احصل على الدكتوراه بـ مليوني دينار!

896

إياد عطية الخالدي – أحمد سميسم/

تنامت في السنوات الأخيرة عمليات بيع البحوث الخاصة بالدراسات العليا، وشكلت تحدياً خطيراً لمستقبل التعليم العالي في البلاد بعد ان تزعزت الثقة بالشهادات التي تمنحها الجامعات العراقية. ففي العام 2006 فقط حصل أكثر من ستة آلاف طالب على شهادة الدكتوراه في عملية جرى فيها تخطّي كل المعايير العلمية، وفقاً لمصدر موثوق في التعليم العالي.

وتلعب دكاكين صغيرة قرب الجامعات الكبيرة دوراً في ضرب العملية التربوية والعلمية إذ سهلت، هذه الدكاكين، لآلاف الأشخاص الحصول على شهادة الدكتوارة أوالماجستير بعدما تكفّلت بإعداد بحوثهم بمبالغ تتراوح مابين مليونين وأربعة ملايين دينار!!

تحدٍّ خطير

ارتفاع نسبة البحوث، التي يجري الكشف عن سرقتها من قبل بعض طلبة الماجستير والدكتوراه، الذين ليست لديهم ملَكة الكتابة، دفع أحد أساتذة كلية التربية (ابن الهيثم) الى استحدث نظام جديد في جامعة بغداد هو عبارة عن جهاز يكشف البحوث المسروقة والجاهزة ويحيلها الى لجنة الإستلال للنظر فيها.

بحوثٌ للبيع

في باب المعظم، وفي دكان صغير بالكاد يحتوي أثاثه البسيط على حاسبتين وطاولة صغيرة وبضعة كراسٍ، يقدم خدمات كبيرة لطالبي الشهادات والألقاب العلمية بلا جهد وبمبالغ متواضعة بالقياس الى حجم الخدمة ..

المكتب يعد بحوث التخرج من المعاهد الى الكليات والى طلبة الشهادات العليا ويقدم خدمات ترافق طالب الشهادة العليا حتى مناقشة رسالته.

هذه الخدمات وأكثر تحدث عنها صاحب المكتب بفخر ومن دون أي شعور بالقلق، وعرض على زميلي الذي أدى دور طالب شهادة دكتوراه ان يتكفل المكتب بوضع خطة متكاملة لرسالته بعد ان نجح زميلي بتأدية الدور على مايرام، كطالب دكتوراه في الإعلام. الرضا والتعاون فتح شهية صاحب المكتب ليكشف لنا أن مكتبه كان يتعامل مع أساتذة لكتابة الرسائل، لكن تحسن المستوى المعيشي لهم وارتفاع رواتبهم جعلهم ينفرون من التعامل معه والآن يستعين بعدد من الطلبة لأداء هذه المهمة .

أساتذة من دول أخرى!!

وأكد صاحب المكتب أنهم لايمكن ان يلجأوا الى الإنترنت في كتابة رسائل الدكتوراه المهمة، وخاصة في العلوم الصرفة والرياضيات، بل يعتمدون على علاقاتهم مع أساتذة من دول أخرى، خصوصاً مصر، في كتابة البحث. ويشترط ان لايكون من الإنترنت أو نسخة من بحث مقدم الى جهة اخرى. وهم يتكفلون بكل الضمانات الضرورية للتأكد من صدقية البحث. وعندما قلنا له إن بعض البحوث منشورة على الإنترنت، أوضح ان هذا حدث في سنوات سابقة حيث لم يكن الحاسوب في العراق قد أصبح شائع الاستخدام، وانتهى حديثه بنظرة غضب من دون ان ينبس ببنت شفة بمجرد سؤالنا ما إذا كان يعتقد ان عمله هذا قانوني؟

إجراءات أكثر تشدّداً

يعتقد طالب الماجستير ابراهيم رزاق خليفة ان السنة التحضيرية الأولى لرسالة الماجستير والدراسات العليا كفيلة بكشف سلبيات وإيجابيات الطلبة، إذ أن العديد من الطلبة خلال “الكورس” الأول غادروا ولم يكملوا الدراسة لأسباب علمية كثيرة منها تجاوز أعمارهم سن الأربعين عاماً، فقد كانوا يعتقدون انهم سيحصلون على تسهيلات بشأن منح الشهادة لكبر سنّهم، كما يحصل أحيانا نوع من الخلاف بين الطالب وبعض الأساتذة ما يؤدي الى شخصنة الموضوع.

