحرة والخاصة، الذي يستطيع استثمار أية فترة يريد، مع ملاحظة أن أسعار النقل والفنادق والمرافق السياحية تتضاعف في المواسم، ومع هذا فالمواطن العراقي مضطر للسفر والسياحة في الخارج لعدم وجود ما يقارن هنا بما متوافر هناك، ما يلقي الضوء على الإهمال المستدام لقطاع السياحة المنسي رغم ما تدره السياحتان الداخلية والخارجية من أموال وتنشيط اقتصاد البلاد من خلال هذا القطاع الحيوي، ويشذ عن ذلك إقليم كردستان العراق الذي يتوجه نحوه من لا يستطيع توفير مبلغ السياحة في الخارج، فتقدم له المتعة والراحة في المرافق السياحية، ويستقبل الإقليم عشرات الألوف من العائلات القادمة من الوسط والجنوب، لكننا لم نرَ فوجاً سياحياً من الشمال الى الوسط والجنوب، ولا حتى من الوسط الى الجنوب وبالعكس، سوى الزيارات الدينية أو تزاور العائلات أو العمل الرسمي، وهذا مؤشر إحباط يدعونا الى التساؤل المستمر لتقديم إجابات والاعتماد على اراء وافكار المواطنين كمرتكزات للانطلاق منها نحو خلق صناعة سياحية وبيئة سياحية جديدة.
سياحة في الخارج
همام إياد – 30سنة- عاد من أحد البلدان بعد إجازة العيد، يعزو سبب عدم قضائه العيد في العراق:”لا يمكن أبدا أن نكون مثل تلك البلدان لأننا تعودنا على الجاهز في كل حياتنا، هل تعلم أنني وزوجتي ووالدتي وأختي الصغيرة وطفليّ الاثنين صرفنا ما يقرب من 5 آلاف دولار خلال أسبوع واحد فقط وفي بلد واحد، فلو كان هذا البرنامج السياحي وهذه الأماكن والمرافق في العراق، ولو بقي هذا المبلغ داخل العراق لكان يحل مشكلة عدد من الشباب العاطلين وتشغيلهم بهذه الخدمات.”
معوقات الاستثمار السياحي
يتساءل حسن حمادي -52 سنة- بعصبية : “أين خريجو السياحة والفندقة؟ ولماذا درسوا؟ وأين يعملون؟” فترد عليه زوجته الحاجة أم علي: “وهل هناك مرافق سياحية في العراق مثلما شاهدنا في تلك الدول؟ الحبانية والرزازة وغيرهما تحولت الى مستنقعات بحالة مزرية، والمساحات الخضر صارت صحارى، والآن نتحسر على ظل شجرة.”
رجل الأعمال خضير غيدان يؤشر الخلل الكبير الذي يحاصر المستثمر المحلي والأجنبي في القطاع السياحي: “الفساد ودفع الإتاوات والرشا والإكراميات التي قد تتجاوز مبلغ الاستثمار أحياناً لذلك نبتعد عن الاستثمار في كل المجالات وليس في السياحة فقط.”
أما رجل الأعمال ع .ع. ك فقال: “بصراحة لا يوجد أي توجه لأي مسؤول في تنمية قطاع السياحة وانكماشه على مدى العشرين سنة الماضية، فليست هناك خطة ستراتيجية تعيد العراق إلى سابق عهده في هذا المجال الحيوي، مع أن هناك عشرة آلاف موقع أثري مختلفة الأزمان والحقب، تعدّ مصدراً لجذب السائح الأجنبي يمكن إنعاشها وتأهيلها، لكن للأسف أهملت كل الخطط والمشاريع التي قدمناها، هناك استطلاع أجريته بنفسي في مؤتمر عربي لشركات السياحة، إذ أعربت كل الشركات عن استعدادها لتفويج السائحين الى ملوية سامراء والقصر العباسي والحضر والمتحف العراقي وبابل ..الخ، لكن لم نلمس أي تأهيل، فلا فنادق ولا طرق ولا مرافق أخرى تناسب هذه الأفواج، وأعتقد أن القضية سياسية وليست إهمالاً عفوياً، بل إنها تهدف الى تخلف البلد!! ”
وعي سياحي
نهاد السعدي كان عائدا للتو من رحلة سياحية يقول: “مشكلتنا في العراق حتى لو توفرت المرافق السياحية ومفرداتها، فإننا نفتقد أحد المقومات الرئيسة، وهو الوعي السياحي لدى المجتمع، ولاسيما العاملين في هذا القطاع، إذ دائماً ما ينظر صاحب المنتجع أو المطعم أو الفندق باستعلاء الى الزبون وكأنه متفضل عليه، وذلك بسبب ندرة المرافق السياحية، ولا وجود لعنصر التنافس في تقديم الخدمة الأفضل وبالسعر الأنسب، لذلك لم أتمتع ولو لمرة واحدة بجلسة أو زيارة سياحية داخل العراق.”
رأي آخر في جانب مهم يطرحه الدليل السياحي السابق عبد الصاحب عبد الحسين: “التحجج بسخونة جو العراق ليس مبرراً لانعدام السياحة، فقد كنا نستثمر موسم الاعتدال الربيعي والشتاء لتفويج السائحين العرب والأجانب، وكانت السياحة مزدهرة في الأشهر شباط وآذار ونيسان وحتى مايس من كل عام.”
دخول مفاجئ لأحدهم الى حلقة نقاشنا الضيقة ليقول بالدارج ما نصه : “ماكو نظافة ماكو سياحة.”
ربما نستنتج مما سبق بعضاً من الحلول أو المثابات التي يمكن وضعها أمام المسؤولين مثل الاستثمار وتيسيره للمحلي والأجنبي بخبراته، والتشجير لإعادة الجو الطبيعي، ومكافحة الفساد بصورة مباشرة، وتشريع قوانين أكثر حزماً وصرامة، وإبعاد القطاع السياحي عن السياسة، واتباع نظام المجاميع الشبابية العاملة في مشاريع سياحية على شكل تعاونيات، وتعشيق الأفكار السياحية مع إقامة مهرجانات متخصصة يتفرد بها العراق لكي تكون جاذبة، وأخيراً لابدّ من التفرد في تقديم الخدمة السياحية.