إدمان الإنترنت.. مرض خطير لابد من الانتباه إليه

695

أنسام الشالجي /

يؤكد الإعلام الرقمي DMC في آخر بياناته أن عدد مستخدمي مواقع التواصل بلغ 25 مليون مستخدم نشط، وأن عدد مستخدمي شبكة الإنترنت في العراق وصل إلى 30.52 مليون مستخدم بحلول عام 2021.
إدمان الإنترنت
كان هذا البيان حافزاً في تنظيم ندوة (أونلاين طبعاً)، فما أزال ملتزمة بالتباعد الاجتماعي، ولاسيما أن هناك من لا يلتزم بارتداء الكمامة، أي أن التباعد الاجتماعي بدون ارتداء الكمامة لا يقي تماماً من كورونا. كان محور الندوة عن (إدمان الإنترنت) الذي أصبح يوصف بالمرض، وتعقد المؤتمرات وتناقش البحوث والدراسات التي تتناول كل زواياه علمياً ونفسياً وطبياً واجتماعياً.. ربما في جامعاتنا تعقد ندوات كهذه تحت العنوان نفسه، لكن غالبية الجامعات توقفت عن إرسال الدعوات لحضور ندواتها مهما كانت عناوينها، ولم نعد نقرأ إعلاناً لها عن ندوة، وربما كانت هناك ندوات تقيمها جمعيات علمية متخصصة لكننا، مرة أخرى، لم نسمع عنها، بينما نجد على الإنترنت مئات الندوات، ولاسيما بعد جائحة كورونا التي تسببت بحظر التجوال في غالبية دول العالم، ما أدى إلى ازدياد عدد المدمنين على الإنترنت لدرجة دخل تعريف المصطلح (إدمان الإنترنت) إلى الموسوعات الطبية والاعتيادية المعروفة.
مرضٌ مستعصٍ
في ٢٠١٩ نشرت منظمة الصحة العالمية على موقعها بحثاً عن إدمان الإنترنت عامة وإدمان ألعاب الأونلاين خاصة، واقتبست قولاً للدكتور الياباني (سوسومو هيغوشي): “إن علاج الإدمان على الألعاب أصعب من علاج الإدمان على الكحول والمخدرات، لأن الإنترنت متاح في كل مكان.” يذكر أنه يوجد في اليابان ٨٤ مركزاً صحياً لمعالجة الإدمان على الإنترنت. ويرأس (هيغوشي) أول مركز منها (كوريهاما)، الذي تأسس عام ٢٠١١. ومع منتصف العقد الحالي، تم افتتاح مراكز صحية مشابهة في العديد من الدول المتقدمة، ولاسيما أن هذا الإدمان، مثله مثل غيره، من الأمراض النفسية التي تتسبب بالعديد من الأمراض العضوية التي يصعب علاجها، والعديد من المشاكل الاجتماعية التي سنشير إليها في موضوع مقبل، بإذن الله، وهي لا تقل سوءاً عن المشاكل النفسية والأمراض العضوية.
هروب إلى الحياة الثانية!
في الندوة تحدث آباء وأمهات بدأوا يلاحظون التغييرات غير السوية التي طرأت على الأبناء بسبب الإدمان على الإنترنت. السيدة (أم إيمان، ٤٥ سنة، مدرِّسة) أشارت إلى حالة ابنتها (إيمان، ٢٣سنة، خريجة جامعية) التي أدمنت الإنترنت لدرجة أصبحت فيها تعيش في العالم الافتراضي، ولاسيما لعبة اسمها (second life) وتعترف الأم بأنها لم تبذل جهودها حين انفصلت ابنتها عن خطيبها إذ حاولت نسيان إحباطها من خلال هذه اللعبة التي تجعلها تحاول أن تؤسس حياة افتراضية، تتزوج فيها وتنجب وتعمل، وغير ذلك من النشاطات الحياتية، ولكن في الخيال. وبعد سنة تقريباً، طالبتهم إيمان بمناداتها بالاسم الذي اختارته لنفسها في اللعبة وأصبحت تسأل عن (أطفالها) ولماذا تأخروا في العودة من المدرسة