واضاف خليفة: لا يخفى على أحد ان هناك قسماً من الطلبة يتجهون الى شراء البحوث الجاهزة بأسعار تصل الى مليونين واكثر، لكن هذا المبلغ ليس كبيراً أمام من يحصل على شهادة علمية عليا.

المبتَعثون

المشكلة الأخرى أن هناك آلاف الطلبة العراقيين في الخارج وخصوصاً ممن يدرسون على نفقتهم الخاصة، لا أحد يستطيع ان يتأكد من حقيقة شهادتهم وما إذا كانت بحوثهم رصينة وليست جاهزة، لاسيما وان عملية بيع البحوث منتشرة في عدد من الدول، خصوصاً مصر، التي تمثل وجهة دراسية مفضلة لجميع الطلاب العرب، وحتى في دول متقدمة كأميركا وأستراليا وروسيا حيث كشفت إحصائيات عن تلك الجامعات أن الطلبة العرب هم أكثر الذين يلجأون الى شراء شهاداتهم من مكاتب متخصصة بإعداد البحوث ..

شهادة “التوفل”

ولأن الجامعات الغربية تشترط على الطلاب الأجانب الحصول على شهادة اختبار التوفل، أو الأيلتس بدرجة معينة كشرط أساسي للقبول، انتشرت إعلانات في الإنترنت لبيع هذه الشهادة العلمية التي توضح اجتياز اختبار اللغة الإنجليزية، حيث يقوم بعض العاملين في مراكز الاختبار الدولية ببيع إجابات الاختبار التي يجري تسريبها الى مكاتب خدمات الطلبة.

ويلجأ الطلبة العرب الدارسون في دول عديدة الى شراء هذه الشهادة لاختصار الوقت للحصول على شهادة عليا يكون قد وضع في حسابه انه سيشتري رسالتها ايضا.

محسوبيات

ويعتقد عميد كلية تربية ابن رشد – جامعة بغداد، الأستاذ الدكتور علاوي سادر جازع، ان هناك عدم وضوح في الرؤيا بالتعليمات
التي تصدر بين وزير وآخر، خصوصاً من الوزراء السابقين الذين تعاقبوا على قيادة وزارة التعليم العالي، فتارة يقولون إن الاختبار العلمي جزء من النجاح والقبول في منح الدكتوراه للطلاب ودخولهم المنافسة العلمية، ومرة أخرى نرى تجاهل هذا الاختبار وعدم الأخذ به، الآن وبكل صراحة، نتوسم خيراً في الوزير الحالي للتعليم العالي الدكتور عبد الرزاق العيسى لأنه ابن هذه المؤسسة الأكاديمية كونه أستاذاً ورئيساً لجامعة الكوفة في النجف، حيث يسعى الى وضع اللبنات الأساسية للارتقاء بالدراسات العليا من خلال التنافس عن طريق المعدل فضلاً عن خضوع طلبة الدراسات العليا الى امتحان الكفاءة باللغة الإنكليزية، وأيضا الاختبار العام، كما ان الوزير عازم على تغيير القيادات غير المؤهلة في الجامعات العراقية خدمة للصالح العام وللعملية التربوية.

ويرى الدكتور سادر أن ما يقلل من قيمة شهادة الدكتوراه في المجتمع هو كثرة الاستثناءات التي تصدر من مؤسسات حكومية رسمية وغير رسمية عدة لبعض الأشخاص من غير المؤهلين وغير الكفوئين لدخولهم الدراسات العليا وبالتالي يزاحمون من هم أجدر منهم بالدراسة في محاولة الصعود عن طريق المحسوبية والمنسوبية للحصول على لقب (دكتور).

وكشف الأستاذ الدكتورعلاوي سادر جازع ان وزارة التعليم العالي أصدرت قبل شهرين تعميماً بعدم الاعتراف بـ (15) كلية ومعهداً واحداً في كربلاء، وأن لا يحق للكليات والمعاهد الأهلية بمنح رسالة الدكتواره باستثناء معهد العلمين في النجف الأشرف.
ويلفت الأستاذ جازع إلى أن الحصول على الشهادة هو ليس نهاية المطاف، فقد يحصل أحدهم على شهادة الدكتوراه ويتخرج لكنه يتقوقع على معلومات الشهادة فيصبح ضعيفاً في أدائه العلمي والأكاديمي..

