اتفقت عليه الديانات كلها.. حفظ الأنفس في أوقات الأوبئة واجب شرعي

1٬045

#خليك_بالبيت

عامر جليل إبراهيم /

تشدد معظم الأديان السماوية على أهمية الحضور إلى أماكن العبادة في أيام وأوقات معينة، الهدف الأساس من الحضور هو إدامة التواصل بين أفراد هذا الدين أو ذاك والاستماع إلى المواعظ وكيفية التقرب إلى الخالق وتعلُّم أصول الدين.
يحدثُ ذلك في الأوقات الطبيعية، لكن ماذا عن الأوقات غير الطبيعية كالحروب والأمراض والأوبئة، هل هنالك رخصة في وقف التردد على دور العبادة في هذه الحالات؟ وهل تكون العبادة خارج تلك الدور ناقصة؟ هذه الأسئلة وغيرها حملناها واستطلعنا بشأنها آراء بعض المشايخ وعلماء الأديان لتكون عوناً لنا في هذه الأيام التي تشهد تفشي فايروس كورونا في جميع أنحاء العالم.

إرادة الله
الشيخ خليفة الجوهر، نائب الأمين العام للمزارات الشيعية الشريفة في العراق، ابتدأ حديثه بقول الله تعالى: “بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَىٰ أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُم بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ”. إن مواجهة هذا الوباء لا تحتاج إلى الهلع والقلق والخوف المربك لعمل الإنسان بل تحتاج -بعد الاحتياط المطلوب- إلى العون، فينبغي على الإنسان الّا يرتبط بالعوامل المادية فقط للاستمرار بمسيرته الحياتية، بل لا بد له من أن يركز على عنصر الغيب وتدخّل إرادة الله (جلّ وعلا) فهو الذي يمد الإنسان بعناصر القوة وهو الذي يُمرض وهو الذي يَشفي “وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ، وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ”، شرط أن يكون الارتباط به حقيقياً.

صلّوا في رحالكم
شاكر الدليمي، إمام وخطيب جامع الشيخ معروف الكرخي يقول: بعد أن حل هذا الوباء وانتشر في جميع أنحاء العالم كالنار في الهشيم، وبعد أن انهار النظام الصحي في بعض الدول التي كانت تعد من أفضل الدول في مجال الصحة وتصريحهم بأن الأمر متروك إلى السماء، أي إلى قدرة الله تعالى، ونحن جزء من هذا العالم والأجدر بنا أن نكون على قدر من المسؤولية في الحفاظ على صحة مجتمعنا وسلامته كما أمرنا الشرع الشريف بذلك، فالحفاظ على النفس واجب شرعي.
ومن هذا المنطلق يجب علينا الالتزام الكامل بما يقرره أهل الاختصاص في مجال الصحة، فالعزلة والتزام البيوت أمران ضروريان جداً لتقليل خطر الإصابة او نقل المرض، كما يجب تجنب مناطق الازدحام والتجمعات ومنها المساجد والمراقد الشريفة التي هي جزء من هذه التجمعات وتعليق الصلاة فيها لفترة ما، وهو أمر طبيعي، بل إنه عين الصواب للحفاظ على أرواح الناس، فالصلاة فرض وصلاة الجماعة سُنّة، وفي حالة وجود خطر على حياة الناس فلابأس في ترك السنّة وأجر الجماعة حاصل، إن شاء الله، فعندما نادى المؤذن في زمان رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) أن “صلّوا في رحالكم” في يوم مطير، لم يبكِ المؤذن وهو يقولها لأنه يعلم أنه حكم شرعي، وصلّى الصحابة في بيوتهم وهم يحتسبون أجر الجماعة في المسجد.
وختم الشيخ الدليمي بالقول: وأخيراً أوصي إخواني وأخواتي بالنظافة العامة، وهذا الأمر قد حثّ عليه الإسلام، فلا تقبل صلاة العبد مالم يتطهر خمس مرات في اليوم. وعندما يداهمنا اليوم خطر الأمراض يجب المبالغة في النظافة والاستماع لنصائح الأطباء وإرشاداتهم في هذا المجال حفاظاً على أنفسنا وأهلنا وأطفالنا وبلدنا. ونسأله تعالى أن يجنبنا والعالم كله خطر هذا المرض وأن يرفع عنا وعن الناس جميعاً هذا الداء والوباء، وأوصيكم بالدعاء إلى الله أيها الإخوة في كل وقت وحين، فالدعاء مخ العبادة.