وباتت لا تأكل إلا القليل لأنها (تناولت طعامها في بيتها!) وأرغم تفاقم حالتها النفسية والصحية الوالدين على أن يصطحباها إلى الطبيب الذي وصف لها أدوية ضد الكآبة، كما حاول الوالدان علاجها بمنعها عن التفكير بـ (بيتها الافتراضي) وهما يعانيان الأمرّين ولاسيما أن طبيبها المعالج حذرهما من أن استمرار حالتها المستعصية سيرغمه على إدخالها إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية..
النجاح في المزرعة
أما إدمان (أحمد، ١٦ سنة) فقد جعله يهمل دراسته، وهو في الصف الأول المتوسط، بعد أن أنهى دراسته الابتدائية بتفوق وكان من الأوائل على محافظته، تحدث والده (يحيى، ٤٨ سنة، موظف) عن حالته، ففي النصف الثاني من السنة الأولى له في المتوسطة طالبهُ مدير مدرسة ابنه بالحضور وفوجئ بأن المدير والمدرسين يشكون من عدم انتباهه إلى الدروس، لذا فقد عوقب مراراً لأنه يقوم بإدخال هاتفه الجوال سراً إلى المدرسة وينشغل به أثناء الدروس، وحين عجزت الإدارة عن إيجاد حل لإدمانه، تم الاتصال بالوالد الذي عجز بدوره، فقد كان أحمد مدمناً على لعبة (المزرعة) ويحاول أن يفوز على الذين يشاركونه في اللعب (أونلاين) ليتمكن من (بيع) المراحل وكسب الأموال، لذا رسب في الأول المتوسط وتم فصله.. ويشير يحيى إلى أن الفصل كان حداً فاصلاً في حياة ابنه، ولجأ الوالد إلى الإنترنت لمعرفة حالة ابنه، وبدأ مع والدته يحاولان علاجه الذي ما يزالان مستمرين فيه، وكانت الخطوة الأولى قطع النت عن البيت والاستغناء عن الهواتف الذكية والتفاف إخوته حوله.. وببطء بدأ أحمد يتحسن.
هدوء في البيت!
بينما تحدثت السيدة (أسماء، ٣٢سنة، خريجة وربة بيت) عن توأميها (زينة وزين، ٨سنوات) اللذين يُعالجان من مرض مستعصٍ أصاب عينيهما والسبب، كما أكد الطبيب المعالج، هو الانشغال بالهواتف والألواح الذكية لساعات طوال. وتعترف أسماء بأنها السبب، إذ أنها اقتنت لهما ألواحاً ذكية وهما في السنة الثالثة من عمرهما كي ينشغلا بها فتتفرغ هي لأعمال البيت، واضطر الصغيران إلى استخدام النظارات الطبية وهما في السادسة من عمرهما، لكن الأم لم تنتبه إلى تحذير الطبيب بوجوب إبعادهما عن الألواح الذكية لأنها كانت تجعلهما (هادئين!(
اعتراف
كذلك تعرفنا في الندوة على مشاكل صحية عديدة أصابت المدمنين على الإنترنت. وكانت هاجر (٣٠ سنة، خريجة لا تعمل وغير متزوجة) جريئة وهي تشير إلى إدمانها الذي لا تحاول الشفاء منه! رغم أن هذا الإدمان أدى إلى إصابة فقراتها العنقية ومفاصل أصابعها وابتعادها عن الناس وعن أفراد أسرتها، وقالت إن عالمها الافتراضي يحميها من أمراض المجتمع والعنف!
أخيراً..
لابد من الانتباه إلى هذه المشكلة (الإدمان على الإنترنت)، وأعتقد أن المطالبة بإنشاء مراكز لعلاجها غير ممكنة، ولاسيما أننا نفتقر إلى العدد الكافي من مراكز علاج إدمان الكحول والمخدرات، لكن لابد من التذكير أن إدمان الإنترنت مرض ليس سهل العلاج وأن عواقبه الاجتماعية لا تقل خطورة عن عواقبه الصحية.. إن لم تكن أخطر.