هوَس الشهادة

ويشير جازع أيضاً الى أن هناك هوساً للحصول على شهادة الدكتوراه بأية وسيلة كانت، ليس للاستفادة والإفادة من هذا اللقب، بل للتباهي وسط المجتمع بأنه دكتور متناسياً أهمية وثقل هذا اللقب العلمي وتأثيره في المجتمعات على مر العصور.
ويروي عميد كلية التربية ان بعض الرسائل التي حصل أصحابها على شهادة الدكتوراه جرى كشفها وآخرها كانت رسالة لأستاذ في جامعة بغداد نال بها شهادة الدكتوراه في الجغرافية ،ولم تكن إلا رسالة لأستاذة من كلية أخرى قام مكتب في باب المعظم باستنساخها وتقديمها على أنها أعدت من قِبله مقابل مبلغ معين!!

جهاز لكشف السرقة

ويوضح جازع: ولتفادي سرقة البحوث العلمية الجاهزة من قبل بعض طلبة الماجستير والدكتوراه الذين ليست لهم القدرة على ملكة الكتابة استحدثنا نظاماً جديداً في جامعة بغداد لكشف هذه الممارسات الخاطئة هو نظام (الإستلال)، الذي زودنا به زميل دكتور من كلية ابن الهيثم بسعر زهيد جداً وهو عبارة عن جهاز يكشف البحوث المسروقة والجاهزة ويحيلها الى لجنة الإستلال للنظر فيها، وانا شخصيا رفضت 17 رسالة دكتوراه مسروقة وجاهزة وبسبب ذلك تعرضت الى ضغوط ، حيث ان وزارة التعليم العالي سمحت بالاستعانة بالمصادر العلمية في رسائل الدكتوراه بنسبة 7% ولا يمكن التجاوز على هذه النسبة المحددة، وبطبيعة الحال بدأت هذه الظاهرة تنخفض نسبياً لوجود مثل هكذا أجهزة حديثة وتطبيق وسائل قانونية رادعة اخرى.

دوّامة الخراب

فيما يؤكد أستاذ قسم العلوم التربوية والنفسية – جامعة بغداد- الدكتور سلمان كيوش:

ان البلد يدور في دوّامة اسمها (الخراب العام) وان سرقة البحوث بهدف الحصول على شهادة عليا هو جزء من هذا الخراب. ويوضح أن المدرسة في أية مؤسسة تربوية هي صورة مصغّرة لما يجري في المجتمع، وأن ما يحصل الآن، ومع كل الأسف، هو استسهال للمهمة التربوية، فسابقاً كان على الطالب أن يمر بضوابط واختبارات غاية في الدقة لا ينجو منها إلا ذو حظ عظيم، في وقتنا الحاضر باتت هذه الاختبارات في أدنى مستوياتها ولم تعد الشهادة مؤشراً للوعي والثقافة على الإطلاق، وكنا حين نعلم أن فلاناً (دكتور) يتبادر الى أذهاننا أنه مثقف وملمّ الى حد ما بالمعرفة، ومن هذه (الإلمامات) إجادته اللغة العربية السليمة التي هي أولى الضحايا في المجتمع، إذ السائد اليوم أنه عندما يخطئ الطالب في اللغة يبرر ذلك بالقول أنه ليس مختصاً باللغة العربية، إذن أنا اتساءل: هل لدينا لغة اخرى نتقنها جيداً غير اللغة العربية!

لقد سمح التساهل وتجاوز المعايير بوصول حشود من حملة الشهادات العليا غير المؤهلين.

لذا، فإن هناك عدم جدّية في التعلم، ونتمنى على القائمين في وزارة التعليم العالي وأصحاب الشأن في العملية التربوية ان يصلحوا ما أفسده الدهر على مدى عقود من الزمن، وان يعود التعليم في العراق الى ألقه ومجده وهيبته.

الناطق الإعلامي

بعد أن انتهينا من كتابة هذا التحقيق كان لابد من استطلاع رأي وزارة التعليم العالي في موضوع يقع في صميم اهتماماتها،بيد ان محاولاتنا للوصول الى مسؤول في الوزارة اصطدمت بالناطق الإعلامي الذي منع التعاون مع الإعلاميين على مساعديه وحصره بنفسه، وهذه ليست هي المشكلة بل ان هذا الناطق الإعلامي لم يكلف نفسه حتى عناء الرد على رسائل ومخاطبات الإعلاميين، ومع هذا لم نتوقف واستمرت محاولاتنا وأُجل نشر الموضوع حرصاً على ان يكون للوزارة رأي وكلمة، لكننا فشلنا، للأسف، في الحصول على تصريح من السيد الناطق الإعلامي برغم المواعيد التي ضربها لنا.. ولاندري في واقع الحال، لماذا سمّي ناطقاً؟