وصايا المرجعية
الشيخ شهاب الشويلي، الأمين الخاص لمرقد الشيخ الكليني، قال: تمر الأمة جمعاء اليوم بهذه البلاءات والابتلاءات، وهنا لابد لنا من التضرع إلى الله سبحانه في كل وقت، والدعاء من أجل دفع ما حل بالأمة. ولنعلم أن تحريك اللسان بكلمات الدعاء لا يكفي لوحده ما لم يقترن بالإخلاص والصدق وتغيير ما في نفوسنا نحو الأفضل، والعزيمة على إصلاح الواقع الفردي والاجتماعي. كذلك علينا أن نلتزم بتوجيهات الأطباء وما يصدر من إرشادات من الجهات المعنية في وزارة الصحة، وندعو الزائرين إلى الالتزام بتوصيات المرجعية الدينية وبمقررات منظمة الصحة العالمية وقرارات وتوصيات اللجنة الوزارية لدرء مخاطر فيروس كورونا.

ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة
أما الشيخ رؤوف الفتلاوي، الأمين الخاص لمزار العلوية الشريفة بنت الحسن، فقد أجاب بدوره قائلاً:
في هذه الأشهر المباركة: رجب وشعبان ورمضان، أشهر العبادة التي يستحب فيها التوسل والخشوع لله تعالى، نرفع أيدينا للباري تعالى أن يمنَّ على أمة المصطفى بالصحة والعافية، وأن يدفع عنا الوباء والبلاء بحرمة محمد وآله الطاهرين. يشهد العالم أجمع هذه الابتلاء الإلهي الكبير بآثاره، الصغير بحجمه، وتتوجب علينا أمور ينبغي التمسك والالتزام بها، فبما أن الإنسان بطبعه اجتماعي وكثير التحرك في اليوم والليلة وكثرة مشاغل الحياة، لذا يتوجب على الشارع المقدس أن يعطي رأيه بالموضوع، إذ أن هناك خياران لا ثالث لهما؛ فإما أن تخالف التوصيات والإرشادات الصحية فتهلك، والقرآن الكريم يحرم ذلك “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة”، ولهذا أوجبت المرجعية الدينية، مؤقتاً، ترك الأمور العبادية مثل صلاة الجماعة وصلاة الجمعة وزيارة العتبات وأي شكل من أشكال التجمعات والاختلاط.
وإما أن نعمل بالتوصيات والتزام البيوت وعدم الخروج لكي لا نتضرر ويتضرر بسببنا آخرون، فيلزم علينا شرعاً دفع الدية لكوننا المسببين بالقتل والهلاك للآخرين. فحفظ النفس واجب شرعاً وعرفاً وعقلاً، وكل مسلم ومؤمن يجب عليه حفظ نفسه وحفظ من يعيله من أهل بيته، وهذا لا يكون إلا بالالتزام بالتعليمات الصحية بالبقاء في البيت.
وهنا فإن الشارع المقدس يوجب علينا العمل بالتعليمات الصحية والطبية للمختصين لكونهم أصحاب الشأن في هذا الموضوع، والعقل يوجب علينا الرجوع إليهم والالتزام بتعليماتهم. ونحن، كمتولي مزارات، نقول للأحبة زائري المراقد والعتبات إنها موجودة، لكن حفظ أنفسكم أولى من الزيارة والعبادة الجماعية، فالزيارة مستحبة وحفظ النفس وحفظ أرواح الآخرين واجب، لذا يجب تقديم الواجب على المستحب.

