أوسكار 2020 والأوسكاريون

774

مقداد عبد الرضا /

لي صديق أصابه الجزع من المدينة التي يقيم فيها, فراح يحلم ويسطِّر ما يحلم به, بنى مدينة أخرى غير المدينة التي يسكن فيها لتكون سكنه الجديد مع مجموعة اختارهم بدقة, زرعوا الكثير من الأشجار وأحاطوا مدينتهم بأسلاك حتى لايتمكن أحد من اختراقها, بنوا مدارس جديدة للتعليم, جلبوا الماء وعاشوا في هدوء لايعكر صفو حياتهم أحد, لكن في أحد الأيام جاءت عاصفة قوية اقتلعت مابنوه من بيوت وأشجار وكل شيء، لأن مدينتهم تلك لم تكن الأصل، لذلك مع أول هبة ريح انمحت. ألا تصلح هذه الكلمات أن تكون فيلماً مهماً؟ من يدري؟
الأوسكاريون، أعني بهم لجنة الأكاديمية الأميركية لفنون وعلوم السينما وبيدها عصمة توزيع الجوائز وفقا لهواها وهوى أميركا, منذ فترة ليست بالقصيرة وأيام أشرطة الفيديو (v.h.s) التي كنّا نحصل على أفلام جوائز الأوسكار والأفلام المهمة بعد فترة طويلة من إنجازها, الآن والحمد لله تم توزيع الجوائز صباحا واستطعنا أن نشاهدها مساء وهناك حتما من يستطيع أن يشاهدها مباشرة, في تلك الفترة شاهدت فيلما عن خفايا توزيع جوائز الأوسكار، فأصابني بعض من اندهاش ونوع من إحباط على الرغم من معرفتي بأن هناك من يستحق الجائزة ولا ينالها لبعض الأسباب ربما تكون في أكثر الأحيان شخصية, لكنّي لم أعرف أن هناك الكثير من الدسائس والمؤامرات والليالي الحمراء والرشا والأهم من كلّ هذا السياسة, فالكثير من الأفلام وبخاصة أفلام العالم (أفضل فيلم عالمي) تُمنح الجائزة على أساس العلاقات الخارجية بين أميركا وتلك الدولة والأمثلة كثيرة جدَّاً, هذا العام منحت أربع جوائز لدولة واحدة هي كوريا الجنوبية, أفضل فيلم عالمي, أفضل فيلم, أفضل إخراج وأفضل سيناريو, والمتتبع لمسار خطوط السياسة في العالم سيدرك اللعبة التي حصلت لأول مرة في تاريخ جوائز الأوسكار(أفضل فيلم عالمي وأفضل فيلم) اللعبة هي أميركا وكوريا الجنوبية ونكاية بكوريا الشمالية, فيلم كوريا الجنوبية (طفيلي للمخرج بونك جون وو الذي تحدَّثنا عنه في عددين سابقين من هذه المجلة) يستحق أن يُمنَح جوائز لكن أن يُمنَح أربعاً وهو فيلم غير أميركي, هنا يكون السؤال, لم؟ وهذا قد وضحناه في هذا السياق, على سبيل الإنصاف ونسيان لهجة (أصابه النحس) وتخفيفا لبعض ما يدور خلف الكواليس من همس ولغط واحتجاج كان بالإمكان أن تُمنَح جائزة أفضل إخراج إلى سام مانديس, استطيع القول إنَّه فيلم فيه من البراعة الكثير, نعم سياقه فيه بعض الضعف وقد مرّتْ علينا أفلام كثيرة ومتشابهة لها علاقة بالحروب من هذا النوع والحكاية كما ذكرها الفيلم مأخوذة عن تجربة عاشها جدّ مانديس وحكاها له يوما ما لكن (إن الموضوع الأساسي الذي تشترك فيه جميع الأفلام هو أثر الحروب على حياة الناس, وتشدد الأفلام الفائزة عادة على مرارة الحرب ومفارقاتها بدلا من تمجيد بطولاتها) وهذا ما لمسناه في سياق فيلم 1917 لسام مانديس؛ فأين العدالة في هذا التوزيع ؟ أما عن الأداء كأفضل ممثل مساعد فأظن أن جو بيسي يستحقها أكثر من براد بت, شاهدت الفيلمين ووجدت أن جو أكثر براعة واسترخاء من براد بت, إنه فيلم تذكيري بأفلام هوليوود وإعادة حكاية مقتل شارون تيت من قبل مانسون والشك في زوجها رومان بولانسكي والاحتجاج على حرب فيتنام بشكل عابر وبطولات وحركات بروس لي, ربّما يتعمّد تارانتينو أن يذكّر الشباب بهذه الأفلام التي يكرّرها بين فترة وأخرى, لكن المعروف عن هوليوود أنَّها عادة تمنح الجوائز للممثلين والممثلات الشباب في الكثير من الأحيان, يقول محمود الزواوي في كتابه عن جوائز الأوسكار: (يلاحظ أن جوائز الأوسكار تُمنَح للممثلات في سن أصغر على العموم من الممثلين وأن عدد من حصلن منهن على أكثر من جائزة يزيد كثيرا على عدد الممثلين الذين فازوا بأكثر من جائزة, ويقل معدل سن الممثل الفائز بالجائزة كما يقل عدد أفلام الممثلات الفائزات أيضاً بها بعشرة أفلام عن معدل عدد أفلام الممثلين الفائزين, في حين أن أكثر من عشر ممثلات فزن بالجائزة لأكثر من مرّة) اذاً هوليوود تعتمد الشباب في الترويج ومنح الشباك فرصة أكبر من أن تُمنَح للشيوخ وهذا ما حدث فعلا مع جو بيسي وبراد بت, أظن لو أن لورا ديرن (جائزة أفضل ممثلة مساعدة) لو كان دورها رئيسياً في فيلم قصة زواج لما كانت الاكاديمية منحتها الجائزة بسبب تقدُّمها بالعمر, لعل البعض يذكر ويتفق مع ما ورد سابقا, في العام 1988 كانت الممثلة كلن كلوز, (واحدة من أبرع ممثلات هوليوود عبر تاريخها, ستة ترشيحات لدور رئيس) مرشحة قوية جدَّاً وأكثر مقدرة في الأداء على مثيلاتها لأفضل دور رئيس ولأنَّها لا تملك مواهب نجمة الشباك ولأنَّ العمر تقادم عليها فقد منحت الاكاديمية الجائزة لجودي فوستر عن دورها في فيلم (المتهم) وذا ما قارنا بين أداء كلن كلوز وجودي فوستر سنجد أن هناك فرقا كبيرا وكذلك الحال مع توم هانكس الذي منح الجائزة لسنتين متتاليتين، الأولى في العام 1994 عن فيلم فلادليفيا ولنقل أنَّه يستحقها لكن في العام التالي مُنَح أيضاً الجائزة عن فيلم فورست كامب وكان بالإمكان أن تُمنَح إلى مورغن فريمن عن دوره الفذ في فيلم (shawshank redemption) أو لناكل هاثروم عن الدور الرائع الذي جسده في فيلم جنون الملك جورج, لكن كما نوهنا الشباب أولى بالنسبة لشبابيك هوليوود والأمثلة لا تعد ولا تحصى, لكنّا أوردنا الكثير لكن المساحة تضيق, في النهاية هي هوليوود وهذه أحكامها ومن يتعارض يبتعد ولولا الفضيحة التي كانت ستقوم لما منحت الجائزة للممثل خواكين فينكس عن دور أفضل أداء لفيلم الجوكر لأنَّه ولمرتين في الكولدن كلوب وفي الأوسكار تحدث عمّا أوردناه تقريبا في سياق خيالنا هنا, تلك الليلة انتهى الحفل وخرج الجميع؛ قسم منهم مبتهج جدَّاً والآخر حزين والبعض مغبون ويشعر باللاعدالة في التحكيم والتوزيع, لكن الحفل سيستمر وفيه الكثير من الإجحاف والقليل من الإنصاف وسوف يستطيع المخرج الكوري الجنوبي جون بونك وو كما صرح بأنّه سيعبها حتى الصباح ابتهاجا بالجوائز الاربع التي حصل عليها فيلمه طفيلي.