أحكام الشريعة في زمن الوباء
الدكتور عبد الوهاب السامرائي، إمام وخطيب جامع الإمام أبي حنيفة النعمان، قال: الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، بداية لا بد من التنبيه إلى أن كل ما يصيب الإنسان من خير أو شر، من نعمة أو نقمة فهو ابتلاء وامتحان، وفي الامتحان هناك ناجح وهناك راسب، فهو للمؤمن، إذا صبر واحتسب، رفعة ونجاح عظيم، وهو للجاحد والمتذمر مصيبة كبيرة. هو امتحان لكل صنوف الناس، للتاجر في ألّا يستغل الظروف والكسب على حساب الآخرين، وللمعافى في أن يشكر نعمة ربه، وللغني في أن يعين الفقير، وهو ابتلاء، قال تعالى: “ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون”، وقد يكون على أناس عقاباً لما اقترفوا من الآثام والمعاصي، وهو عبرة لغيرهم كي لا يكرروا الإثم نفسه والظلم نفسه، وهو رسالة للبشرية كلها: بأن الإنسان، مهما بلغ من القوة والعلم والقدرة، فهو فقير إلى الله فلا ينبغي له أن يغتر بقوته وعلمه.
ومما يجب التنبيه إليه هو ما حثت عليه الشريعة الإسلامية من أحكام في زمن الوباء: فقد حثت الشريعة الإسلامية على بذل سبل الوقاية، وبينت منهج التعامل عند وقوع الوباء، وأنه قد ورد في الحديث الصحيح “إذا سمعتم به -الطاعون- بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض فلا تخرجوا فراراً منه”، رواه البخاري. وهذا ما يسمى في الوقت الحاضر (الحجر الصحي). وقد ورد في الحديث الصحيح كذلك: “ولا يحل الممرض على المصح”، رواه الإمام مالك، فنهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يأتي المريض على الأصحاء خشية أن يصيبهم بالعدوى.
ولما كان انتشار الوباء بسبب الاختلاط والاجتماع، وكما حذرت من ذلك عموم المؤسسات الصحية الدولية والعالمية بأنه ينبغي تجنب الاجتماعات والزحام؛ فقد أفتى علماؤنا في عموم المؤسسات الدينية بتعليق الصلاة، سواء في الجمعة أو بقية الأوقات، وقد صدرت فتوى علمائنا في المجمع الفقهي العراقي، مرجعية أهل السنّة، تؤكد بأن الحفاظ على الأنفس أولى من حضور الصلوات، وأفتوا بتعليق الصلوات في المساجد، حيث أذن النبي صلى الله عليه وسلم للناس بترك الجماعة إذا نزل مطر شديد أو حلَّ برد شديد، ومن باب أولى أن تعلق الصلاة وتترك الجماعة في المساجد إذا كانت حياة الناس مهددة بالخطر ولا يتم الاحتياط إلا بترك التجمعات.

الله في كل مكان
الأب فائز بشير، راعي الكنيسة والطائفة الأسقفية الإنكليكانية في العراق، قال: الكنيسة عموماً جزء من المجتمع ونحن نمتثل لكل القرارات التي تتخذها السلطات المختصة، الصحية والسياسية. ويبقى الحل الأمثل للقضاء على الوباء هو الانعزال وعدم الاختلاط، ورأي الكنيسة هو التوقف عن الخدمات والصلاة الجماعية حتى نتجاوز هذه المرحلة الخطرة على المجتمع، والصلاة ممكن أن تقام في أي مكان، فالله موجود في كل مكان، وممكن إقامة الصلاة في البيت كعائلة واحدة، وهي صحيحة ولا يوجد أي إشكال فيها. نحن طبعاً نشجع على الحضور إلى الكنيسة في الظروف الاعتيادية، ولكن في هذه الظروف العصيبة فالبيت أنسب مكان للعبادة.

تحجيم المرض واجب
وتزامن ظهور وباء الكورونا فايروس مع أحد أعياد الصابئة المندائيين، ما اضطر مجلس العموم والشؤون في مجالس الطائفة إلى إلغاء الاحتفال بهذا العيد. هذا ما قاله الريش امة ستار جبار حلو، رئيس طائفة الصابئة المندائيين، الذي أضاف قائلاً:
لقد أصدرنا تعليمات، منذ بداية الأزمة الصحية وظهور أعراض مرض كورونا، إلى أبناء وبنات طائفتنا بضرورة الالتزام بتعليمات خلية الأزمة، ورغم حلول الأيام البيض (البرونايا المباركة) أيّام الانبثاق والتجلي للحي العظيم، وهو من الأعياد المهمة عند الصابئة المندائيين، وتماشياً مع تعليمات خلية الأزمة التابعة لوزارة الصحة العراقية فقد ألغينا مراسم الصباغة في أيّام البنجة المباركة، وجاء إجراؤنا هذا للحفاظ على سلامة المجتمع ولمنع انتشار المرض وتحجيمه.
واعتذرنا عن استقبال المهنئين من داخل الطائفة أو من أصدقائنا من أطياف الشعب العراقي كافة، كما أصدرنا على وسائل التواصل الاجتماعي تعليمات لأبنائنا في المحافظات ودول الجوار التي توجد فيها جاليه مندائية بأنّ علينا أن نكون حذرين وعلى قدر المسؤولية لأجل تفادي حدوث إصابات جديدة والالتزام بالبقاء بالبيوت لأجل سلامة الجميع.

النسخة الألكترونية من العدد  356 

“أون لآين -1-”